کولمب او نوی نړۍ
كولومب والعالم الجديد: تاريخ اكتشاف أميركا
ژانرونه
وقد هلك من الست وثلاثين سفينة ست وعشرون، ابتلعتها تلك الهاوية المائية التي لا قرار لها في نفس مركزها التي لبثت فيه. وأما العشرة الأخرى فضلت في الظلام الحالك والضباب الشديد ولم يجدوا فيها رجالا ولا غنائم. ولقد اختفى في تلك الظروف كل ما كانوا جمعوه في الشهور والأعوام. وكذلك أيضا راح نحو الخمسمائة رجل شهداء تعنت ذلك الحاكم وسخريته بكولومب. فراح فيها المفترون والثائرون ورولدان وبوبا ديلا، وكل من كان يطمح في اغتيال الكنوز والإثراء من غير الباب القويم، وكل من عادى كولومب وقاتل الهنود وسفك الدماء ونهب الآثار. أجل، تم كل ذلك في تلك اللحظة الهائلة والبرهة المريعة، بينما كان كولومب يصلي طالبا إلى الله بحرارة شديدة في مرفأ صغير بعيدا عن أعين الناظرين.
فهذا الحادث الهائل بل هذه الكارثة الفظيعة اعتبرها أعداء كولومب أنفسهم قصاصا إلهيا لهم. بل إن هيئتها الغريبة والشكل الذي أخذته أثرا تأثيرا عظيما على بلاد الإسبان وحكومتها (كما ذكر ذلك روزلي دي لورج المؤرخ المشهور). بل إن هول تلك الظروف وعظم الخسارة والتلف وحداد أكثر من خمسمائة أسرة، جعلت لتفاصيل ذلك الحادث حقيقة فاجعة، جديرة بالذكرى والعبرة لمن اعتبر بما يحدث للآخرين قبلما يصير عظة لهم:
فلنعتبر بمن قضى خير لنا
من أن نكون عبرة لغيرنا
ولما صفا الجو وهب النسيم العليل أتم كولومب جولانه في البحار عاكفا على الرحلات، رغما عن معاكسة أعدائه العديدين وما كانوا يوجهونه إليه من المظاهرات العدائية العديدة. فاكتشف على مقربة من ساحل «هندراس» جزيرة «جوانابا». ثم في السابع عشر من أغسطس سنة 1502 رسا بالقرب من نهر دعاه «بوسيسيون»؛ أي المستعمرة، وفي ذلك اليوم اكتشف كولومب ليس فقط جزر «الأنتيل» - أي الهند الغربية - ولكنه وصل بدون علم إلى جزئي أميركا الشمالي والجنوبي بواسطة أميركا الوسطى.
وكان كولومب يدخل الأجوان ويتبع الشواطئ مداوما على الملاحة بكل بسالة وبدون ملل، لا يحوله عن الجد في البحث عن البوغاز شيء أبدا. وكان وقتئذ بالقرب من «شاجر» من الجهة الأخرى «لبناما». ومن العجب أن نفس المكان الذي صمم على أن يصادف فيه البوغاز، وكان يبحث عنه ليتم طوافه حول الأرض، ولينتقل من المحيط الأتلانطيقي إلى المحيط الهادي، هو نفس النقطة التي يريد رجال يومنا هذا أن يجعلوها مركز علاقاتهم التجارية بين أعظم الأمم وأكبر الشعوب! وذلك مما يدل على ذكاء كولومب ونبوغه العظيم وخبرته الواسعة في انتقاء المراكز المهمة ورصانته وحزمه. ولكن إذ لم يجد ممرا اتجه نحو المشرق، واتبع البرزخ بدون علم منه. ومع ذلك فلم يلبث الجو هادئا والريح معتدلة حتى ازدادت الزوبعة، وساءت الحال، وصارت قلوب أبسل الشجعان تخفق وتضطرب، وكان البحر ثائرا يغلي ويفور كأن مياهه فوق دست عظيم تتقد من تحته نيران الجحيم. ثم هطل المطر مدرارا بغزارة ودوي تهتز له الأجسام ارتعابا وارتعادا، بل أستغفر الله أن أسميه مطرا، فقد ذكر كولومب في كتاباته التي تركها أنه لا يجوز تسمية هذا مطرا بالمرة، وكأن ذلك كان ينبئ بقرب حلول زوبعة دورية.
أما كولومب فانفتح جرحه المعهود ثانيا، وأوشك أن يميته من شدة الألم. وما لبث كذلك حتى هبطت الزوبعة الدورية في البحر على هيئة مخروط من الماء تتخلله كتل ثلجية، ولم تمر مدة قصيرة حتى قام أمامها عمود آخر من الماء تكون من الأمواج الهائجة. ثم تقدم ذلك العمود المائي إلى السفينة، وكأنه يتهددها بالخراب والدمار. فأسرع كولومب حينئذ بإشعال الشموع المكرسة وشد شريط القديس «فرانسوا»، وقبض على الكتاب المقدس بيد وعلى حسامه بالأخرى ورسم بالأخير في الفضاء صليبا عظيما، وناشد ذلك العمود الهائل أن يجل ويحترم خدام الكلمة التي تم بها كل شيء.
وفي الحال كأن العمود المائي دفع بنفخة غير منظورة؛ فتغير اتجاهه وانزلف بين السفن وضاع في الأفق نازلا في تلك الهاويات البحرية العميقة. ولكن إذ رأى كولومب استمرار ثوران البحر وانعكاس هبوب الرياح رغما عن اختفاء الزوبعة الدورية، اضطر أن يلتجئ إلى ميناء صغير يدعى «بيلين»، حتى إذا هدأ الماء وهبت الرياح وفق إرادته واصل السير إلى مناجم «فيراجوا» الغزيرة. وهناك هجم عليه أحد أمراء أولئك الهنود المدعو «كيبيان»، ولولا هروب هذا الرجل لوقع غنيمة باردة في يدي كولومب وأتباعه إلا أنه أفلت. فأخذ الهنود في ذبح الإسبانيين الذين أرسلهم كولومب في قارب إلى هناك للاستعلام والاستقصاء على تلك السواحل. بينما أخذ البعض الآخر في محاصرة الحاكم في حصنه. ولكنه بفضل إخلاص «ديجو مندز» لهم وبسالته العجيبة؛ فازوا بنجاة كل ما كان في الحصن، ثم أقلعوا قبل أن يهدأ البحر.
ورأى كولومب سفينة من سفنه على وشك الدمار، ولكنها استمرت في مداومة المسير حتى وصلوا إلى سواحل «جاميكا» وهناك شحطت. ورأى أيضا أن السفينتين الأخريين لا يمكنهما متابعة السير فالتزم إيقاف عمل السفينة «الكابتان» - أي القبودان - وربطها ربطا محكما على سواحل «سان جاك دي بالوس»، وابتنى عليها شبه حصن متين أودع فيه كل ما كان معه، بعدما نبه على رجاله أنه سيعامل كل من يحيد عن سواء السبيل بكل قسوة وشدة. أما «ديجو مندز» ذلك الباسل المغوار فبعدما نشر لواء الأمن وتدارك كل ما يهم البحارة، ووعده أمراء الهنود بتوريد جميع المؤن اللازمة لهم بواسطة المبادلات التجارية، فإنه ركب زورقا صغيرا غير مبال بالهلاك، وذهب توا إلى «سنت دومنج» فطلب من «أوفندو» أن يرسل معه سفينتين ليرجع عليهما كولومب ورجاله إلى أوروبا. وإذ كان ديجو في مأموريته هذه التي استغرقت شهورا طويلة مال الإسبانيون الذين كانوا في «جاميكا » إلى الثورة، وكثيرا ما ساعدهم على ذلك أخوان من أسرة «بوراس» بكل جسارة وجراءة. إلا أنهما بعدما نهبا السفن، وسلبا منها ما استطاعا إليه سبيلا، نزلا في قوارب طالبين العودة إلى أوروبا.
أما الهنود وأمراؤهم ففكروا جميعا في أمر الثورة، ولما علم بذلك كولومب دعاهم لرؤية مشهد عظيم؛ فاشرأبت لهذا أعناقهم وتوافدوا عليه زرافات ووحدانا. فانتهز كولومب تلك الفرصة التي اجتمع فيها هذا الجم الغفير، وذكرهم أنه عند وصوله أخبرهم بأن سيده المسيح إله هذا الكون أرسله إلى تلك البقاع، وأنه يجب عليه أن يبقى فيها حتى يصدر أمر هذا الملك الكريم بالانسحاب. ثم قال لهم: إن السيد الإله له المجد عرف أنهم سينزعون إلى الثورة، ويأبون توريد المؤن للملاحين؛ ولذلك قد غضب عليهم غضبا شديدا. ثم شرح لهم أنه بعد ظهور القمر بقليل في نفس الساعة التي حددها يأخذ الكوكب في الاحمرار وينتهي بالسواد، وعند انتهائه من الكلام سخر البعض بتهديداته وارتعد البعض الآخر عند سماعها.
ناپیژندل شوی مخ