المسائل واسرارها كما ان المطالع مظاهر الكواكب وانوارها ورتبه على طرفين لأن المنطق مقصور بالغير والحكمة مقصورة بالذات فكان ذلك من هذه فى طرف وهى منه فى اخر وقسم الطرف الثاني اربعة اقسام لان الحكمة علم باحث عن احوال اعيان الموجودات على ما هى عليه فى نفس الامر بقدر الطاقة البشرية والموجود اما واجب او ممكن والممكن اما جوهر او عرض فالبحث عن احوال الموجودات اما عن احوال تختص باحد هذه الاقسام او عن احوال مشترك بين قسمين منها او بين الثلاثة فان كان عن الاحوال المشتركة فهى الامور العامة وان كان عن الاحوال المختصة بالجواهر فهو قسم الجواهر او بالأعراض فهو قسمها او بالواجب فهو العلم الالهى وقدم الطرف الأول لان المنطق آلة لتحصيل العلوم الحكمية والآلة متقدمة بالطبع ولما كانت الحاجة اليه لدرك المجهولات وهى اما ان يطلب تصورها او يطلب التصديق بما يجب فيها من نفى او اثبات لا جرم حصره فى قسمين احدهما الاكتساب التصورات اى المجهولات من جهة التصور وثانيهما الاكتساب التصديقات الى المجهولات من جهة التصديق وبوب القسم الاول على بابين فرقا بين ما يكون المقصود بالذات فى هذا القسم وبين ما يكون توطئة له ووضع الباب الاول لذكر المقدمات وعنى بالمقدمة هاهنا ما يتوقف عليه الشروع فى العلم وكان الأنسب تصديرها على القسمين لعدم اختصاصها بهذا القسم وجعل مباحث الالفاظ منها وان عدها بعضهم من ابواب المنطق تنبيها على انها ليست جزء منه كما سيجى ء بيانه قال الفصل الأول اقول العلوم اما نظرية غير آلية واما عملية آلية وغاية العلوم الغير الآلية حصولها انفسها وغاية العلوم الآلية حصول غيرها ولما كان المنطق علما آليا يكون له غاية والغاية متقدمة فى التصور على تحصيل ذى الغاية فلا بد من تقديم معرفة غاية المنطق على تحصيله وكما ان غاية المنطق من مقدمات الشروع فيه كذلك معرفة حقيقته ليكون الشارع فيه على بصيرة فى طلبه لكن تصور حقيقته موقوف على معرفة ثبوته لان هلية الشي ء البسيطة متقدمة على مائية بحسب الحقيقة فيجب بيان هلية المنطق حتى يمكن بيان حقيقته فلذلك بين احتياج الناس الى المنطق فى اكتساب الكمالات لأنه اذا ثبت ان الناس يحتاجون اليه فى اكتسابها ولا شك ان الكمالات ثابتة وما لا يتم الشي ء الثابت الا به فهو ثابت يلزم ان يكون المنطق ثابتا ولما اشتمل بيان الحاجة على هذه الامور الثلاثة اما على غاية المنطق فلانه اذا علم ان الاحتياج لأى سبب كان ذلك السبب غايته واما على حقيقته فلان البحث بالاخرة ينساق اليه واما على الاحتياج اليه فظاهر عنون البحث الفضل ببيان الحاجة الى المنطق ايثارا للاختصار وايضا لما كان اخر ما ينحل اليه المقاصد قدمه ووسم الفضل به واذ قد توقف بيان الحاجة على معرفة التصور والتصديق صدر الفصل بهما فقال العلم اما تصوران كان ادراكا ساذجا واما تصديق ان كان معه حكم بنفى او اثبات اى العلم اما ادراك يحصل مع الحكم او ادراك يحصل معه فان كان ادراكا يحصل مع الحكم فهو التصديق والا فهو التصور وتوضيحه انا اذا تصورنا زوايا المثلث وتصورنا التساوى للقائمتين والنسبة بينهما فلا خفاء فى انا نشك فيها قبل قيام البرهان الهندسى ثم اذا وقفنا عليه جزمنا به فيحصل لنا حالة ادراكية مغايرة للحالة السابقة فهذه الكيفية الإدراكية الحاصلة مع الحكم سميت تصديقا وتقييد الحكم بالنفى والأثبات لإخراج التقييدى وهاهنا اشكالات يستدعى المقام ايرادها وجلها احدها ان هذا التوجيه لا يكاد يتم لأن التصديق ان كان نفس الحكم لا يصدق عليه انه ادراك يحصل مع الحكم وان كان هو المجموع المركب من تصورات الثلاثة والحكم فكذلك لأن الحكم حينئذ يكون سابقا عليه فلا يكون معه وجوابه ان المصنف اختار ان التصديق مجموع الإدراكات الأربعة ولما كان الحكم جزء اخيرا للتصديق فحالة حصول الحكم يحصل التصديق فيكون ادراكا يحصل مع الحكم معية زمانية وتقدم الحكم عليه بالذات لا ينافى ذلك وكان النزاع فى انه الحكم فقط او المجموع انما نشاء من هذا المقام وثانيها ان التصديق اما نفس الحكم واما مجموع الإدراكات والحكم وايا ما كان لا يندرج تحت العلم اما اذا كان نفس الحكم فلانه عبارة عن ايقاع النسبة فهو من مقولة الفعل فلا يدخل تحت العلم الذي هو من مقولة الكيف او الانفعال واما اذا كان التصديق هو المجموع فلان الحكم ليس بعلم والمجموع المركب من العلم ومما ليس بعلم لا يكون علما وجوابه ان الحكم وايقاع النسبة وللاسناد كلها عبارات والفاظ والتحقيق انه ليس للنفس هنا تاثير وفعل بل اذعان وقبول النسبة وهو ادراك ان النسبة واقعة او ليست بواقعة فهو من مقولة الكيف وكيف لا وقد ثبت فى الحكمة ان الافكار ليست اسبابا موجدة للنتائج بل معدات للنفس لقبول صورها العقلية عن واهب الصور ولو لا ان الحكم صورة ادراكية لما صح ذلك وثالثها ان التقسيم فاسد لأن احد الامرين لازم وهو اما تقسيم الشى ء الى نفسه والى غيره واما امتناع اعتبار التصور فى التصديق وذلك لان المراد بالإدراك الساذج اما مطلق الإدراك او الإدراك الذي اعتبر معه عدم الحكم فان كان المراد مطلق الادراك يلزم الامر الاول وهو ظاهر وان كان المراد الإدراك مع عدم الحكم يلزم الأمر الثاني لانه لو كان التصور معتبرا فى التصديق وعدم الحكم معتبرا فى التصور فيكون عدم الحكم معتبرا فى التصديق فيلزم اما تقوم الشى ء بالنقيضين او اشتراطه بنقيضه وكلاهما محالان وجوابه ان اردتم بقولكم التصور معتبر فى التصديق ان مفهوم التصور معتبر فيه فلا نسلم ومن البين انه ليس معتبرا فيه فكم من مصدق لم يعرف مفهوم التصور وان اردتم ان ما صدق عليه معتبر فى التصديق فم لكن لا نسلم انه يلزم ان يكون عدم الحكم معتبرا فى التصديق وانما يلزم لو كان مفهوم التصور ذاتيا لما تحته وانه ممنوع ورابعها ان التصور والتصديق ينقسمان الى العلم والجهل فلو انقسم العلم اليهما يلزم انقسام الشى ء الى نفسه والى قسيمه وانه محال وجوابه ان العلم هاهنا عبارة عن الصورة الحاصلة من الشى ء عند الذات المجردة وهو اعم من ان يكون مطابقا اولا يكون وخامسها ان قوله العلم اما تصور ان كان ادراكا ساذجا جملة شرطية قدم الجزاء فيها على الشرط وذلك غير جايز وعلى تقدير جوازه يكون محصل الكلام ان العلم ان كان ادراكا ساذجا فهو اما تصور وان كان ادراكا مع الحكم فهو اما تصديق ومن البين فساد هذه العبارة اذ قد اورد فيها كلمة اما بدون اختها وجوابه ان الشرط هاهنا وقع حالا فلا يحتاج الى الجزاء واعلم ان مختار المصنف فى التصديق منظور فيه من وجوه الاول انه يستلزم ان التصديق ربما يكتسب من القول الشارح والتصور من الحجة اما الاول فلان الحكم فيه اذا كان غنيا عن الاكتساب ويكون تصور احد طرفيه كسبيا كان التصديق كسبيا على ما اختاره وسياتيك بيانه وحينئذ يكون اكتسابه من القول الشارح واما الثاني فلان الحكم لا بد ان يكون تصورا عنده واكتسابه من الحجة الثاني ان التصور مقابل للتصديق ولا شى ء من احد المتقابلين بجزء للمقابل الاخر واما الواحد والكثير فلا تقابل فيهما على ما نسمعه من ائمة الحكمة الثالث ان الإدراكات الأربعة علوم متعددة فلا يندرج تحت العلم الواحد فعلى هذا طريق القسمة ان يقال العلم اما حكم او غيره والاول التصديق والثاني التصور وهو مطابق لما ذكره الشيخ وغيره من محققى هذا الفن فى كتبهم لا يقال الشيخ ما قسم العلم الى التصور والتصديق بل الى التصور الساذج والى التصور مع التصديق فانه قال فى الاشارات قد يعلم تصورا ساذجا مثل علمنا بمعنى اسم المثلث وقد يعلم تصورا معه تصديق مثل علمنا بان كل مثلث فان زواياه مساوية القائمتين وذكر فى الشفاء ان الشى ء قد يعلم على وجهين احدهما ان يتصور فقط كما اذا كان له اسم فنطق به تمثل معناه فى الذهن وان لم يكن هناك صدق او كذب كما اذا قيل انسان او قيل افعل كذا فانك اذا وقفت على معنى ما نخاطب به من ذلك كنت قد تصورية والثاني ان يكون مع التصور تصديق كما اذا قيل لك مثلا ان كل بياض عرض لم يحصل لك من هذا تصور هذا القول فقط بل صدقت انه كذلك او ليس كذلك اما اذا شككت انه كذلك او ليس كذلك فقد تصورت ما يقال فانك لا تشك فيما لا تتصوره ولا تفهمه لكن لم تصدق به بعد فكل تصديق يكون معه تصور ولا ينعكس فالتصور فى مثل هذا المعنى يفيدك ان تحدث فى الذهن صورة هذا التأليف وما يؤلف منه كالبياض والعرض والتصديق هو ان يحصل فى الذهن نسبة هذه الصورة الى الأشياء انفسها انها مطابقة لها والتكذيب يخالف ذلك هذه عبارة الشيخ وهى مصرحة بما ذكرنا لأنا نقول ليس المراد ان العلم ينقسم الى التصورين والا لم يكن القسمة حاصرة فان التصديق عنده علم على مقتضى تعريفه وهو ليس شيئا منهما بل المراد ان العلم يحصل على وجهين وحصوله على وجه اخر لا ينافى ذلك على ان سائر كتب الشيخ مشحون بتقسيم العلم الى التصور والتصديق فانه ذكر فى مفتتح المقالة الأولى من الفن الخامس من منطق الشفاء ان العلم المكتسب بالفكر والحاصل بغير اكتساب فكرى قسمان احدهما التصديق والأخر التصور وقال وليس الكل من كل منهما ضروريا لا يحتاج فى حصوله الى نظر وهو ترتيب امور حاصلة يتوصل بها الى تحصيل غير الحاصل والا لما احتجنا الى تحصيل ولا نظريا يحتاج اليه والا لما قدرنا على تحصيل
مخ ۱۰