بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي كتاب الطهارة وفيه فصول:
الأول في الوضوء وفيه أبحاث:
الأول: يجب الوضوء للصلاة الواجبة والطواف الواجب، والمشهور وجوبه لمس كتابة القرآن إن وجب. والمندوب ما عداه. والمشهور وجوب الوضوء لغيره، وقيل بوجوبه لنفسه عند وجود بعض أسبابه (1). وهو غير بعيد نظرا إلى الدليل، لكن نقل جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه (2).
الثاني: أسباب الوضوء: خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد، والنوم الغالب على الحاستين، ويلحق به كل ما أزال العقل من جنون أو إغماء أو سكر عند الأصحاب، لا أعرف خلافا فيه بينهم، لكن في دليله تأمل.
مخ ۱۴
ومن أسباب الوضوء الاستحاضة القليلة، ولا يوجب الوضوء شيء آخر غير ما ذكرناه.
الثالث: في كيفية التخلي، يجب فيه ستر العورة، والمشهور تحريم استقبال القبلة واستدبارها، والقول بالكراهة غير بعيد، والظاهر أن المراد الاستقبال والاستدبار بجميع البدن.
ويجب غسل مخرج البول بالماء خاصة والأحوط اعتبار الغسلتين، والثلاث أكمل.
ويجب غسل مخرج الغائط بالماء خاصة مع التعدي حتى ينقى، ومع عدمه يتخير بين الماء وبين ثلاثة أحجار طاهرة وشبهها مزيلة للعين، ولو لم ينق بالثلاثة وجب الزائد، ولو نقي بالأقل وجب الإكمال على المشهور; وقيل: لا يجب (1) وهو الأقرب والماء أفضل، والجمع أكمل.
والمندوبات: تغطية الرأس، والتسمية، والاستبراء، والدعاء دخولا وخروجا، وعند الاستنجاء، وعند الفراغ منه.
ويكره الجلوس في الشوارع والمشارع، وفيء النزال، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن، واستقبال جرم النيرين واستقبال الريح واستدبارها، والبول في الصلبة، وفي ثقوب الحيوان، وفي الماء، والبول قائما، والتطميح بالبول، والسواك، والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى، والحق به أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، والكلام بغير الذكر والحاجة وآية الكرسي وحكاية الأذان.
الرابع: يجب في الوضوء النية، ويكفي فيها القربة، والأقوى عدم وجوب نية الوجوب والاستباحة أو الرفع; ويجب استدامتها حكما إلى الفراغ ويتضيق وقت النية عند غسل الوجه.
ويجب غسل الوجه بما يسمى غسلا من قصاص شعر الرأس إلى محادر
مخ ۱۵
الذقن طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا من مستوي الخلقة، وغيره يحال عليه. والمشهور أنه لا يجوز الغسل منكوسا، وعند السيد المرتضى استحباب ذلك (1) وهو غير بعيد. ولا يجب تخليل اللحية وإن خفت على الأقوى، نعم يجب غسل البشرة الظاهرة في خلال الشعور.
وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويدخل المرفقين في الغسل، ولو نكس بطل الغسل على المشهور خلافا للسيد. والظاهر أنه يجب غسل الشعور في اليد.
ويجب مسح بشرة مقدم الرأس أو شعره المختص به بأقل اسمه، والأقرب عدم وجوب المسح مقبلا، والمشهور استحباب ذلك.
ويجب مسح بشرة الرجلين بأقل اسمه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، والمشهور وجوب الاستيعاب الطولي وهو غير ثابت، لكنه أحوط، والأولى أن يمسح بتمام كفه والكعبان قبتا القدمين على الأقرب، وقيل مجمع القدم وأصل الساق (2) والأقرب جواز المسح منكوسا، ولا يجوز المسح على حائل إلا للتقية والضرورة.
والمشهور أنه يجب مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء، خلافا لابن الجنيد (3).
ويجب الترتيب إلا في الرجلين، والموالاة، وهي أن يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه على الأشهر الأقرب. والأقرب أن المبطل جفاف جميع الأعضاء السابقة لا البعض.
وذو الجبيرة إن تمكن من مراعاة الغسل أو المسح الواجب فعل، وإلا أجزأه المسح عليها، وصاحب السلس يتوضأ لكل صلاة على الأشهر الأقرب.
مخ ۱۶
والأحوط عدم تثنية الغسلات، بل الأحوط الاكتفاء بغرفة للوجه وغرفتين لليدين.
ويستحب: التسمية والدعاء عند كل فعل، وغسل اليدين من الزندين قبل أن يدخلهما الإناء، مرة من حدث النوم والبول، ومرتين من الغائط، والمضمضة والاستنشاق، والبدأة للرجل بظاهر الذراع عكس المرأة، والوضوء بمد.
ويكره: الاستعانة، والمشهور كراهية التمندل، خلافا للمرتضى (رحمه الله) (1) وهو المسح بالمنديل، فلا يلحق به غيره، اقتصارا على مورد النص. ويحرم التولية اختيارا.
ولو تيقن الحدث وشك في الطهارة توضأ، وكذا لو تيقنهما وشك في المتأخر على الأشهر الأقرب، ولو شك في شيء منه وهو على حاله أعاد العضو المشكوك فيه مع ما بعده رعاية للترتيب، ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث لم يلتفت، ولا فرق بين أن يكون الحدث مشكوكا أو مظنونا. ولو شك في شيء منه بعد الانصراف لم يلتفت.
الفصل الثاني في الغسل وفيه أنظار:
الأول: الأغسال الواجبة غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة مع غمس القطنة، والنفاس، وغسل الأموات، وغسل مس الأموات من الناس بعد برده بالموت وقبل الغسل على المشهور. وما عدا ذلك مستحب.
مخ ۱۷
النظر الثاني في الجنابة وهي تحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا، وبالجماع في قبل المرأة حتى تغيب الحشفة، وفي دبر المرأة كذلك على المشهور، خلافا للشيخ (1) وللأول رجحان ما، وفي وجوب الغسل بوطء الغلام تردد، والأشهر الوجوب، والموطوءة قبلا كالواطئ، وفي الدبر تردد.
ولو اشتبه المني اعتبر بالشهوة والدفق وفتور الجسد، وفي المريض لا يعتبر الدفق، ولا يجب الغسل إلا مع اليقين بالسبب، ولا يكفي الظن.
ويحرم عليه قراءة العزائم بلا خلاف، والمذكور في الرواية السجدة (2) والمشهور السورة. وذكر المتأخرون من جملتها قراءة البسملة بقصد إحداها، ومس كتابة القرآن على المعروف المدعى عليه الإجماع من جماعة، والمشهور تحريم مس شيء مكتوب عليه اسم الله تعالى أو أسماء الأنبياء أو الأئمة (عليهم السلام).
ويحرم عليه اللبث في المساجد على المشهور الأصح ووضع شيء فيها على الأشهر الأقوى، ويحرم عليه الاجتياز في المسجدين.
ويكره الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق على المعروف، وفي بعض الروايات الصحيحة: يغسل يده أو يتوضأ، والوضوء أفضل (3) وفي بعضها:
غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل (4) ويكره له مس ما عدا المكتوب من المصحف على الأشهر الأقرب، وحرمه المرتضى (رحمه الله) (5) والنوم إلا بعد الوضوء، والخضاب، وقراءة ما زاد على سبع آيات على الأقرب، وتشتد الكراهة فيما زاد على سبعين آية.
مخ ۱۸
والأقرب وجوب غسل الجنابة لنفسه.
ويجب فيه النية عند الشروع مستدامة الحكم حتى يفرغ; وغسل بشرة جميع الجسد بأقل اسمه، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به، والترتيب يبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر على المعروف، والروايات غير دالة على الترتيب بين اليمين واليسار.
ويجوز أن يرتمس في الماء مرة واحدة، فلو نوى خارج الماء ثم غمس في الماء مرة واحدة أجزأ، ولو نوى في داخل الماء ثم غمس رأسه وبقية بدنه في الماء ففي الإجزاء تأمل. والموالاة غير معتبرة في غسل الجنابة، ولو أخل بالترتيب يجب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب. ويتخير في غسل العورة مع الجانبين أو التبعيض وكذا البيضتين، وفي الذكرى جعل غسلهما مع الجانبين أولى (1) وهو أحوط.
ولا يجب الوضوء مع غسل الجنابة، والأشهر الأقوى أنه لا يستحب أيضا معه. وفي وجوب الوضوء مع باقي الأغسال الواجبة خلاف، والأشهر الوجوب، والأقوى عدمه كما هو مذهب المرتضى (رحمه الله) (2).
ويستحب الاستبراء، وهو الاجتهاد في إزالة بقايا المني المتخلفة في المحل بالبول، أو الاجتهاد بالاستبراء المعهود. وقيل بالوجوب (3) والأول أقرب. وهل يختص الاستبراء بالرجل؟ فيه قولان.
وإذا رأى المغتسل للجنابة بللا بعد الغسل فإن علمه منيا أو بولا لحقه حكمه، وإن اشتبه فالصور خمس:
الاولى: أنه بال واستبرأ، فلا إعادة عليه اتفاقا.
الثانية: أن ينتفي الأمران، فالأظهر الأشهر وجوب إعادة الغسل.
الثالثة: بال ولم يستبرئ، فحكمه عدم وجوب إعادة الغسل ووجوب الوضوء.
مخ ۱۹
الرابعة: استبرأ ولم يبل وكان البول ممكنا، والأقوى وجوب إعادة الغسل.
الخامسة: استبرأ ولم يبل ولم يكن البول ممكنا، والمشهور عدم وجوب إعادة الغسل. وقيل بوجوب الإعادة (1) وتوقف فيه العلامة في المنتهى (2) ومقتضى عموم الأخبار وجوب الإعادة (3).
ويستحب غسل اليدين ثلاثا قبل الغسل، والأولى غسلهما من المرفقين، ويستحب المضمضة والاستنشاق، وإمرار اليد على الجسد، وغسل كل عضو ثلاثا، والموالاة، والغسل بصاع، والدعاء بالمنقول.
ويحرم التولية اختيارا، ويكره الاستعانة.
ولو أحدث في أثناء الغسل فالأقرب أنه يكفي الإتمام، والأحوط وجوب إعادة الغسل.
النظر الثالث في الحيض وهو في الأغلب أسود حار يخرج بحرقة، وقال بعضهم: إنه يخرج من الأيسر (4) وقال بعضهم: من الأيمن (5).
وما تراه قبل التسع وبعد اليأس فليس بحيض; واختلفوا في سن اليأس، فقيل:
إنه خمسون (6) وقيل: ستون (7) وقيل: خمسون إلا في القرشية، فإن يأسها ستون (8) وألحق بعضهم بالقرشية النبطية (9) ولا مستند له، والمسألة محل تردد، وللقول بالخمسين رجحان، نظرا إلى الروايات (10) فإن اشتبه دم الحيض بالعذرة اعتبر بالقطنة، فإن خرجت القطنة مطوقة فهو دم عذرة وإلا فحيض.
مخ ۲۰
وأقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة، والزائد عن أكثره وأكثر النفاس ليس بحيض، واختلف الأصحاب في اشتراط التوالي في الأيام الثلاثة، فذهب أكثر الأصحاب إلى اعتباره، خلافا للشيخ في النهاية (1) ولا يبعد ترجيح الأول.
واختلفوا في المعنى المراد بالتوالي، وظاهر الأكثر الاكتفاء بحصول مسمى الدم في كل واحد من الأيام الثلاثة وإن لم يستوعبه، ولعل ذلك ظاهر عموم الروايات (2) واعتبر مع ذلك بعض المتأخرين أنها إذا رأته في أول جزء من أول ليلة من الشهر ثم تراه في آخر جزء من اليوم الثالث بحيث يكون عند غروبه موجودا وفي اليوم الوسط يكفي أي جزء كان منه (3). وبعضهم اعتبر الاتصال في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف في أي جزء كان من أجزاء الثلاثة تلوث (4) وظاهرهم أن الليالي معتبرة في الثلاثة، وبه صرح ابن الجنيد (5).
وأقل الطهر عشرة أيام.
وتستقر العادة الوقتية والعددية باتفاق شهرين وقتا وعددا، فإذا رأته في الشهر الأول في السبعة الاولى وفي الثاني كذلك فقد استقرت العادة عددا ووقتا، فإذا رأته في أول الثالث تحيضت برؤيته، والأقوى عدم اشتراط استقرار الطهر في استقرار العادة.
وللعادة قسمان آخران:
أحدهما: أن ترى شهرين متوافقين في العدد دون الوقت.
وثانيهما: أن ترى شهرين متوافقين في الوقت دون العدد.
وذات العادة الوقتية والعددية متى رأت الدم في وقت العادة تترك الصلاة
مخ ۲۱
والصوم وإن لم يكن الدم على صفة الحيض، والأقرب أنه (1) إذا رأت الدم قبل العادة أو بعدها أيضا تترك الصلاة والصوم إذا كان الدم بصفة الحيض.
وأما المبتدئة - وهي من لم تستقر عادتها بعد - فهل تترك الصلاة برؤية الدم؟
اختلف الأصحاب في ذلك، فذهب جماعة منهم إلى أنه تترك العبادة برؤية الدم (2) وذهب جماعة منهم إلى أنه تحتاط للعبادة إلى ثلاثة أيام (3) والأقرب أنه تترك العبادة برؤية الدم إذا كان بصفة الحيض، والخلاف المذكور جار في المضطربة أيضا.
والدم الذي لا يكون بصفة الحيض حيض في أيام العادة، وما كان بصفة الحيض ليس بحيض في أيام الطهر.
وإذا تجاوز الدم عشرة وكانت ذات عادة وقتية وعددية ولم يكن لها تمييز فإنها تعول على العادة، وإن كان لها تمييز فإن توافق التمييز والعادة رجعت إليها، وإن تخالفا فلا يخلو إما أن يكون بينهما أقل الطهر أم لا، فإن كان بينهما أقل الطهر ففيه خلاف، وقطع جمع من الأصحاب بأنه تجعلهما حيضا (4) والظاهر عندي الرجوع إلى العادة.
وإن لم يكن بينهما أقل الطهر، فإن أمكن الجمع بينهما بأن لا يتجاوز المجموع العشرة، فالذي صرح به غير واحد من المتأخرين أنه تجمع بينهما (5).
وللشيخ فيه قولان:
أحدهما: ترجيح التمييز، والآخر ترجيح العادة (6) ولعله الراجح.
وإن لم يمكن الجمع بينهما كما إذا رأت في العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة
مخ ۲۲
الحيض وتجاوز المجموع العشرة فالأقرب الأشهر الرجوع إلى العادة.
وقيل: ترجع إلى التمييز (1) وقيل بالتخيير (2) وقيل غير ذلك (3).
ولو لم تكن للمرأة عادة وكان لها تمييز رجعت إلى التمييز، وعند الأصحاب أنه لا فرق بين أن يكون مبتدئة أو مضطربة، لكن المستفاد من الرواية أن الرجوع إلى التمييز مختص بالمضطربة وأن للمبتدئة حكما آخر وهو التحيض بالسبع أو الست (4).
واعلم أن القدر الذي يستفاد من الروايات في اعتبار صفة الحيض الحرارة والدفع والسواد، والعلامة وجماعة من المتأخرين اعتبروا قوة الدم وضعفه وذكروا فيه تفاصيل (5).
ويشترط في تحقق التمييز امور:
الأول: اختلاف صفة الدم بأن يكون بعضه مشابه الحيض دون بعض.
الثاني: أن لا ينقص المشابه عن ثلاثة.
الثالث: أن لا يزيد عن عشرة على المشهور بين الأصحاب، وفي كلام الشيخ اضطراب (6) ولي في الحكم المذكور تردد.
الرابع: أن لا ينقص الضعيف مع أيام النقاء عن أقل الطهر، وبهذا الاشتراط صرح جماعة من المتأخرين (7) وفيه قول بعدم الاشتراط (8) والأول لا يخلو عن رجحان.
مخ ۲۳
واعلم أنه يظهر من كلام جماعة من الأصحاب منهم العلامة أن المضطربة إذا ذكرت الوقت دون العدد أو العدد دون الوقت ووجدت تمييزا اعتبرت التمييز وإن كان منافيا لاعتبار العدد أو الوقت (1) ولا بعد فيه. وهاهنا أبحاث ذكرتها في الذخيرة (2).
وإذا تجاوز الدم عشرة ولم يكن لها عادة ولا تمييز رجعت المبتدئة إلى عادة أهلها، وهن: الأقارب من الأبوين أو أحدهما، فإن اختلفن أو فقدن إما بعدمهن أصلا أو بموتهن وعدم علمها بعادتهن، أو بعدم تمكنها من استعلام حالهن رجعت إلى أقرانها، أي: ذوات أسنانها على المشهور بين الأصحاب، والأقوى عدم الرجوع إلى الأقران كما ذهب إليه جمع من الأصحاب (3).
وإن اختلفت الأقران أو لم نقل بالرجوع إلى الأقران ففيه اختلافات بين الفقهاء واختلاف في الروايات، ولا يبعد العمل بموثقة ابن بكير «قال: المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما» (4).
ولا يبعد العمل بمرسلة يونس أيضا من أنها تتحيض في كل شهر سبعة أيام أو ستة (5).
والمضطربة الناسية للوقت والعدد إذا لم يكن لها تمييز ليس لها الرجوع إلى الأقران، وفي حكمها أقوال متعددة، ولم أجد رواية دالة على حكمها، ورجح المحقق في المعتبر أنها تتحيض بثلاثة أيام وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا (6)
مخ ۲۴
وهذا القول متجه إلا أن في تعيين وقت الثلاثة اشكالا.
وإذا تذكرت الوقت دون العدد أو العدد دون الوقت ففي بعض الصور يحصل لها حيض يقينا، ولذلك تفاصيل لا يناسب هذا المختصر، من أرادها راجع كتاب الذخيرة.
والمشهور بين الأصحاب أن كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، ويدخل في هذا كل حيض تخلل بينه وبين الحيض السابق الواقع في العادة أقل الطهر.
واستشكل بعض المتأخرين ذلك وقال: الأظهر أنه إنما يحكم بكونه حيضا إذا كان بصفة الحيض أو في العادة (1) وما ذكره متجه بحسب الدليل.
ولو رأت المرأة الدم ثلاثة أيام وانقطع ثم رأت العاشر خاصة فالعشرة حيض، ويجب عليها الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة، فإن خرجت القطنة نقية فطاهرة، وإلا ثبت لذات العادة الوقتية والعددية صبر وانتظار إذا كانت عادتها أقل من العشرة بلا خلاف; للروايات. والخلاف هاهنا في أمرين:
أحدهما: في حد الانتظار (2) فقيل: يوم أو يومان (3) وقيل: إلى عشرة (4) وقيل:
إنها مخيرة بين يوم ويومين وثلاثة (5) وقيل بالتخيير بين الكل (6) وهو أقوى.
وثانيهما: هل الانتظار على سبيل الوجوب أو الاستحباب أو الجواز؟ فيه وجوه، والأقوى الأخير، وذكر العلامة وغيره أن الدم إذا انقطع على العشرة يظهر أن المجموع حيض، فيجب عليها قضاء الصوم عشرة وإن صامت بعد أيام الاستظهار (7) وتوقف فيه بعض المتأخرين (8) وهو في محله.
مخ ۲۵
والمشهور أنه إذا تجاوز الدم عشرة في الصورة المذكورة يظهر أن ما بعد العادة طهر، فتقضي صلاة أيام الاستظهار، كما أنها تقضي صيام تلك الأيام، وقيل بعدم وجوب قضاء الصلوات المذكورة (1). والمسألة محل تأمل.
وما مر حكم ذات العادة الوقتية والعددية، وألحق بها بعضهم ذات العادة العددية (2) وهو غير بعيد.
وذكر العلامة وغيره أن المبتدئة إذا استمر بها الدم يجب عليها الصبر إلى الانقطاع أو انقضاء العشرة (3) وهذا متجه إن كان الدم بصفة الحيض، وإلا ففيه إشكال.
وأكثر الأصحاب لم يذكروا للمبتدئة والمضطربة استظهارا.
ويجب الغسل عند انقطاع الحيض بلا خلاف، وكيفيته مثل غسل الجنابة، والأقوى عدم وجوب الوضوء مع غسل الحيض، والأشهر وجوبه، وأكثر القائلين بالوجوب خيروا بين تقديم الوضوء على الغسل أو تأخيره عنه وحكموا بأفضلية التقديم، ونقل عن الشيخ قول بوجوب تقديم الوضوء (4) وعلى المشهور مخيرة في صورتي التقديم والتأخير بين نية الاستباحة أو الرفع، ونقل عن بعضهم تعيين نية الاستباحة في صورة تقديم الوضوء (5).
ويحرم عليها في زمان رؤية الدم كل مشروط بالطهارة كالصلاة، والطواف، ومس كتابة القرآن على المعروف من مذهب الأصحاب، ولا يصح منها الصوم، ولا يصح طلاقها مع الدخول وحضور الزوج أو حكمه.
ويحرم عليها اللبث في المساجد على الأشهر الأقوى، والدخول في المسجدين مطلقا على الأشهر الأقوى، ووضع شيء في المساجد على الأشهر الأقوى، وقراءة العزائم، ولو قرأت أو استمعت عن غيرها فالأقوى جواز السجدة
مخ ۲۶
لها ، وقيل: يحرم (1) والمشهور أن السجدة في الصورة المذكورة واجبة عليها، وقيل:
لا (2) والمسألة عندي محل تردد.
وعلى تقدير الوجوب فهل يختص ذلك بصورة الاستماع أو يعم السماع أيضا؟ والمسألة محل تردد، وهذا الخلاف غير مختص بالحائض بل يجري مطلقا.
ويحرم على زوجها وطؤها قبلا، ويستحق التعزير به، وإن جهل الحيض أو نسيه فلا شيء عليه، وإن جهل الحكم فقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه لا شيء عليه (3) وللتأمل فيه مجال.
ولو أخبرت المرأة بالحيض فالظاهر وجوب القبول عند عدم التهمة، ولو ظن كذبها قيل: لا يجب القبول (4) وقيل: يجب (5) ولا يخلو عن رجحان، ولا خلاف في رجحان الكفارة بالنسبة إلى الواطئ، واختلفوا في وجوبها واستحبابها، والثاني أقرب، وهو قول أكثر المتأخرين (6).
والمشهور في تقدير الكفارة أنها مثقال في أول الحيض، ونصف في وسطه، وربع في آخره، وفي إجزاء القيمة تردد، وكذا في اشتراط كون الدينار مضروبا، وفي تكرر الكفارة بتكرر الفعل خلاف، والأقرب أنه إن اختلف الزمان كما إذا كان بعضه في الأول وبعضه في الوسط أو تخلل التكفير تكرر، وإلا فلا.
وذكر جماعة من العلماء أن النفساء حكمها حكم الحائض فيما ذكر (7).
وفي تحريم جماع الحائض بعد النقاء قبل الغسل خلاف، والأقوى الكراهة.
ويكره لها الخضاب، وحمل المصحف على المشهور، ولمس هامشه على الأشهر الأقوى، وقراءة غير العزائم على المشهور، والأقوى جواز الاستمتاع بما
مخ ۲۷
بين السرة والركبة، ومنه الدبر على كراهة، وقيل يحرم (1).
ويستحب أن تتوضأ عند كل صلاة وتجلس في مصلاها ذاكرة لله تعالى على الأشهر الأقوى، وقيل: يجب (2).
ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، وفي قضاء الصوم المنذور الذي وافق أيام حيضها وجهان.
وإذا أدركت من أول الوقت مقدار الطهارة والصلاة ولم تصل وجب عليها القضاء، ومتى أدركت أقل من ذلك لم يجب عليها القضاء على الأشهر الأقوى، وإذا طهرت في آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة فالمشهور أنه يجب عليها الصلاة أداء، ومع الإخلال القضاء، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك (3).
وقال الشيخ في التهذيب: المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا، وإذا طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء العصر لا غير، ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشمس (4) وما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب.
النظر الرابع في الاستحاضة والنفاس دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق، والناقص عن ثلاثة أيام مما ليس بقرح ولا جرح والزائد عن العادة وأيام الاستظهار استحاضة، وقيد الأخير في المشهور بما إذا تجاوز العشرة، وكذا الزائد عن أيام النفاس ومع اليأس.
وهل الدم الذي تراه الحامل استحاضة أم حيض؟ فيه خلاف، فقيل بالأول (5)
مخ ۲۸
وقيل بالثاني (1) وقال الشيخ في كتابي الأخبار والنهاية: ما تجده المرأة الحامل في أيام عادتها يحكم بكونه حيضا، وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس بحيض (2) وهذا القول قوي.
والاستحاضة على أقسام ثلاثة: قليلة، ومتوسطة، وكثيرة.
فالقليلة أن لا يغمس الدم القطنة، أي لا يثقبها إلى الخارج بحيث يصل إلى الخرقة.
والمتوسطة أن يغمس الدم القطنة ولم يسل من الخرقة.
والكثيرة أن يسيل الدم من الخرقة.
وحكم الأول أن تتوضأ لكل صلاة، وليس عليها غسل على المشهور، وقيل:
ليس بها عليها وضوء أيضا (3) وقيل: بل يجب عليها غسل واحد (4) ولعل الترجيح للأول، والمشهور أنه يجب عليها مع ذلك تغيير الخرقة أيضا، ويظهر من المنتهى أن هذا الحكم إجماعى (5) وفيه تأمل، وقال بعضهم: يجب عليها غسل ظاهر الفرج أيضا (6).
وحكم الثاني على المشهور أنها تفعل ما تفعل في القليلة مع غسل لصلاة الصبح وتغيير الخرقة.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى أن حكم المتوسطة حكم الكثيرة بلا فرق بينهما (7) وسيأتي، وهو أقرب.
مخ ۲۹
وحكم الثالث أنه يجب عليها ثلاثة أغسال: غسل للصبح وغسل للظهرين وغسل للعشاءين.
وذكر الأصحاب أنها تغتسل غسلا للظهرين تجمع بينهما بأن تؤخر الاولى إلى آخر وقت فضيلتها، والثانية تقدمها في أول وقت فضيلتها وكذا المغرب والعشاء، والظاهر أن الجمع المذكور على سبيل الأفضلية.
واختلف الأصحاب في الوضوء مع الأغسال وتعدد الوضوء بحسب تعدد الصلوات، فذهب جمهور المتأخرين إلى أنها تتوضأ لكل صلاة، وقال بعضهم:
تجمع بين الظهرين بوضوء واحد (1) وبعضهم اكتفى بالأغسال (2) وهو أقرب.
وذكر غير واحد من الأصحاب أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما يكون مع استمرار سيلان الدم، وإلا فغسلان إن حصلت القلة بعد الظهرين، وغسل واحد إن حصلت القلة بعد الصبح (3).
وهل يكفي في وجوب الغسل حصول السبب مطلقا، سواء كان في وقت الصلاة أم لا، أم يعتبر حصوله في وقت الصلاة؟ فيه قولان، أقربهما الأول.
واشترط جماعة من الأصحاب في صحة صلاتها معاقبتها للغسل (4) وهو غير بعيد، ولا يقدح في ذلك الاشتغال بمقدمات الصلاة كالستر وتحصيل القبلة والأذان والإقامة وأمثالها، وفي انتظار الجماعة قولان.
ولم يتعرض الأصحاب لمقدار زمان اعتبار الدم ولا لمقدار القطنة، ولعل التعويل في ذلك على المعتاد المتعارف.
وذكر الأصحاب أن المرأة إذا أرادت صلاة الليل تجمع بينها وبين صلاة الصبح بغسل واحد، ولا أعلم فيه خلافا بينهم ولم أطلع على نص دال عليه.
والمشهور بين الأصحاب أنه يجب عليها مع الأغسال تغيير الخرقة والقطنة
مخ ۳۰
أيضا، ومنهم من أوجب غسل ظاهر الفرج أيضا (1) والمرأة إذا فعلت جميع ما ذكر فهي بحكم الطاهرة وتصح منها جميع ما تصح من الطاهرة.
والظاهر أنه يجوز لها دخول المساجد بدون الامور المذكورة، وفي جواز مجامعتها بدونها أقوال أقربها الجواز.
والظاهر عدم توقف الصوم على غير الغسل، وأما الغسل فالظاهر من الرواية (2) أن ترك جميع الأغسال موجب لقضاء الصوم، وإطلاق كلام بعضهم يقتضي حصول فساد الصوم بالإخلال بشيء من الأغسال.
وقيد ذلك جماعة من المتأخرين بالأغسال النهارية وحكموا بعدم توقف صحته على غسل الليلة المستقبلة وترددوا في غسل الليلة الماضية (3) وذكر بعضهم أنها إن قدمت غسل الفجر ليلا أجزأها عن غسل العشاءين بالنسبة إلى الصوم، وإن أخرته إلى الفجر بطل الصوم هنا (4) وإن لم يكن التقديم واجبا، وهذه التفاصيل غير مستفادة من النص.
والظاهر عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم، والظاهر عدم توقف قراءة العزائم على ما عدا الغسل، والظاهر أن مس كتابة القرآن غير متوقف على تغيير القطنة وغسل الفرج.
وغسل الاستحاضة كغسل الحيض، والمشهور أنه يتعين عليها نية الاستباحة دون الرفع إذا كان قبل الانقطاع.
وذكر بعضهم أنه يعتبر في هذا الغسل الموالاة تقليلا للحدث إذا لم يكن الغسل للانقطاع (5) ولو رأت الدم بعد الطهارة ثم انقطع فالأحوط إعادة الطهارة، وذكر
مخ ۳۱
الأصحاب أن المستحاضة تحتاط في منع تعدي الدم بقدر الإمكان، وبعضهم أوجب تغيير الخرقة التي بها تمنع الدم عن التعدي في وقت كل صلاة (1).
وأما النفاس: فهو الدم الذي تراه المرأة مع الولادة أو بعدها على الأشهر الأقوى، وما رأته قبل الولادة فليس بنفاس ولا حد لأقله، وفي أكثره خلاف، فقيل: إنه عشرة (2) وقيل: ثمانية عشرة (3) وقيل: لذات العادة في الحيض عادتها، وللمبتدئة والمضطربة عشرة (4) وقيل: ثمانية عشر (5) والأقوى أنه يجوز لذات العادة العمل بعادتها، ولا يبعد أن يقال: يجوز لها الصبر إلى عشرة من باب الاستظهار، وفي المبتدئة والمضطربة إشكال.
وعند الأصحاب أن حكم النفساء حكم الحائض في المحرمات والمكروهات والمستحبات والمباحات.
النظر الخامس في غسل الأموات وما يتبعه وهو واجب على الكفاية، وكذا باقي الأحكام المتعلقة بالميت من توجيهه إلى القبلة على القول بوجوبه، وتكفينه وتحنيطه ودفنه، لا بذل الكفن والحنوط وماء الغسل، فإنه مستحب.
وهل المعتبر في السقوط عن المكلفين العلم بوقوع الفعل على الوجه الشرعي، أم يكفي الظن الغالب؟ فيه قولان، ولعل الأقرب الأول، والظاهر أن العلم العادي بذلك يحصل في بلاد المسلمين غالبا، والمشهور أن الأحكام المذكورة واجبة بالنسبة إلى المسلم ومن هو في حكمه مطلقا، وخالف فيه جماعة من الأصحاب فلم يجوزوا تغسيل المخالف (6) والقول بعدم وجوب تغسيلهم لا يخلو
مخ ۳۲
عن قوة، وفي حكم المسلم الطفل المتولد عن مسلم، وكذا المجنون.
ولا يجوز تغسيل الكافر مطلقا، سواء كان قريبا أو بعيدا، وكذا لا يجوز تكفينه ودفنه عند الأصحاب، وقد حكي إجماعهم على ذلك.
والمشهور وجوب توجيه الميت عند الاحتضار إلى القبلة بأن يلقى الميت على ظهره ويجعل باطن قدميه إلى القبلة بحيث لو جلس كان مستقبلا للقبلة، وقيل بالاستحباب (1) وهو أقرب.
ويستحب عند الاحتضار التلقين بالشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام) وكلمات الفرج، وقراءة سورة «والصافات» عنده، وحثه على التوبة، ونقله إلى مصلاه الذي يكثر الصلاة فيه أو عليه إذا تعسر عليه الموت واشتد به النزع، والتغميض لعينه، وإطباق فيه بعد موته، وتغطيته بثوب، والتعجيل في دفنه إلا المشتبه، ويكره طرح الحديد على بطنه وحضور الجنب والحائض عنده.
ويجب عند الغسل ستر عورتيه وإزالة النجاسة أولا على المعروف من مذهب الأصحاب.
ويجب تغسيل الميت ثلاثا بالسدر والكافور والقراح على الأشهر الأقرب، والمشهور بين الأصحاب أنه يجب النية في هذا الغسل كسائر الأغسال، وخالف فيه السيد المرتضى فلم يوجب النية فيه، والأول أحوط.
وهل يعتبر النية في كل واحد من الأغسال، أم يكفي نية واحدة للجميع؟ فيه قولان، أقربهما الثاني والظاهر وجوب الترتيب في الأغسال، والظاهر أيضا وجوب الترتيب بين الأغسال الثلاثة على الأشهر الأقرب.
وذكر بعض الأصحاب أنه يسقط الترتيب بغمس الميت في الماء مرة واحدة (2) وهو غير بعيد.
والمشهور أنه يكفي في السدر والكافور مسماه ويحكى عن بعضهم تقدير
مخ ۳۳