خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
خپرندوی
دار صادر
د خپرونکي ځای
بيروت
وَألف بِمَكَّة وَدفن بِالشعبِ الْأَعْلَى من المعلاة بِالْقربِ من ضريح سيدتنا خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ ﵂
الشَّيْخ أَبُو الْغَيْث الْمَعْرُوف بالقشاش المغربي التّونسِيّ الْأُسْتَاذ الْعَالم الْوَلِيّ الرحلة الْكَبِير الْقدر قطب الأقطاب ولسان الحضرة الْمُتَصَرف فِي الْأَسْمَاء والحروف الْكَامِل فِي الْخَلَائق والنعوت كَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى الباهرة رحْلَة تتعنى إِلَيْهِ الْوُفُود وتستقي من بَحر كرمه العطاش وَله الْجَلالَة الَّتِي مَا رزقها أحد والكرامات الَّتِي مَا نالها وَاحِد من الخليقة ومآثره وَصِفَاته الْحَسَنَة وأحواله العجيبة الغريبة مِمَّا لَا يُحِيط بهَا وصف واصف وَلَا مدح مادح وَلم أر من ذكره إِلَّا ابْن نَوْعي فِي ذيله التركي فَجَمِيع مَا ترَاهُ إِلَّا الْقَلِيل مِمَّا ذكرته فِي تَرْجَمته مترجم مِمَّا قَالَه فِي حَقه فَأَقُول أَنه ولد بِمَدِينَة تونس وساح فِي ابْتِدَاء حَاله لتَحْصِيل الْعلم وادب فَأخذ عَن عُلَمَاء عصره الْفُنُون المتداولة حَتَّى مهر فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفُرُوع وأحاط بهَا وَصَارَ فِي علم الْأَدَب شيخ الْفَنّ ثمَّ حصل لَهُ جذف الهي فساح فِي أَطْرَاف الْجَبَل الْمَعْرُوف بجبل الزَّعْفَرَان وانْتهى إِلَى خدمَة الشَّيْخ مُحَمَّد الجديدي وَكَانَ من كبار أهل الْإِرْشَاد فَحصل من تلمذته لَهُ على فيوضات عَجِيبَة فَلَمَّا انْتقل شَيْخه الْمَذْكُور بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى أَتَى بنية الْحَج إِلَى وَطنه تونس وَجمع جملَة من المريدين الصلحاء وَأقَام هُوَ وإياهم بقريهم تَارَة أَنْوَاع الْعُلُوم وَتارَة يذكر هُوَ وإياهم ويتواجدون مَعَه وَكَانَ أَكثر لياليه يحيها هُوَ وإياهم فِي ذكر وتسبيح وَكَانَ إِذْ ذَاك حسن الملبس فَهبت عَلَيْهِ نفحة من صوب الفناء فمزق مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وتجرد وَخرج مُنْفَردا بنية أَدَاء الْحَج فأداه وجاور بِالْمَدِينَةِ مِقْدَار سنة ثمَّ لبس ثيابًا خشنة وقفل إِلَى وَطنه وَأقَام مُدَّة قَليلَة مشتغلًا بإفادة الْعُلُوم وَالْعِبَادَة ثمَّ تَغَيَّرت أطواره وَظَهَرت مِنْهُ حركات متغيرة وكلمات متنافية فَكَانَ تَارَة يَقُول إِنَّه الْمهْدي صَاحب الزَّمَان وَتارَة يَدعِي الْأَخْبَار عَن الْغَيْب فيبسط مدعاه فِي الْحَوَادِث الْآتِيَة وَيخرج فِي ذَلِك عَن طور الْعقل فَتَبِعَهُ خلق كثير وَقَامُوا بنصرته وترويج مدعاه وأفضى تشعب الْأَمر فِيهِ أَن اجْتمعت عُلَمَاء الْبَلَد وَاتَّفَقُوا على إِيقَاع أَمر بِهِ يمنعهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ فَذَهَبُوا إِلَى حَاكم تونس رَمَضَان باشا وطلبوا مِنْهُ إِحْضَاره ليقيموا عَلَيْهِ بِمحضر من القَاضِي دَعْوَى بِمَا أبرموا أَمرهم عَلَيْهِ فتكرر إِحْضَاره إِلَى مجْلِس الْحَاكِم الْمَذْكُور وقاضي الْبَلَد وتكرر مِنْهُم السُّكُوت وَعدم النُّطْق مهابة مِنْهُ حَتَّى أدّى أَمر الْجَمِيع إِلَى تَركه وَمَا
1 / 140