لعل من أهم الأسباب لذلك قلة الأندية للرياضة البدنية في الأحياء المختلفة، ففي أكثر الأحياء لا تجد مكانا يرتاض فيه إلا الشارع «والقهوة». يجب أن تكون أندية اللعب والحدائق والمكاتب في كل حي من الأحياء.
أضف إلى ذلك أن جهل الأمة وعدم تربيتها تربية صحيحة يفسد ذوقها، وهذا هو السبب في أنك تجد «القهوة» والروضة والمكتبة والملعب في حي واحد ثم تجد «القهوة » وحدها هي العامرة بالزائرين.
وسبب ثالث وهو أن فقدان السعادة المنزلية في بيوتنا جعلنا نفر من البيوت - التي كان يجب أن تكون أعز شيء عندنا - إلى الأندية العامة نمضي فيها أنفس أوقاتنا. وسبب فقدان السعادة المنزلية يرجع في الأغلب إلى انتشار الفقر وجهل الزوجين، وعدم معرفتهما «فن الحياة». (12) التعاون
التعاون نوعان: تعاون بين أفراد الأمة الواحدة، وتعاون بين الأمم (12-1) التعاون بين أفراد الأمة الواحدة
الإنسان مدين بحياته ووجوده للمجتمع، فلولا اجتماع أبويه وتعاونهما ما وجد ولا تربى، وليس يستطيع بعد أن ينقطع عن العالم ويتجرد من كل ما كسبه منه، فهو حتى لو عاش في جزيرة وحده، إنما يستعمل - في تحصيل رزقه وصيد الحيوانات التي حوله - الآلات التي علمه إياها المجتمع، بل هو لو لم يتخذ معه آلات ولا كساء فإنما يجمع ما يقتاته وينسج ما يلبسه بمعلومات هو مدين بها لمجتمعه، فالتعاون بين الأفراد لا بد منه للحياة، وكلما تقدم الناس في الحضارة كانت حاجتهم إلى التعاون أشد، ويظهر ذلك جليا إذا قارنت بين سكان القرى وسكان المدن، فالفلاح يزرع، وهو يطحن ويخبز، ولا يستعين على ذلك إلا بأهل بيته، وقد ينسج ملابسه بنفسه من صوف غنمه، ويربى أولاده في حقله، وعلى الجملة فمطالب الحياة لديه بسيطة قليلة، يقوم في أكثرها بنفسه وأهله، أما ساكن المدن فمحتاج إلى مخبز يعد له الخبز، ولبان يحضر له اللبن، وفي ملابسه يحتاج إلى مراكب تستورد له ملابسه من الخارج، وخياط يخيطها له، ومدارس تربي أولاده، وترام أو سيارات ينتقل عليها، وجرائد يقرؤها، ونحو ذلك من المطالب التي يستغني القروي عن كثير منها.
وكثرة الحاجات والمطالب، وشدة الحاجة إلى التعاون، ألجأت الناس إلى توزيع الأعمال، وتخصيص كل طائفة لعمل، وتعاون كل طائفة من العمال مع الأخرى.
أنظر - مثلا - إلى الكتاب الذى تقرؤه، فقد اشترك فيه ألوف من العمال قبل أن يصل إلى يدك، وتعاون عليه طوائف من الصناع كل طائفة تخصصت لعمل، فطوائف لصنع الورق قد تخصصت كل جماعة لنوع من صناعته، هؤلاء لعجينته، وهؤلاء لصقله وهكذا، والمؤلف الذى ألف الكتاب قد اشترك في إعداده للتأليف جماعة كثيرون، ربوه وأعانوه وعلموه حتى استطاع أن يؤلف، وإذا نظرت إلى المطابع التي طبعت الكتاب اتسع مجال النظر، فكم من الصناع اشتركوا في صنع آلات الطباعة! وصنع الحبر، وصنع الحروف! وكم من العمال صفوا الحروف ثم طبعوها! وهكذا، ولولا هذا التعاون بين طوائف العمال ما وصل الكتاب إلى يدك.
وتوزيع العمل على الناس، وتخصيص كل طائفة بعمل ساعد على الإتقان، كالذي ترى في لاعبي الكرة، فلو أنك رتبت اللاعبين، وكلفت كل لاعب عملا خاصا، انتظم اللعب، وكان أوفى بالغرض، وعلى العكس من ذلك إذا أنت سمحت لكل لاعب أن يأتي بكل أعمال اللعب من غير تحديد.
كذلك كان هذا التوزيع من وسائل توفير الزمن وتوفير المال، فالقمح لو اشتغل أفراد في حصاده، وآخرون في طحنه، وطائفة ثالثة في خبزه، أخذ زمنا أقل في إعداده، وكان أرخص مما إذا اشتغلت طائفة واحدة بالحصاد والطحن والخبز معا.
لعلك نظرت إلى آلة من الآلات الكبيرة كآلة الطباعة، أو آلة رفع المياه، أو توليد الكهرباء، وكيف رأيت أن كل آلة مركبة من أجزاء مختلفة، كل جزء له عمل خاص، فعجلات ومكابس ونحوها تتحرك حركات مختلفة، وكل جزء يتحرك حركة مناسبة للآخر، ومؤدية لتحصيل الغرض من الآلة، كذلك الناس والحياة، هم آلة كبيرة، كل يؤدي عملا جزئيا، وكل يتعاون مع الجزء الآخر في عمله، ولو قعد جزء هام من العمال عن العمل لوقف سير العمل جميعه، كما إذا وقف جزء هام من آلة الطباعة، وكل جماعة من الناس صالحون لنوع من العمل قد لا يصلحون لغيره، فالواجب أن يعملوا ما صلحوا له وأن يؤدوا عملهم على أحسن وجه، علما بأن بقية أجزاء الأمة يتوقف عملها على عملهم، وإن لم تر ذلك عيونهم.
ناپیژندل شوی مخ