غير أن قوت القلوب صارحته بأنه لا بقاء لها في داره بعد اليوم، ولا أمان لها فيها .. فاضطر إلى عتقها وتزويدها بالمال، وتركها تذهب آخذة معها قلبه.
13
خفقت قلوب بالأسى .. تناجى قمقام وسنجام، والمجنون وعبد الله البحري .. حزنوا لسقوط التائبين .. أما قوت القلوب فعاشت وحيدة في دار جميلة .. عاشت في أمان من الحاجة ولكن في غشاء من الوحشة .. ومع أن سيدها استجاب لطلبها وأكرمها، ولكنها لم تعفه من الملامة لتفريطه فيها، ومرارة الوحدة تشتعل جحيما بالحب الخائب .. وسعى إليها طلاب الزواج حبا وطمعا، فرفضتهم جميعا .. رفضت حسن العطار، كما رفضت جليل البزاز .. ورغب فيها آخرون عن بعد كالمعين بن ساوي، وتساءل رجب الحمال أليس من حق من أحيا ميتا أن يملكه؟
14
ووقعت أحداث بسيطة لم ترمش لها أعين المدينة ولكنها هزت أفئدة أصحابها .. تزوج إبراهيم السقاء من ست رسمية أرملة جمصة البلطي .. وعرض بيت المال دار جمصة البلطي للبيع فأمر سليمان الزيني بدفن رأس جمصة في مقابر الصدقة .. ولم يفت المجنون أن يشهد دفن رأسه، وقال لنفسه: إنه أول إنسان يشيع نفسه إلى دار البقاء .. وسعد بزواج أرملته من إبراهيم السقاء؛ لأن وحدتها أمست تنغص عليه صفوه .. وثقل على المعين بن ساوي الشعور بالنبذ، فبدأ صفحة جديدة في التعاون المريب مع التجار والأغنياء .. وأمطرت السماء في ذلك الخريف على غير عادة.
15
وكان ثلاثة أشباح يخترقون الظلمة صامتين .. وتحت دار قوت القلوب نادتهم أوتار عود وصوت شجي تهادى إليهم يناجي رطوبة الخريف:
من عادة الدهر إدبار وإقبال
فما يدوم له بين الورى حال
كم أحمل الضيم والأهوال يا أسفي
ناپیژندل شوی مخ