اثبات الأعراض الأولية من المطالب العلمية ضرورة ان الذي بلا وسط بذلك المعنى بين الثبوت والشبهة انما نشأت من عدم الفرق بين الوسط فى التصديق وبين الوسط فى الثبوت والشيخ صرح بذلك فى كتاب البرهان من منطق الشفاء مرارا وقال فرق بين المقدمة الأولية وبين مقدمة محمولها اولى لأن المقدمة الأولية ما لا يحتاج الى ان يكون بين موضوعها ومحمولها واسطة فى التصديق واما الذي نحن فيه فكثيرا ما يحتاج الى وسائط وفى تعريف العرض الذاتى على ما ذكروه نظر لأنهم عدوا ما يلحق الشي ء على جزئه الأعم منه وليس كذلك لأن الاعراض التي تعم الموضوع وغيره خارجة عن ان تفيده اثرا من الآثار المطلوبة له اذ تلك الآثار انما توجد فى الموضوع وهى توجد خارجة عنه او لا يرى ان علم الحساب انما جعل علما على حدة لأن له موضوعا على حدة وهو العدد فينظر صاحبه فيما يعرض له من جهة ما هو عدد فلو كان الحاسب ينظر فى العدد من جهة ما هو كم لكان موضوعه الكم لا العدد فالأولى ان يقال العرض الذاتى ما يلحق الشي ء لما هو هو او بواسطه امر يساويه كالفصل والعرض الأولى او يقال ما يختص بذات الشي ء ويشمل افراده اما على الإطلاق كما للمثلث من تساوى الزوايا الثلث لقائمتين او على سبيل التقابل كما للخط من الاستقامة والانحناء فمنه ما يحمل على كلية الموضوع لكن لا يكون ذلك الحمل لأمر اعم ومنه ما لا يكون كذلك لكن لا يحتاج فى عروضه الى أن يصير نوعا معينا يتهيأ لقبوله كما لا يحتاج الجسم فى ان يكون متحركا او ساكنا الى ان يصير حيوانا او انسانا بخلاف الضحك فانه يحتاج الى ان يصير انسانا وايضا منه ما هو لازم مثل قوة الضحك للإنسان ومنه ما هو مفارق كالضحك بالفعل ووجه التسمية اختصاصه بذات الشي ء وما لا يختص بالشي ء بل غرض له لامر اعم او يختص ولا يشمله بل يكون عارضا له لامر اخص يسمى عرضا قريبا لما فيه من الغرابة بالقياس الى ذات الشي ء الثالث البحث عن الاعراض الذاتية والمراد منه حملها اما على موضوع العلم او انواعه او اعراضه الذاتية او انواعها كالناقص فى علم الحساب على العدد والثلاثة والفرد وزوج الزوج فهى من حيث يقع البحث فيها يسمى مباحث ومن حيث يسئل عنها مسائل ومن حيث يطلب حصولها مطالب ومن حيث يستخرج من البراهين نتائج فالمسمى واحد وان اختلف العبارات بحسب اختلاف الاعتبارات واعلم ان ما عرف به المصنف موضوع العلم ليس يتناول الا الأعراض الأولية ويخرج عنه التي بواسطة امر مساو داخل او خارج والتعويل على ما شيدنا اركانه قال والتصورات والتصديقات أقول قد سبق الى بعض الأوهام ان موضوع المنطق الألفاظ من حيث انها تدل على المعانى وذلك لأنهم لما رأوا ان المنطق يقال فيه ان الحيوان الناطق مثلا قول الشارح والجزء الأول جنس والثاني فصل وان مثل قولنا كل ج ب وكل ب ا قياس والقضية الأولى صغرى والأخرى كبرى وهى مركبة من الموضوع والمحمول حسبوا ان هذه الأسماء كلها بازاء تلك الألفاظ فذهبوا الى انها هى موضوعه وليس كذلك لان نظر المنطقى ليس الا فى المعانى المعقولة ورعاية جانب الألفاظ انما هى بالعرض كما سيلوح به مقامه وذهب اهل التحقيق الى ان موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث انها ما هى فى انفسها ولا من حيث انها موجودة فى الذهن فان ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث انها توصل الى المجهول ويكون لها نفع فى ذلك الإيصال اما تصوير المعقولات الثانية فهو ان الوجود على نحوين فى الخارج وفى الذهن وكما ان الأشياء اذا كانت موجودة فى الخارج يعرض لها فى الوجود الخارجى عوارض مثل السواد والبياض والحركة والسكون كذلك اذا تمثلت فى العقل عرضت لها من حيث هى متمثلة فى العقل عوارض لا يحاذى بها امر فى الخارج كالكلية والجزئية فهى المسماة بالمعقولات الثانية لانها فى المرتبة الثانية من التعقل واما التصديق بموضوعيتها فلان المنطق يبحث فيه عن احوال الذاتى والعرضى والنوع والجنس والفصل والخاصة والعرض العام والحد والرسم والحملية والشرطية والقياس والاستقراء والتمثيل من الجهة المذكورة ولا شك انها معقولات ثانية فهى اذن موضوع المنطق وبحثه عن المعقولات الثالثة وما بعدها واعترض عليه اكثر المتاخرين بان المنطقى يبحث عن نفس المعقولات الثانية ايضا كالكلية والجزئية والذاتية والعرضية ونظائرها فلا تكون هى موضوعه ولذلك عدل صاحب الكشف والمصنف عن طريقة المحققين الى ما هو اعم فقالا موضوعه التصورات اى المعلومات التصورية والتصديقات اى المعلومات التصديقية لأن بحث المنطقى عن اعراضه الذاتية فانه يبحث عن التصورات من حيث انها توصل الى تصور مجهول ايضا لا قريبا اى بلا واسطة ضميمة كالحد والرسم وايصالا بعيدا ككونها كلية وذاتية وعرضية وجنسا وفصلا فان مجرد امر من هذه الأمور لا يوصل الى التصور ما لم ينضم اليه امر اخر يحصل منهما الحد والرسم ويبحث عن التصديقات من جهة انها توصل الى تصديق مجهول ايصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل او بعيدا ككونها قضية وعكس قضية ونقيض قضية فانها ما لم ينضم اليها ضميمة لا توصل الى التصديق ويبحث عن التصورات من حيث انها توصل الى التصديق ايصالا ابعد ككونها موضوعات ومحمولات فانها انما توصل اليه اذا انضم اليها امر اخر يحصل منهما القضية ثم ينضم اليها ضميمة اخرى حتى يحصل القياس او الاستقراء او التمثيل ولا خفاء فى ان ايصال التصورات والتصديقات الى المطالب قريبا او بعيدا من العوارض الذاتية لها فتكون هى موضوع المنطق لا يقال لا مسئلة فى المنطق محمولها الايصال البعيد او الأبعد فلا يكون عرضا ذاتيا يبحث عنه فيه لأنا نقول المنطقى يبحث عن الأعراض الذاتية للتصورات والتصديقات لكن لما تعذر تعداد تلك الأعراض على سبيل التفصيل وكانت مشتركة فى معنى الإيصال عبر عنها على سبيل الإجمال قطعا للتطويل اللازم من التفصيل لا يقال كل ما يبحث عنه المنطقى اما تصور او تصديق والموصل قريبا الى التصور يسمى قولا شارحا والى التصديق حجة والاول مقدم وضعا لتقدم التصور على التصديق طبعا للعلم الأولى بان الحكم والمحكوم به وعليه ان لم يكن متصورا بوجه ما امتنع الحكم ولا يعتبر فى الحكم على الشي ء تصوره بحقيقته فقد يحكم على جسم معين بأنه شاغل لحيز معين مع الجهل بحقيقته
مخ ۲۱