ولحق إسفينيس بالقافلة، يقطعون جميعا أرض الحديقة المعشوشبة في سكون شامل.
9
مضى التاجر لمقابلة الحاكم، فقاده خادم إلى بهو الاستقبال، وتبعه عبيده بأثقالهم، ووجد الشاب نفسه في بهو فائق الترف عظيم الأناقة، يتجلى الفن في أرضه وحوائطه وسقفه، وفي الصدر منه جلس الحاكم على متكأ وثير، في جلباب فضفاض كأنه كتلة من بنيان متين. وكانت ملامح وجهه الكبير قوية واضحة، أما نظرة عينيه الحادتين فتدل على الشجاعة والبسالة والصفاء، فأشار إسفينيس إلى رجاله فوضعوا الصناديق والأقفاص أمامهم، واقترب من وسط البهو خطوات، ثم انحنى إجلالا للحاكم وقال: حياك الرب المعبود ست أيها الحاكم الأجل.
فألقى عليه الحاكم نظرة من نظراته القوية النافذة، فراقه منظره النبيل وطوله الفارع، وبدا على وجهه الارتياح لرؤيته، وسأله: أقادم أنت حقا من بلاد النوبة؟ - نعم يا مولاي. - وماذا تبغي من وراء رحلتك هذه؟ - أطمع أن أهدي إلى سادة مصر تحفا مما يوجد في بلاد النوبة، آملا أن تروقهم فيطلبوا المزيد منها. - وماذا تطلب أنت لقاء ذلك؟ - بعض ما يفيض عن حاجة مصر من الغلال.
فهز الحاكم رأسه الكبير، وقد لاحت في عينيه نظرة ساخرة، وقال بصراحة: أراك حديث السن ولكنك جسور مغامر، ومن حسن طالعك أني أحب المغامرين .. والآن أرني ما تحمل من التحف! - ودعا إسفينيس أحمس فاقترب الشاب من الحاكم ووضع عند موضع قدميه صندوقه، وفتحه التاجر فبدا ما بداخله من الياقوت صيغ حليا مختلفة أشكالها، فتفحصها الحاكم بعينين لاح فيهما الجشع والطمع والإعجاب، ومضى يقلبها بين يديه، ثم سأل الشاب قائلا: هل يوجد من هذه الحلي كثير في النوبة؟
فأجاب إسفينيس بلباقة، وكان أعد الجواب من قبل أن يدخل مصر: إنه لمن أعجب الأمور يا مولاي أن توجد هذه الأحجار الكريمة في أقاصي أدغال النوبة، حيث تأوي الوحوش الضارية وتنتشر الأوبئة الفتاكة!
ثم عرض على الحاكم صندوقا من الزمرد، وثانيا من المرجان، وثالثا من الذهب، ورابعا من اللؤلؤ، وتفحصها الرجل على مهل مبهورا حتى بدا في النهاية كالثمل النشوان، وعرض عليه بعد ذلك أقفاص الغزلان والزرائف والقرود وهو يقول: ما أجمل هذا الحيوان في حديقة القصر.
فابتسم الحاكم وهو يقول لنفسه: «يا له من شاب كالشيطان لا يقاوم!» وبلغت دهشة الحاكم نهايتها حين رفع الستار عن الهودج، وبدا زولو بخلقه الغريب، فلم يتمالك الحاكم أن قام واقفا، ودنا من الهودج ودار حوله وهو يتساءل: يا للعجب .. أحيوان هو أم إنسان؟
فقال إسفينيس مبتسما: بل إنسان يا مولاي من شعب جم العدد. - هذا أعجب ما رأيت وما سمعت!
ونادى الرجل عبدا وقال له: ادع الأميرة أمنريدس وزوجي وأخي.
ناپیژندل شوی مخ