رأيتك قديما ذات أجنحة من العزم والهمة، وبصر نافذ كأنك استعرته من نور منرفا، وقلب قوي يقودك بجأش ثابت إلى أصعب المعارك وأوعر السبل، فكنت تحلقين بأجنحتك وحيدة كالنسر الجليل إلى أرقى سموات الفكر البشري، وتخرقين ببصرك الحاد حجب المجهولات والخفايا، وتقاومين بقلبك أشد العقبات وتتغلبين عليها، كنت - يا نفس - مملوءة بقوة الشباب، كنت بين النفوس بكرا ذات جمال وعفة.
أما اليوم فقد نالت منك الخبرة منالها، ولقنتك الأيام درسا مرا؛ فقللت من حدتك، وألانت من شدتك، وعلمتك الوقوف عند حدك.
ولكن أيتها النفس هل لك حد تقفين عنده؟
هل هناك أفق ينتهي لديه بطشك؟ هل في الكون كله دائرة لا مجال لك وراءها؟ كلا، أيتها النفس، إن العقل والحق والعدل والطبيعة كلها تبيح لك الكل؛ لأنك الكل في الكل، أنت سيدة مطلقة، ومالكة متصرفة فيما يقع تحت حسك من سماء وأرض ونور وكواكب وبحار وعوالم خفية لا أراها أنا وترينها أنت بعين ترى كل شيء ولا يغيب عنها في الوجود ذرة!
يقولون: الإنسان حقير في جنب الخليقة، وأنه أقل من ذرة حيال العوالم الكبرى. كذبوا! إنهم لا يعلمون، قد يكون الإنسان حقيرا بجسمه، ولكن ليس الجسم في نظري شيئا مذكورا، ولكنه عظيم بنفسه وهي كل شيء.
هل لنا غرض عظيم نسعى لندركه؟ هل للإنسانية التي قضت ألوف الألوف من الأجيال في جهاد ضد العناصر الأولى وضد قوى الطبيعة الظاهرة والكامنة غاية كبرى يسير إليها من يبقى من البشر ممن لا يهلكون في الطريق؟
أم نحن مخلوقون عبثا للتعذيب والفناء؟
لماذا ترفع الأصوات في كل صباح ومساء بالصلاة؟
لماذا تشرق الشمس وتغيب؟
لماذا يسعد قوم ويشقى آخرون؟
ناپیژندل شوی مخ