لتعقلته قال الفصل الثالث فى مباحث الألفاظ اقول ان للإنسان قوة عاقلة ينطبع فيها صور الأشياء من طرق الحواس او من طرق اخر فلها وجود فى الخارج ووجود فى العقل ولما كان الإنسان مدنيا بالطبع لا يمكن تعيشه الا بمشاركة من ابناء نوعه واعلامهم على ما فى ضميره من المقاصد والمصالح ولم يكن ما يتوصل به الى ذلك اخف من ان يكون فعلا ولم يكن اخف من ان يكون صوتا لعدم ثباته وازدحامه قاده الإلهام الإلهي الى استعمال الصوت وتقطيع الحروف بآلات معدة له ليدل غيره على ما عنده من المدركات بحسب تركيباتها على وجوه مختلفة وانحاء شتى ولأن الانتفاع بهذا الطريق مختص بالحاضرين وقد مس حاجة اخرى الى اطلاع الغائبين والموجودين فى الأزمنة الآتية على الأمور المعلومة لينتفعوا بها ولينضم اليها ما يقتضيه ضمائرهم فتكمل المصلحة والحكمة اذا كثر العلوم والصناعات انما كملت بتلاحق الأفكار لا جرم ادى تلك الحاجة الى ضرب اخر من الأعلام فوضعت اشكال الكتابة ايضا لأجل الدلالة على ما فى النفس الا انها وسطت الألفاظ بينها وبين ما فى النفس وإن امكن دلالتها عليه بلا توسط الألفاظ كما لو جعل للجوهر كتابة وللعرض كتابة اخرى لكن لو جعل كذلك لكان الإنسان ممنوا بان يحفظ الدلائل على ما فى النفس الفاظا ويحفظها نقوشا وفى ذلك مشقة عظيمة فقصد الى الحروف ووضع لها اشكال وركبت تركيب الحروف ليدل على الألفاظ فصارت الكتابة دالة على العبارة وهى على الصور الذهنية وهى على الأمور الخارجية لكن دلالتها على ما فى الخارج دلالة طبيعية لا يختلف لا الدال ولا المدلول بخلاف الدلالتين الباقيتين فانهما لما كانتا بحسب التواطؤ والوضع تختلفان بحسب اختلاف الأوضاع اما فى دلالة العبارة فالدال يختلف دون المدلول واما فى دلالة الكتابة فكلاهما يختلفان فيكون بين الكتابة والعبارة وبين العبارة والصور الذهنية علاقة غير طبيعية الا ان علاقة العبارة بالصور الذهنية ومن عادة القوم ان يسموها معانى احكمها واتقنها لكثرة الاحتياج اليها وتوقف الإفادة والاستفادة عليها حتى ان نعقل المعانى قلما ينفك عن تخيل الالفاظ وكان للفكر يناجى نفسه باأفاظ متخيلة فلاجل هذه العلاقة القوية صار البحث الكلى عن الألفاظ غير مختص بلغة دون لغة من مقدمات الشروع فى المنطق والا فالمنطقى من حيث انه منطقى لا شغل له بها فانه يبحث عن القول الشارح والحجة وكيفية ترتيبها وهو لا يتوقف عليها بل لو امكن تعلمها بفكرة من حيث هى كذلك احتراز عن اللفظ المشترك بين الكل والجزء وبين اللازم وملزومه ويعتبر فى الالتزام اللزوم الذهنى اذ لا فهم من دونه لا الخارجى لحصوله دونه كما فى العدم والملكة
مخ ۲۷