6
فلولا التقى لنحلناهم
7
علم الغيب، وأما ختلهم، فبينا هم ضعاف يغضون للخطب، إذ هم أشداء ركابون للهول، فهم أشبه شيء بالخمر؛ ضعيفة في الكأس، شديدة في الرأس، ولهم نظر يشف له كل شيء، كأنما قد جمعت أشعة رانتجن من أشعته، وإرادة سخر لها البخار في البحار كما سخر الريح لسليمان، وهم إذا دخلوا قرية جعلوا أعزة أهلها أذلة، وكان لهم في اجتذاب ثروتها كياسة الإسفنج في اجتذاب الماء مع ذلك الرفق والسهولة.
ولما دخلوا مصر دخول الشتاء على الشجر (ويا ليت طريقهم كان على وادي التيه يوم دخلوها)، إذا أهلها فريقان: فريق نظر إلى مساويهم بعين الأرمد، فملأ ماضغيه بمحاسنهم، فكان مثله وإياهم كالظلام والنار؛ يخفي دخانها، ويبدي سناها، وفريق ركب متن الغلواء في ذم أفعالهم، حسنة كانت أو سيئة، فكان مثله وإياهم كالإنسان والزمان؛ لا يشكر إذا أقبل، ولا يصبر إذا أدبر.
ومن تأمل في رقعة شطرنج الشرق، ورأى اليدين اللتين تجولان فيه، وعلم أن الأولى تديرها الأناة السكسونية، وأن الثانية تحركها الخفة الفرنسية، حكم بالفوز للتي يجب أن يحكم لها به كل من فرق بين عاقبة البدار تخالطه الخفة، وعاقبة الريث تخطئه الغفلة.
ثم أمسك عن الكلام وأخذ فيما كان فيه، فانصرفت بصاحبي، وجعلت أتحرى مسرته، وأتوخى تسليته، حتى بلغنا حيث نفترق، فعطفت يمنة وعطف يسرة، وما أنا إلا أن خطوت في طريقي بعض الخطوات حتى لمحت شيخين يمشيان على مهل، فقلت: أدانيهما فعلي أسمع منهما ما يذهب بذلك الهم الذي حملته من حديث صاحبي الموتور، فأسرعت الخطى حتى صرت على مسمع منهما ، فإذا أحدهما يقول للآخر: لقد أفاض الفلاسفة في تعريف السعادة، وتفننوا في تصوير اللذة، ولكني لم أجد فيهم من نفذ فهمه إلى حقيقة ذلك التعريف. جهلوا أن السعادة كل السعادة في شياخة السجادة، وأن أسعد الناس حالا، وأرخاهم بالا، جالس فوقها؛ يجري رزقه من تحتها، فهي الجنة التي تجري من تحتها أنهار النذور، والكنز الذي لا تفنى ذخائره أمد الدهور.
وأسعد من هذا الحي ميت يسخر له الله من يبني على قبره قبة عالية، ثم يدعو الناس إلى التبرك بتلك العظام البالية، فتجيء سعادته في مماته على قدر شقائه في حياته، وتطير بذكر كراماته الأنباء، وتحسده على تلك النعمة الأحياء، حتى يقول في ذلك قائلهم:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم
وبألف ألف ترزق الأموات
ناپیژندل شوی مخ