فقال إسفينيس: أن أثير جشعه، فيأذن لي بالاتجار بين النوبة ومصر وتبادل الذهب بالحبوب.
فسكت الرجال، وسكت إسفينيس ساعة يفكر، وبدا له أن يخطو خطوة جديدة في سبيل مشروعه، فقال باهتمام: أصغوا إلي أيها السادة، ليس هدفنا الذي نرمي إليه التجارة، وما ينبغي أن تكون التجارة هدف قوم قدموا إليكم في بيت أرملة قائدنا العظيم بيبي، ولكنا نأمل أن تصل قافلتنا مصر بالنوبة، وأن نستعين بقوم منكم كعمال في الظاهر فنحملكم إلى إخواننا في الجنوب، سنحمل الذهب إلى مصر ونعود بالحبوب والرجال، وربما كررنا يوما بالرجال فقط.
فاستمع الجميع في دهشة ممزوجة بفرح، وأشعت أعينهم نورا خاطفا، وصاحت إبانا قائلة: رباه! ما هذا الصوت الجميل الذي يحيي في أنفسنا هامد الأمل!
وصاح هام قائلا: يا إلهي .. إن الحياة تدب في مقبرة طيبة.
وهتف كوم: أيها الشاب الذي يبعث صوته القلوب الميتة، لقد كنا نعيش حتى الساعة بلا أمل ولا مستقبل، يئودنا شقاء حاضرنا فلا نجد منه مهربا إلا في تذكر الماضي المجيد والتحسر عليه، وها أنت ذا تزيح الستار عن مستقبل باهر!
فانشرح صدر إسفينيس وأفعم قلبه أملا، وقال بصوته الجميل المثير: لا ينفع البكاء يا أيها السادة، فإن الماضي يوغل في القدم والفناء ما دمتم تقنعون بالتحسر عليه، وما يلبث مجده أن يصبح قريبا إذا توثبتم للعمل له، فلا يحزنكم أن تكونوا اليوم تجارا، فإنكم في القريب تصيرون جنودا تضيق بهم الأرض وتذل لهم الحصون، ولكن اصدقوني هل تثقون بإخوانكم جميعا؟
فقالوا في نفس واحد: ثقتنا بأنفسنا! - ألا تخشون العيون؟ - إن الرعاة جبابرة بغير عقول، وقد اطمأنوا بقوتهم إلى استعبادنا عشر سنين فهم لا يحاذرون.
فصفق إسفينيس بيديه فرحا وقال: اذهبوا إلى إخوانكم المخلصين وبشروا بالأمل الجديد، واجمعوا بيننا وبينهم في كل حين لنتبادل الرأي والشورى ولنبلغهم رسالة الجنوب، وإذا كان مصريو نباتا الآمنون غاضبين، فأولى بكم الغضب.
فأمن الرجال على قوله متحمسين، وقال نايب: نحن غاضبون أيها الشاب النبيل، سيثبت لك كفاحنا أننا أشد غضبا من إخوان نباتا!
وحيوا التاجرين ومضوا وقد داخلتهم ثورة غضب وتحفز لا تهدأ ولا تسكن، وسمع الرجلان إبانا تتنهد وتقول: رباه! .. من يدلنا على أسرة مليكنا الشهيد؟ .. وفي أي ركن من الأرض هو؟
ناپیژندل شوی مخ