وما فات من الزمن لا يعود، فالصبا إذا فات فات أبدا، والشباب إذا مر مر أبدا، والزمن المفقود لا يعود أبدا.
وإذا كان محدودا وكان لا يمكن أن يمد فيه أو يقصر، وكانت قيمته في حسن إنفاقه، وجب أن نحافظ عليه ونستعمله أحسن استعمال.
وليس للانتفاع بالزمن والمحافظة عليه إلا طريق واحد، هو أن يكون لك غرض في الحياة ترضى عنه الأخلاق فتنظم زمنك للوصول إليه.
وإنما يضيع الزمن بأمرين:
الأول:
ألا يكون للإنسان غرض يسعى إليه، قال عمر بن الخطاب: «إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا، لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة» - فما أضيع زمن قارئ يقرأ ما يقع في يده من الكتب من غير أن يكون له غرض معين، كبحث موضوع خاص أو دراسة مسألة خاصة - وما أتعب من يمشى في الطريق لا لغرض، يسير من شارع لشارع ويتنقل من حانوت لآخر لا لغرض معين - وتحديد الغرض يوفر من الزمن الشيء الكثير، ويسير الإنسان في الحياة على هدى، كلما صادفته أمور عرف كيف ينتخب منها ما يغذي غرضه، ويتجنب ما لا يتفق معه، إن الذين لا يحددون أغراضهم ويتركون الزمن يمر عليهم كما يمر على الجماد قلما يصدر عنهم خير كبير أو يأتون بعمل عظيم، والإنسان بلا غرض كالسفينة في البحر بلا مقصد.
ويلاحظ أن أكثر الناس عملا أوسعهم زمنا، ذلك لأنهم محدودو الغرض، فهم يوجهون أعمالهم لنيله، ولا يصرفون زمنهم في التردد والإختيار، ولا يكونون كرة في يد الظروف تلعب بهم كما تشاء، بل هم الذين يخلقون الظروف ويتصرفون فيها حسب أغراضهم في الحياة.
الثاني:
مما يضيع الزمن أن يكون للإنسان غرض محدود ولكنه لا يخلص لغرضه، فلا يجد للوصول إليه، ولا يعمل ما يتفق معه.
عدم الغرض وعدم الإخلاص له هما اللصان اللذان يسرقان الزمن ويضيعان فائدته.
ناپیژندل شوی مخ