والثالث ممتنع بعد ارتفاع الوحي؛ وأيضا على هذا أنه لايحكم إلا على من ورد فيهم النص بأعيانهم، أو قاتلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كذلك؛ وأما غيرهم وإن كانوا على /33 ما هم عليه من الملة فلا؛ لاحتمال أن يكونوا مخطئين متأولين قد بذلوا الجهد، فليسوا بمؤاخذين؛ وهو خلاف ما قضت به الآيات القرآنية، ونطقت به السنة النبوية، وأجمعت عليه الأمة المحمدية، من معاملة كل فرد من كل طائفة من أهل الكتابين، وسائر الملل الكفرية بمعاملتهم، من غير فرق بين ناظر ومعاند، ومقر وجاحد.
ولم يبق إلا الرابع؛ واشترك فيه كل مخالف؛ وسواء قدر أنه عاند أو قصر؛ لمخالفة المعلوم، الذي كلف العلم به، ضروريا كان أو استدلاليا جليا، مع التمكن من النظر، وإن اختلف حكم المخالفة، وتفاوتت الدرج، إلى مخرج عن الملة وغير مخرج، حسبما يقتضيه الدليل.
وبهذا وغيره من الأدلة القاطعة مما لايسعه المقام يتبين أنه غير معذور، وأن المطابقة للحق ممكنة؛ إذ لايكلف الحكيم ماليس بمقدور؛ والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
هذا، وقد علم ماعمت به البلوى من الافتراق، وقامت به سوق الفتنة في هذه الأمة على ساق، وصار كل فريق يدعي النجاة لفريقه، والهلكة على من عدل عن منهاجه وطريقه، وأن حزبه أولوا الطاعة، وأولى الناس بالسنة والجماعة؛ كما قال ذو الجلال: {كل حزب بما لديهم فرحون (53)} [المؤمنون] /34
مخ ۳۴