ورفع الجناح للمتأول بالخطأ، محله فيما شأنه أن يخفى، مما لم يقم عليه بيان قاطع، ولابرهان ساطع، وإلا امتنع الحكم بالضلال؛ للاحتمال لكل مدع لشبهة، من أهل الكتابين وسائر الملل الكفرية، وارتفع القطع بالهلاك لأي مخالف يجوز ذلك في حقه من البرية، مالم يقروا بالعناد، وذلك أقل قليل من العباد؛ وهذا عدو الله إبليس تشبث بالشبهة وهو رأس الإلحاد، ولم يعذر الله تعالى من /32 حكى عنهم ظن الإصابة والاعتقاد، نحو قوله عز وجل: {ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون (18)} [المجادلة]، {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا(103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104)} [الكهف]، وما ورد من أوصاف المارقين من الدين.
ولانسدت الطريق، إلى معاملة كل فريق، ولبطلت الأحكام، من الجهاد والمعاداة وغيرها؛ وهذا خلاف المعلوم الضروري من دين الإسلام، وقد أمر الله بالمقاتلة والمباينة لغير المعاهدين، من الكافرين والباغين، ولم يستثن ذا شبهة وتأويل، بل جعل المناط مخالفة الدليل؛ ولايمكن الفرق قطعا بين من عذره الله تعالى ورفع عنه الجناح، ومن لم يعذره وأوقع عليه اسم الكفر أو البغي ونحو ذلك، مما يفيد المؤاخذة باتضاح، إلا بأحد أربعة أمور:
1. إما أن يكون الخلاف في ضروري.
2. وإما أن يصرح كما قدمنا بالعناد، وعدم النظر.
3. أو يرد فيه نص بخصوصه.
4. أو يكون المناط المخالفة للمعلوم المكلف به ضروريا كان أو استدلاليا جليا.
والأول والثاني غير موجودين قطعا في كثير من أهل الكتابين، وأهل الملل وغيرهم، وقد علم قطعا جري الأحكام عليهم جميعا، من كان منهم في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده.
مخ ۳۳