لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
خپرندوی
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
۱۴۰۲ ه.ق
د خپرونکي ځای
دمشق
ژانرونه
عقائد او مذهبونه
شَيْئًا، وَيُسَمُّونَهُ الْمُعَلِّمَ الْأَوَّلَ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ لَهُمُ التَّعَالِيمَ الْمَنْطِقِيَّةَ، وَالْمُعَلِّمُ الثَّانِيَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ فَلَاسِفَةِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ لَهُمُ التَّعَالِيمَ الصَّوْتِيَّةَ، وَوَسَّعَ لَهُمْ فِي صِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ وَبَسَّطَهَا، وَشَرَحَ فَلْسَفَةَ أَرِسْطُو وَهَذَّبَهَا، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقَةِ سَلَفِهِ، وَالْمُعَلِّمُ الثَّالِثُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا، فَإِنَّهُ بَالَغَ فِي تَهْذِيبِ الْفَلْسَفَةِ وَقَرَّبَهَا مِنْ شَرِيعَةِ الرُّسُلِ وَدِينِ الْإِسْلَامِ بِجُهْدِهِ وَغَايَةِ مَا أَمْكَنَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَحَسْبُكَ جَهْلًا بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ ﷾ لَوْ عَلِمَ الْمَوْجُودَاتِ لَحِقَهُ الْكَلَالُ وَالتَّعَبُ، وَاسْتُكْمِلَ بِغَيْرِهِ، وَحَسْبُكَ خِذْلَانًا وَضَلَالًا وَعَمًى السَّيْرُ خَلْفَ هَؤُلَاءِ، وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ، وَأَنَّهُمْ ذَوُو الْعُقُولِ، وَحَسْبُكَ عَجَبًا مِنْ جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ مَا قَالُوهُ فِي سِلْسِلَةِ الْمَوْجُودَاتِ، وَصُدُورِ الْعَالَمِ عَنِ الْعُقُولِ الْعَشَرَةِ وَالنُّفُوسِ التِّسْعَةِ، إِلَى أَنْ أَنْهَوْا صُدُورَ ذَلِكَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَدَرَ عَنْهُ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا إِرَادَةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَصَرَّحَ أَفْلَاطُونُ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَسَاطِينُ، وَحَكَى عَنْهُ ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ أَرِسْطُو، وَخَالَفَهُ فِيهِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدِيمٌ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَلَاحِدَةُ الْفَلَاسِفَةِ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: لَيْسَ لِأَرِسْطُو وَلَا لِأَتْبَاعِهِ وَلَا غَيْرِهِمْ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ أَصْلًا، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ هُوَ أَرِسْطُو، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْأَسَاطِينُ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ بِقِدَمِ صُورَةِ الْفَلَكِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي الْمَادَّةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَا شَكَّ يَعْتَرِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ فَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ قَدِيمٌ بِقَدَمِهِ، وَلَا نَفْسٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا غَيْرُهُمَا. قَالَ فِي (إِغَاثَةِ اللَّهْفَانِ): وَالْفَلَاسِفَةُ فِرَقٌ شَتَّى لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ، وَأَحْصَى الْمُعْتَنُونَ بِمَقَالَاتِ النَّاسِ مِنْهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً مُخْتَلِفَةً اخْتِلَافًا كَثِيرًا، مِنْهُمْ أَصْحَابُ الرِّوَاقِ، وَأَصْحَابُ الظُّلَّةِ، وَالْمَشَّاؤُونَ وَهُمْ شِيعَةُ أَرِسْطُو، وَفَلْسَفَتُهُمْ هِيَ الدَّائِرَةُ الْيَوْمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَهِيَ الَّتِي يَحْكِيهَا ابْنُ سِينَا، وَالْفَارَابِيُّ، وَابْنُ الْخَطِيبِ، وَغَيْرُهُمْ، وَمِنْهُمُ الْفِيثَاغُورِيَّةُ وَالْأَفْلَاطُونِيَّةُ، قَالَ: وَلَا نَجِدُ مِنْهُمُ اثْنَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى رَأْيٍ
1 / 279