کولمب او نوی نړۍ
كولومب والعالم الجديد: تاريخ اكتشاف أميركا
ژانرونه
أما وقد وافت الساعة التي ذكرها لهم، ورأوا أن لون القمر يتغير وكأنه قد تقنع هرعوا إلى السفن، ووعدوا كولومب وعدا صادقا لا يبرون فيه أنهم منذ ذلك لا ينهجون إلا في سواء السبيل ولا يألون جهدا عن إرضاء سيده. ثم توسلوا إلى «رسول الإله العظيم» (لقبوا كولومب بذلك بعد خسوف القمر؛ لأنهم اعتقدوا أن تلك معجزة من معجزاته) أن يصلي إلى سيده من أجلهم.
فانسحب كولومب من وسطهم، ودخل إلى مخدعه. وهناك توسل إلى السيد له المجد أن يفتح عيون هؤلاء القوم، ويهبهم العقل والذكاء؛ لكيما يعرفون مقداره، ولكيما يؤدون له ما يلزم من الطاعة والتبجيل والمحبة والاحترام. ثم خرج وأخبرهم أنه توسل إلى الله. وبعد ذلك قال لهم: إن ما رأوه إنما هو أصغر مشاهده التي تدل على عظمته وجبروته، وأنه ليس مجهولا ولا مخيفا لمن يخدمه بأمانة وطاعة ونشاط. ثم انتهز فرصة خضوعهم وإصغائهم إليه، وجعل في قلوبهم الخشوع والاحترام لإله المسيحيين العظيم (هكذا كانوا يدعون الله). ومنذ تلك اللحظة لم يتكلموا عن هذا الإله إلا بشفاه ملأى خشوعا وتبجيلا.
هكذا تجنب كولومب ثورة الهنود وأمرائهم، وخاب مسعى الأخوين «بوراس». ومع ذلك فإن كولومب لعلو نفسه وكرم شيمه صفح عن الأخوين الغادرين واصطحبهما معه، وبذل جهده في حفظهما سالمين حتى وصلا إلى إسبانيا عندما رجع إليها الأميرال.
أما «أوفندو» - وليرجع مرجوعنا إليه - فلم يوافق على إرسال سفينة إلى الأميرال كولومب - كما طلب منه «ديجو» - إلا مكرها، وذلك بعدما رأى من شعبه قالا وقيلا، صوبوا سهامهما نحوه. وما كان من «ديجو مندز» إلا أنه استأجر على تلك السفينة سفينة أخرى، وذهب بالاثنتين إلى «جاميكا» ومنها إلى إسبانيا حاملا خطابا من كولومب إلى الملكة.
أما هذا الخطاب الذي شرح فيه كولومب اكتشافاته الجديدة، ومحنه الغريبة التي صادفها في هذه الرحلة، فإنه وصل إلى الملكة في اللحظة التي رقدت فيها إيزابل على سرير الموت عقب مرض عضال أصابها. إلا أنها قرأت تلك الرسالة، وعرفت نتيجة اكتشافات كولومب الأخيرة التي لم تكن لترجى. ثم عرفت من مصدر آخر ثورة الأخوين «بوراس» ومعاملة «أوفندو» الذميمة لكريستوف وجوره وعسفه على أهالي تلك الجزر التعساء.
على أن كولومب لم يلبث حتى علم وهو في «سنت دومنج» بخبر مرض الملكة. ومع أن السفينتين كانتا خربتين لا تستطيعان الملاحة، فإنه عزم أن يذهب لرؤية إيزابل العظيمة قبل مماتها مهما كانت الطوارئ والعقبات.
فلم تكد السفينتان تتركان مرساهما حتى أتتهما لفحة ريح شديدة كسرت الصاري الأكبر لإحداهما. فلم يكن من الأميرال إلا أنه بعث بإحدى السفينتين إلى «سنت دومنج» ثم ركب الأخرى وسار. أما البحر فكان هائجا على الدوام كرجل غضوب ملآن حقدا كمينا. ولتوالي الزوابع والعواصف صارت الصواري تتكسر حتى قصرت جدا، وحينئذ تراكمت على كولومب الهموم والأحزان والآلام والأوجاع حتى سها عليه أن يصلح سفينته في جزائر الآثور عندما مر بها. وكانت غايته المقصودة وضالته المنشودة الوصول إلى تلك الأرض التي تتنفس عليها إيزابل الكريمة الخلق والخلق.
ففي السابع من نوفمبر سنة 1504 دخل كولومب في ميناء «سنت ليكاردي باراميدا». إلا أن الظروف والمقادير لم تساعد ذلك البطل العظيم أن يقابل إيزابل سلطانة الكاستيل على سطح هذه البسيطة الغبراء الفانية، وإنما في الحياة الأخرى حياة الخلود والدوام ... ففي يوم الثلاثاء 26 نوفمبر سنة 1504 طلبت إيزابل إذ أحست بدنو ساعة احتضارها الرهيب وقرب أجلها، أن تردى بثوب القديس «فرنسوا» بصفتها عضوا من أعضاء شيعته. ثم تناولت القربان المقدس ومسحت المسحة المقدسة بثبات ونفس متأهبة لسماع حكم الإله العادل. أقول: عادل؛ لأنها قد خدمت يسوع له المجد دائما بأمانة وذمة وشهامة وهمة وصبر ونشاط، فاستحقت منه كل خير، واعتنقت مبادئه القويمة اعتناقا تاما، وخصصت لخدمته كل قواها وقوى مملكتها الواسعة الأطراف. لذلك كانت تستحق منه سبحانه وتعالى أن يكلل هامتها بالإكليل الأزلي المرصع بجواهر الرحمة والغفران ولآلئ الطوبى والنعمة، ذلك الإكليل الذي يضمحل بجانبه - بل ويختفي من أمامه - إكليل الكاستيل، والذي سيضيء على رأسها ضوءا حيا أبديا.
وإذ علم كولومب أن إيزابل قضت نحبها حزن حزنا شديدا، ثم ذهب إلى «سيجوفيا» في ربيع سنة 1505 حيث كان فردينند هناك. فاستقبله الملك بكل ترحاب وانعطاف، وأصغى بطول بال إلى قصته الغريبة، وتاريخ رحلاته واكتشافاته. ومع أنه اعترف له بألقابه التي يستحقها بلا جدال ولا نزاع فإنه لم يعده بشيء من تلك الألقاب، وكان يوصيه دائما بنفسه وصحته، وبعد انتهاء المجلس يسمح له بالانصراف مبديا ذلك بإشارة صغيرة لطيفة.
ولما رأى كولومب أنه عومل كملك الملوك - له المجد - مهجورا من الجميع محروما من حقوقه الشرعية القانونية، قضى أيامه كسير القلب مدمى الفؤاد، لا سيما لما كان يراه من سوء معاملة الناس للهنود الذين أحضرهم معه. وقد زاد الطين بلة موت تلك الملكة العظيمة الشأن الرفيعة المقام. فصار كولومب يقتدي بالسيد تمام الاقتداء في خضوعه وانقياده. وكما حمل الصليب إلى كل مكان حمله أيضا على جسمه وفي نفسه، ومات وهو ناظر إلى المصلوب ملك اليهود. وبما أنه قطع الأمل والرجاء إلا في الله سبحانه وتعالى ولم ينتظر جزاء لأعماله إلا منه عز وجل، مضى حياته في شقاء تام وتعاسة زائدة، واستعد أن يلفظ روحه الطاهرة استعداد بطل مغوار، بل استعداد قديس زاهد متعبد.
ناپیژندل شوی مخ