بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
يَا من أحصى بِلُطْفِهِ الْخَلَائق عددا وجعلهم بمشيئته طرائق قددا كل يعْمل على شاكلته فِي عاجلته لأجلته صلى على صفوتك من أنبيائك الْوَاقِف على سر حَقِيقَة أنبائك سيدنَا مُحَمَّد خَاتم رِسَالَة الرسَالَة الْمُنْتَخب من أكْرم عنصر وَأطيب سلاله وعَلى آله الجامعين لمكارم الْأَخْلَاق وَصَحبه الحائزين من الْفضل مرتبَة الِاسْتِحْقَاق مَا تزينت الطروس بسطور مدائح ذوى المفاخر وتعطرت حدائق الأوراق بنشر أزاهر المآثر (وَبعد) فَإِنِّي من مُنْذُ عرفت الْيَمين من الشمَال وميزت بَين الرشد والضلال لم أزل ولوعا بمطالعة كتب الْأَخْبَار مغرى بالبحث عَن أَحْوَال الكمل الْإِخْبَار وَكنت شَدِيد الْحِرْص على خبر أسمعهُ أَو على شعر تفرق شَمله فأجمعه خُصُوصا لمتأخري أهل الزَّمن المالكين لَازِمَة الفصاحة واللسن من كل ملك تتلى سُورَة فخره بِفَم كل زمَان وأمير لم تَبْرَح صُورَة ذكره تجلى على نَاظر كل مَكَان وأمام لم تنجب أم اللَّيَالِي بمثاله وأديب
1 / 2
تهتز معاطف البلاغة عِنْد سَماع فَضله وكماله حَتَّى اجْتمع عِنْدِي مَا طَالب وراق وزين بمحاسن لطائفة الأقلام والأوراق فاقتصرت مِنْهُ على أَخْبَار أهل الْمِائَة الَّتِي أنافها وطرحت مَا يُخَالِفهَا من أخيار من تقدمها وينافيها حرصا على جمع مَا لم يجمع وَتَقْيِيد شَيْء مَا قبل إِلَّا ليسمع وَوَقع اخْتِيَاري على إِضَافَة كل أثر إِلَى تَرْجَمَة من أسْند إِلَيْهِ حَسْبَمَا يعول من لَهُ مساس فِي بَاب التَّارِيخ عَلَيْهِ فَصَارَ تَارِيخ رجال وَأي رجال يضيق عِنْد سرد مآثرهم من الدفاتر المجال وَقد وجد عِنْدِي مِمَّا أحتاج إِلَيْهِ من المعونة والْآثَار الْمُتَعَلّقَة بِهَذِهِ الْمُؤْنَة ذيل النَّجْم الغزى وطبقات الصُّوفِيَّة للمناوي وتاريخ الْحسن البوريني وذيله لوالدي المرحوم وخبايا الزوايا والريحانة للخفاجى وذكرى حبيب للبديعي ومنتزه الْعُيُون والألباب لعبد الْبر الفيومي هَذَا مَا عدا المجاميع والتلقيات من الأفواه والمكاتبات وَكَانَ بقى على بعض أَخْبَار الْيمن والبحرين والحجاز وَقد تعسر على فِي طَرِيق تطلب حَقِيقَتهَا الْمجَاز فَلَمَّا من الله على وَله الْمِنَّة والمنحة الَّتِي لَا يشوبها كدر المحنة بالمجاورة فِي بَيته الْمُعظم والالتقاط من بحار أهليه الدّرّ المنظم تلقيت من الأفواه تراجم لِأُنَاس يسيره كَانَت فِي التَّحْصِيل على عسيرة وهم وَإِن كَانُوا قليلين فِي الْعدَد فأنهم كَثِيرُونَ بِسَبَب أَنهم ذَرِيعَة للمدد فِي كل المدد وَقد يُقَال أَن أعداد الْكِبَار الشم الأنوف رُبمَا عدلت عشراتها بالمئين ومثوها بالألوف ثمَّ وقفت فِي أثْنَاء السّنة على ذيل الجمالي مُحَمَّد الشلبي الْمَكِّيّ الَّذِي ذيل بِهِ على النُّور السافر فِي أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر للشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن الشَّيْخ العيدروس والمشرع الروي فِي أَخْبَار آل باعلوى لَهُ أَيْضا وعَلى تراجم منقولة من تَارِيخ ألفة الصفي بن أبي الرِّجَال الْيُمْنَى فِي أهل الْيمن فأجلت فكرى فِي مجالها وألحقتها بِحَسب ترتيبها فِي محالها وَكَانَ وصلني خبر الْكتاب الَّذِي أنشأه السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم ذيلا على الريحانة ووسمه بسلافة الْعَصْر فِي شعراء أهل الْعَصْر فَلم أزل حَتَّى حصلته وَقطعت بِهِ أَمر الطّلب ووصلته وأتحفني بعض الأفاضل بذيل الشقائق الَّذِي أَلفه ابْن نَوْعي بالتركية وَضَمنَهُ مُعظم أهل الدولة العثمانية ووصلني بعض الأخوان بِقِطْعَة من تَارِيخ أنشأ الشَّيْخ مَدين القوصوني الْمصْرِيّ ذكر فِيهِ تراجم كبرا الْعلمَاء من أهل القاهر وزين طروس سطورة بمآثرهم الباهرة فكانتا عِنْدِي فاكهتين باكورتين وتحفتين
1 / 3
بِلِسَان البراعة مشكورتين فَجمعت الْجَمِيع على نِيَّة التَّرْتِيب مستعينا فِي خصوصة بالفياض الْمُجيب وأضفت إِلَى تِلْكَ الْأَخْبَار المواليد والوفيات حَسْبَمَا حيرته من التَّعَالِيق الَّتِي هِيَ بِهَذَا الْغَرَض وافيات وَمَا أقدمني على هَذَا الشَّأْن إِلَّا تخلف أَبنَاء الزَّمَان عَن إِحْرَاز خصل الْفضل فِي هَذَا الميدان شعر
(لعمر أَبِيك مَا نسب الْمُعَلَّى ... إِلَى كرم وَفِي الدُّنْيَا كريم)
(وَلَكِن الْبِلَاد إِذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعى الهشيم)
فَإنَّا ذَلِك الهشيم الَّذِي سد مسد الْكَرِيم كَيفَ وَقد نجم نجم الْجَهْل وصوح نبث بَث الْفضل وصدئت الْقُلُوب وَضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب وَرُبمَا يظنّ أَن مَا تَخَالَجَ فِي صَدْرِي وهجس لرعونة أوجبهَا الْفَرَاغ والهوس كلا بل ذَلِك لأمر يستحنه اللبيب وَيحسن موقعه لَدَى كل أريب لما فِيهِ من بَقَاء ذكر أنَاس شنفت مآثرهم الإسماع وَجمع أشتات فَضَائِل حكم الدَّهْر عَلَيْهَا بالضياع وَلَيْسَ غرضي إِلَّا أَدَاء حَقهم المفترض وَأَبْرَأ إِلَى الله من تُهْمَة الْغَرَض وَإِنِّي وَإِن قصرت فأقصرت وَإِن طولت فاتطولت وَغَايَة البليغ فِي هَذَا الْمِضْمَار الخطير أَن يعْتَرف بالقصور ويلتزم بالتقصير فَإِن الْمَرْء ول بلغ جهده فاللاحاطة فِي هَذَا الشَّأْن لله وَحده وقصدي أَن أُسَمِّهِ (بخلاصة الْأَثر فِي أَعْيَان الْقرن الْحَادِي عشر) وَإِلَى الله أتضرع فِي سد حللي وَستر زللي وَدفن عيبي ورثق فتق جيبي أَنه الْجواد الْكَرِيم وَمِنْه الْهِدَايَة إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَاعْلَم أَن مصطلحي فِي هَذَا الْكتاب إِنِّي رتبته على حُرُوف المعجم ليسهل لمطالعة مَا غم عَلَيْهِ واستعجم وأقدم أَولا الِاسْم الَّذِي أَوله همزَة ممدودة ثمَّ مَا كَانَ أَوله ألف وأقدم من ذَلِك مَا شَاركهُ أَبوهُ فِي اسْمه فَإِذا اتعدد ذَلِك قدمت الاسبق وَفَاة ارْجع فاذكر من بعد حرف الْهمزَة الْحُرُوف الْمُعْجَمَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا وأذكر فِي كل حرف مَا فِيهِ من الْأَسْمَاء مقدما مَا كَانَ فِيهِ ثَانِي الِاسْم من الْحُرُوف الْمُقدمَة وَهَكَذَا افْعَل فِي أَسمَاء الأباء فَإِذا انْتهى من وصلني اسْم أَبِيه ذكرت من لم أعرف اسْم أَبِيه مراعيا سبق الْوَفَاة وأكتفي بِذكر الكنية أَو اللقب إِذا اشْتهر صَاحب التَّرْجَمَة بِأَحَدِهِمَا وَلم يرو لَهُ اسْم وأذكر ذَلِك فِي ضمن الْأَسْمَاء وأبتدئ مِنْهَا بِالِاسْمِ ثمَّ باللقب ان اتّفق ثمَّ بالكنية وأذكر ذَلِك النِّسْبَة إِلَى الْبَلَد ثمَّ الأَصْل ثمَّ الذَّهَب غَالِبا وَلَا أورد من أَحْوَال الرجل إِلَّا مَا تلقيته عَن هَذِه التواريخ أَو سمعته من ثِقَة
1 / 4
أَو ضَبطه عَن عيان ومشاهدة وَلَا أثبت من الكرامات إِلَّا مَا تحققته وَلَا أعتقد أَنِّي وفيت بِالْمَقْصُودِ وَلَو أُوتيت علم ذَلِك النَّجْم المرصود بل كل مَا آمل من هَذَا المُرَاد نيل سَعَادَة ثَوَاب فِي المبدأ والمعاد فقد ذكر الْحَافِظ عبد الْعَزِيز بن عمر بن فَهد الْمَكِّيّ الْهَاشِمِي فِي تَذكرته الَّتِي سَمَّاهَا نزهة الإبصار لما تألف من الأفكار مَا نَصه مِمَّا نَقله الْوَالِد من مجاميع الميورقي سَمِعت مِمَّن أَثِق بِدِينِهِ وَعَمله بقول أَن الِاشْتِغَال بنشر أَخْبَار فضلاء الْعَصْر وَلَو بتواريخهم من عَلَامَات سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اذهم شُهُود الله تَعَالَى فِي أرضه وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِيمَا أردته وَالله مسددي فِيمَا أوردته.
1 / 5
(حرف الْهمزَة وَالْألف)
آدم الرُّومِي الأنطالي الْحَنَفِيّ الْأُسْتَاذ الشهير أحد خلفاء طَريقَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى جلال الدّين الرُّومِي الْمَعْرُوف بمنلا خداوند كار وَكَانَ شيخ زاويتهم الْمَعْرُوفَة بِمَدِينَة الغلطة وَليهَا فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ لَهُ الحظوة التَّامَّة عِنْد اركان دولة بني عُثْمَان سلاطين زَمَاننَا نَصرهم الله تَعَالَى لَا يزَال مَجْلِسه غاصًا بأعيانهم وَهُوَ من بَيت كَبِير بأنطالية على وزن أنطاكية بَلْدَة كَبِيرَة بأراضي قرمان على سَاحل الْبَحْر الرُّومِي وطاؤها فِي نطق الْعَوام تبدل ضادًا ويحذفون نونها فَيَقُولُونَ اضالية ولبيتهم فِيهَا أَمْلَاك وتعلقات جمة وَكَانَ مائلًا إِلَى الترفة والاحتشام الزَّائِد وَكَانَ إِذا ركب مَشى فِي ركابه مَا يُقَارب الْمِائَة رجل من حفدته ومريديه وَكَانَ للنَّاس عَلَيْهِ إقبال زَائِد وَمَعَ ذَلِك كَانَ ملازمًا على الْعِبَادَة والوعظ وَكَانَ يحل المثنوي حلا جيدا وَكَانَ فِي أَوَائِل أمره مفرط السخا لَا تكَاد عطيته تنقص عَن مائَة دِينَار وَحكى بعض الأفاضل مِمَّن يعرفهُ أَنه كَانَ فِي عهد السُّلْطَان مُرَاد ظهر شخص يتقن ضرب الطنبور فشغف بِهِ السُّلْطَان وَطَلَبه لَيْلَة فَوجدَ عِنْد آدم هَذَا فَأتوا بِهِ فَقَالَ لَهُ كم كَانَت جائزتك فَقَالَ هَا هِيَ بيَدي وَكَانَت مائَة دِينَار وَكَانَ الْمَشَايِخ الغلطة فِي ذَلِك الْعَهْد مِيقَات فِي دَاخل حرم السلطنة فِي كل شهر لَيْلَة يُقِيمُونَ فِيهَا السماع بِحَضْرَة السُّلْطَان بِأَن ينقص معلومهم بمسمع من آدم وَقَالَ لجماعته قُولُوا لَهُ العطايا مهما كثرت لَا تبلغ عطيته فَكف عَن ذَلِك الْعَهْد كَفه عَن الإفراط وَاقْتصر على مَا هُوَ مُتَعَارَف عِنْد الدولة وسافر آخر أمره إِلَى الْقَاهِرَة من طَرِيق الْبَحْر بنية الْحَج فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف فَمَرض بِمصْر
1 / 3
مُدَّة وَتُوفِّي بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن إِبْرَاهِيم بن حسن بن عَليّ بن عَليّ بن عَليّ بن عبد القدوس ابْن الْوَلِيّ الشهير مُحَمَّد بن هَارُون المترجم فِي طَبَقَات الشعراني وَهُوَ الَّذِي كَانَ يقوم لوالد سَيِّدي إِبْرَاهِيم الدسوقي إِذا مر عَلَيْهِ وَيَقُول فِي ظَهره ولي يبلغ صيته الْمغرب والمشرق وَهَذَا الْمَذْكُور هُوَ الإِمَام أَبُو الأمداد الملقب برهَان الدّين اللَّقَّانِيّ الْمَالِكِي أحد الْأَعْلَام الْمشَار إِلَيْهِم بسعة الِاطِّلَاع فِي علم الحَدِيث والدراية والتبحر فِي الْكَلَام وَكَانَ إِلَيْهِ الْمرجع فِي المشكلات والفتاوي فِي وقته بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ قوي النَّفس عَظِيم الهيبة تخضع لَهُ الدولة ويقبلون شَفَاعَته وَهُوَ مُنْقَطع عَن التَّرَدُّد إِلَى وَاحِد من النَّاس يصرف وقته فِي الدَّرْس والإفادة وَله نِسْبَة هُوَ وقبيلته إِلَى الشّرف لكنه لَا يظهره تواضعًا مِنْهُ وَكَانَ جَامعا بَين الشَّرِيعَة والحقيقة لَهُ كرامات خارقة ومزايا باهرة حكى الشهَاب البشبيشي قَالَ وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَن الشَّيْخ الْعَلامَة حجازي الْوَاعِظ وقف يَوْمًا على درسه فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة تذهبون أَو تجلسون فَقَالَ لَهُ اصبر سَاعَة ثمَّ قَالَ وَالله يَا إِبْرَاهِيم مَا وقفت على درسك إِلَّا وَقد رَأَيْت رَسُول الله
وَاقِفًا عَلَيْهِ وَهُوَ يسمعك حَتَّى ذهب
وَألف التآليف النافعة وَرغب النَّاس فِي استكتابها وقراءتها وأنفع تأليف لَهُ منظومته فِي علم العقائد الَّتِي سَمَّاهَا بجوهرة التَّوْحِيد أَنْشَأَهَا فِي لَيْلَة بِإِشَارَة شَيْخه فِي التربية والتصوف صَاحب المكاشفات وخوارق الْعَادَات الشَّيْخ الشرنوبي ثمَّ إِنَّه بعد فَرَاغه مِنْهَا عرضهَا على شَيْخه الْمَذْكُور فحمده ودعا لَهُ وَلمن يشْتَغل بهَا بمزيد النَّفْع وأوصاه شَيْخه الْمَذْكُور أَن لَا يعْتَذر لأحد عَن ذَنْب أَو عيب بلغه عَنهُ بل يعْتَرف لَهُ بِهِ وَيظْهر لَهُ التَّصْدِيق على سَبِيل التورية كالتزكية النَّفس فَمَا خَالفه بعد ذَلِك أبدا وَحكى أَنه كَانَ شرع فِي إقراء الْمَنْظُومَة الْمَذْكُورَة فَكتب مِنْهَا فِي يَوْم وَاحِد خَمْسمِائَة نُسْخَة والف عَلَيْهَا ثَلَاثَة شُرُوح والأوسط مِنْهَا لم يحرره فَلم يظْهر وَله توضيح الْأَلْفَاظ إِلَّا جرومية وَقَضَاء الوطر من نزهة النّظر فِي توضيح نخبة الْأَثر لِلْحَافِظِ ابْن حجر وإجمال الْوَسَائِل وبهجة المحافل بالتعريف برواة الشمايل ومنار أصُول الْفَتْوَى وقواعد الْإِفْتَاء بالأقوى وَعقد الجمان فِي مسَائِل الضَّمَان ونصيحة الإخوان باجتناب شرب الدُّخان وَقد عارضها معاصره الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد الأَجْهُورِيّ
1 / 6
الْمَالِكِي برسالة أولى وثانية أثبت فيهمَا القَوْل بِحل شربه مَا لم يضر وَله حَاشِيَة على مُخْتَصر خَلِيل وَكتاب تحفة درية على أبهلول بأسانيد جَوَامِع أَحَادِيث الرَّسُول هَذِه مؤلفاته الَّتِي كملت وَأما الَّتِي لم تكمل فَمِنْهَا تَعْلِيق الْفَوَائِد على شرح العقائد للسعد وَشرح تصريف الْعُزَّى للسعد أَيْضا سَمَّاهُ خُلَاصَة التَّعْرِيف بدقائق شرح التصريف وحاشية على جمع الْجَوَامِع سَمَّاهَا بالبدور اللوامع من خدور جمع الْجَوَامِع وَجمع جُزْءا فِي مشيخته سَمَّاهُ نثر المآثر فِيمَن أدْرك من الْقرن الْعَاشِر ذكر فِيهِ كثيرا من مشايخه من اجلهم عَلامَة الْإِسْلَام شمس الْملَّة وَالدّين مُحَمَّد الْبكْرِيّ الصديقي وَالشَّيْخ الإِمَام مُحَمَّد الرَّمْلِيّ شَارِح الْمِنْهَاج والعلامة أَحْمد بن قَاسم صَاحب الْآيَات الْبَينَات وَغَيرهم من الشافعيه وَشَيخ الْإِسْلَام عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَالشَّمْس مُحَمَّد التحريري وَالشَّيْخ عمر بن نجيم من الْحَنَفِيَّة وَالشَّيْخ مُحَمَّد السنهوري وَالشَّيْخ طه وَالشَّيْخ أَحْمد المنياوي وَعبد الْكَرِيم البرموني مؤلف الْحَاشِيَة على مُخْتَصر خَلِيل وَغَيرهم من الْمَالِكِيَّة وَمن مشايخه فِي الطَّرِيق الشَّيْخ أَحْمد البُلْقِينِيّ الوزيري وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن الترجمان وَجَمَاعَة كَثِيرَة غَيرهم وَذكر أَنه لم يكثر عَن أحد مِنْهُم مثل مَا أَكثر عَن الإِمَام الْهمام أبي النجا سَالم السنهوري ويليه الشَّيْخ مُحَمَّد البهنسي لِأَنَّهُ كَانَ يخْتم فِي كل ثَلَاث سِنِين كتابا من أُمَّهَات الحَدِيث فِي رَجَب وَشَعْبَان ورمضان لَيْلًا وَنَهَارًا ويليه الشَّيْخ يحيى الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي إِمَام النَّاس فِي الحَدِيث تحريرًا وإتقانًا شيخ رواق ابْن معمر بِجَامِع الْأَزْهَر هَكَذَا ذكر الشَّيْخ الإِمَام أَحْمد بن احْمَد العجمي الْمصْرِيّ الْآتِي ذكره فِي تَرْجَمَة اللَّقَّانِيّ من مشيخته لَكِن أَطَالَ فِي تعداد مشايخه أَكثر مِمَّا ذكرته وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُتَّفق على جلالته وعلو شَأْنه وَأخذ عَنهُ كثير من الأجلاء مِنْهُم وَلَده عبد السَّلَام وَالشَّمْس البابلي والْعَلَاء الشبراملسي ويوسف الفيشي وَيس الْحِمصِي وحسين النماوي وحسين الخفاجي وَأحمد العجمي وَمُحَمّد الْخَرشِيّ الْمَالِكِي وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَلم يكن أحد من عُلَمَاء عصره أَكثر تلامذه مِنْهُ وَكَانَ كثير الْفَوَائِد وينقل عَنهُ مِنْهَا أَشْيَاء كَثِيرَة مِنْهَا أَن من قَرَأَ على الْمَوْلُود وَيَد القارىء على رَأس الْمَوْلُود لَيْلَة وِلَادَته سُورَة الْقدر لم يزن فِي عمره أبدا وبخطه أَيْضا المنجيات على طَريقَة
(يس تنجي من دُخان الْوَاقِعَة ... وَالْملك وَالْإِنْسَان نعم الشافعه)
(ثمَّ البروج لَهَا انْشِرَاح هَذِه ... سبع وَهن المنجيات النافعة)
1 / 7
وعَلى طَريقَة أُخْرَى
(جرز وَيس الَّتِي قد فصلت ... تنجي الموحد من دُخان الْوَاقِعَة)
(وَتَمام سبع المنجيات بحشرها ... وَالْملك فاحفظها فَنعم الشافعه)
(والمنقذات السَّبع سُورَة كوثر ... متتاليات ثمَّ سِتّ تَابعه)
(والمهلكات السَّبع قل مزمل ... ثمَّ البروج وطارع هِيَ قاطعه)
(ثمَّ الضُّحَى وَالشَّرْح مَعَ قدر ... لئيلاف لَا هَلَاك الْعَدو مسارعه)
وَنقل فِي شَرحه على الْجَوْهَرَة قَالَ لَيْسَ للشدائد والغموم مِمَّا جربه المعتنون مثل التوسل بِهِ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّا جرب فِي ذَلِك قصيدتي المقلبة بكشف الكروب بملاحات الحبيب والتوسل بالمحبوب الَّتِي أنشأتها بِإِشَارَة وَردت على لِسَان الخاطر الرحماني عِنْد نزُول بعض الملمات فَانْكَشَفَتْ بِإِذن خَالق الأَرْض وَالسَّمَوَات وَكَاشف الْمُهِمَّات لَا إِلَه غَيره وَلَا خير إِلَّا خَيره وَهِي
(يَا أكْرم الْخلق قد ضَاقَتْ بِي السبل ... ودق عظمي وَغَابَتْ عني الْحِيَل)
(وَلم أجد من عَزِيز أستجير بِهِ ... سوى رَحِيم بِهِ تستشفع الرُّسُل)
(مشمر السَّاق يحمي من يلوذ بِهِ ... يَوْم الْبلَاء إِذا مَا لم يكن بَلل)
(غوث المحاويج إِن مَحل ألم بهم ... كَهْف الضِّعَاف إِذا مَا عَمها الوجل)
(مُؤَمل البائس الْمَتْرُوك نصرته ... مكرم حِين يَعْلُو سره الخجل)
(كنز الْفَقِير وَعز الْجُود من خضعت ... لَهُ الْمُلُوك وَمن تحيا بِهِ الْمحل)
(من لِلْيَتَامَى بِمَال يَوْم أزمتهم ... وللأرامل ستر سابغ خضل)
(لَيْث الْكَتَائِب يَوْم الْحَرْب إِن حميت ... وطيسها واستحد الْبيض والأسل)
(من ترتجي فِي مقَام الهول نصرته ... وَمن بِهِ تكشف الغماء والغلل)
(مُحَمَّد ابْن عبد الله ملجاؤنا ... يَوْم التنادي إِذا مَا عمنَا الوهل)
(الفاتح الْخَاتم الميمون طَائِره ... بَحر الْعَطاء وكنز نَفعه شَمل)
(الله أكبر جَاءَ النَّصْر وانكشفت ... عَنَّا الغموم وَولي الضّيق وَالْمحل)
(بعزمة من رَسُول الله صَادِقَة ... وهمة يمتطها الحازم البطل)
(أغث أغث سيد الكونين قد نزلت ... بِنَا الرزايا وَغَابَ الْخلّ والأخل)
(ولاح شيبي وَولي الْعُمر مُنْهَزِمًا ... بعسكر الذَّنب لَا يلوى بِهِ عجل)
(كن للمعنى مغيثًا عِنْد وحدته ... وَكن شَفِيعًا لَهُ إِن زلت النَّعْل)
1 / 8
(فجملة القَوْل أَنِّي مذنب وَجل ... وَأَنت غوث لمن ضَاقَتْ بِهِ السبل)
(صلى عَلَيْك إلهي دَائِما أبدا ... مَا إِن تعاقبت الضحواء وَالْأَصْل)
(وآلك الغر والصحب الْكِرَام كَذَا ... مُسلما وَالسَّلَام الطّيب الحفل)
وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ رَاجع من الْحَج سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بِالْقربِ من عقبَة أَيْلَة بطرِيق الركب الْمصْرِيّ وَفِي هَذِه السّنة توفّي الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري الْمَالِكِي الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ فيهمَا الْمُصْطَفى ابْن محب الدّين الدِّمَشْقِي يرثيهما شعر
(مضى الْمقري أثر اللَّقَّانِيّ لاحقًا ... أمامان مَا للدهر بعدهمَا خلف)
(فبدر الدجى أجْرى على الخد دمعة ... فأثر ذَاك الدمع مَا فِيهِ من كلف)
واللقاني بِفَتْح اللَّام ثمَّ قَاف وَألف وَنون نسبته إِلَى لقانة قَرْيَة من قرى مصر وأيلة بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت وَلَام وهاء وَهِي كَانَت مَدِينَة صَغِيرَة وَكَانَ بهَا زرع يسير وَهِي مَدِينَة الْيَهُود الَّذين جعل مِنْهُم القردة والخنازير وعَلى سَاحل بَحر القلزم وَهِي فِي زَمَاننَا برج وَبهَا وَال من مصر وَلَيْسَ بهَا مزدرع وَكَانَ لَهَا قلعة فِي الْبَحْر فأبطلت وَنقل الْوَالِي إِلَى البرج فِي السَّاحِل كَذَا فِي تَقْوِيم الْبَلَد إِن للْملك الْمُؤَيد اسماعيل صَاحب حماه
إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن إِسْمَاعِيل الدنابي الْعَوْفِيّ نسبته إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ﵁ الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الأَصْل الْمصْرِيّ المولد والوفاة كَانَ من أَعْيَان الأفاضل لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفَرَائِض والحساب مَعَ التبحر فِي الْفِقْه وَغَيره من الْعُلُوم الدِّينِيَّة وَهُوَ حنبلي الْمَذْهَب نَشأ بِمصْر وَأخذ الْفِقْه عَن الْعَلامَة مَنْصُور البهوتي والْحَدِيث عَن جمع من شُيُوخ الْأَزْهَر وَأَجَازَهُ غَالب شُيُوخه وَألف مؤلفات مِنْهَا شرح على مُنْتَهى الارادات فِي فقه مذْهبه فِي مجلدات ومناسك الْحَج فِي مجلدين ورسائل كَثِيرَة فِي الْفَرَائِض والحساب وَكَانَ لطيف المذاكرة حسن المحاضرة قوي الفكرة وَاسع الْعقل وَكَانَ فِيهِ رياسة وحشمة موفورة ومروءة وَكَانَ من محَاسِن مصرفي كَمَال أدواته وعلومه مَعَ الْكَرم المفرط وَالْإِحْسَان إِلَى أهل الْعلم والمترددين إِلَيْهِ وَكَانَ حسن الْخلق والأخلاق وَكَانَ يرجع إِلَيْهِ فِي المشكلات الدُّنْيَوِيَّة لِكَثْرَة تدبره فِي الْأُمُور ومنازلته لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ حَسَنَة من حَسَنَات الزَّمَان وَكَانَت وِلَادَته بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي بهَا فَجْأَة ظهر يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر
1 / 9
من ربيع الثَّانِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء وَدفن بتربة الطَّوِيل عِنْد وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى
إِبْرَاهِيم بن أبي الْيمن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَحْمد البتروني الأَصْل الْحلَبِي المولد الْحَنَفِيّ الْفَاضِل الأديب الْمَشْهُور صدر قطر حلب بعد أَبِيه اشْتغل فِي عنفوان عمره وسلك طَرِيق الْقَضَاء وَتَوَلَّى مناصب عديدة مِنْهَا حماة ثمَّ ترك وَعَكَفَ على دفاتره وتشييد مفاخره وتفرغ لَهُ أَبوهُ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ من مدارس وجهات وَبقيت فِي يَده سوى إفناء الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهَا وجهت إِلَى غَيره وَكَانَ حسن المحاضرة شَاعِرًا مطبوعًا وشعره كثير الْملح والنكت حسن الديباجة أنْشد لَهُ البديعي فِي ذكرى حبيب قَوْله فِي فتح الله بن النّحاس الشَّاعِر الْمَشْهُور الْآتِي ذكره وَكَانَ يمِيل إِلَيْهِ قَالَ وَكَانَ فتح الله مَعَ تفرده بالْحسنِ ولوعًا بالتجني وَسُوء الظَّن بَصيرًا بِأَسْبَاب العتب يبيت على سلم وَيَغْدُو على حَرْب كم من متيم فِي حبه رعى النَّجْم فرقا من الهجر لَو رعاه زهادة لَا دَرك لَيْلَة الْقدر بَخِيلًا بنزر الْكَلَام يضن حَتَّى برد السَّلَام شعر
(مهلك العشاق مهلا ... فِيك لي مِنْك انتقام)
(بشعيرات كمسك ... هن للمسك ختام)
وَله فِيهِ أَيْضا من أَبْيَات
(بيني وَبَيْنك مُدَّة فَإِذا انْقَضتْ ... كنت الجدير بِأَن تعزى فِي الورى)
(رفقا بقلب أَنْت فِيهِ سَاكن ... إِن الْحَيَاة إِذا قضى لَا تشترى)
(فاردد على طرفِي الْمَنَام لَعَلَّه ... يلقى خيالًا مِنْك فِي سنة الْكرَى)
(واسأل عيُونا لَا تمل من البكا ... عَن حالتي بنبيك دمعي مَا جرى)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا وَقد عشق مليحًا اسْمه مُوسَى فتجنى عَلَيْهِ
(كل فِرْعَوْن لَهُ مُوسَى وَذَا ... فِي الْهوى موساك يوليك النكد)
(فَكَمَا أكمدت من يهواك بالصد ... مت صدا وذق طعم الكمد)
وَمن شعره قَوْله من قصيدة فِي الْأَمِير مُحَمَّد بن سَيْفا مطْلعهَا
(أربى على شجو الْحمام الغرد ... وشدًا فبرح بالحسان الحرد)
(شاد يشاد بِهِ السرُور لمعشر ... عمر ومجالس أنسهم بالصرخد)
(فِي مجْلِس قَامَ الصفاء بِهِ على ... سَاق وشمر للمسرة عَن يَد)
إِلَى أَن يَقُول فِيهَا
1 / 10
(وَلَقَد شَكَوْت لَهُ الْهوى ليرق لي ... فنأى عَن المضنى بلقب جلمد)
(وَأبي سوى رقى فَقلت لَهُ اتئد ... إِنِّي رَفِيق للأمير مُحَمَّد)
وَله غير ذَلِك من محَاسِن الشّعْر وعيونه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف عَن نَحْو أَربع وَسبعين سنة وَدفن بِجَانِب وَالِده بالصالحية والببتروني بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة ثمَّ رَاء وواو وَنون نِسْبَة إِلَى البترون بليدَة بِالْقربِ من طرابلس الشَّام خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء وَأول من دخل حلب من بَيت البتروني هَؤُلَاءِ عبد الرَّحْمَن جد إِبْرَاهِيم هَذَا دَخلهَا فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وتوطنها وَسَنذكر من هَذَا الْبَيْت عدَّة رجال أنجبت بهم الشَّهْبَاء
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن يُوسُف بن حُسَيْن بن يُوسُف بن مُوسَى الحصكفي الأَصْل الْحلَبِي المولد العباسي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن المنلا وَسَيَأْتِي وَالِده أَحْمد شَارِح مُغنِي اللبيب وَأَخُوهُ مُحَمَّد فقد أفرد فِي ظلّ أَبِيه وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم وَتخرج عَلَيْهِ فِي الْأَدَب وَأخذ عَن الْبَدْر مَحْمُود البيلوني وَعَن الشَّيْخ عمر العرضي وَكتب إِلَيْهِ جدي القَاضِي محب الدّين بِالْإِجَازَةِ من دمشق فِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَحج بعد الْألف وَرجع إِلَى حلب وانعزل عَن النَّاس وَلزِمَ المطالعة وَالْكِتَابَة والتلاوة لِلْقُرْآنِ كثيرا وَكَانَ صافي السريرة لَا تعهد لَهُ زلَّة ونطم الدُّرَر وَالْغرر فِي فقه الْحَنَفِيَّة من بَحر الرجز وَدلّ على ملكته الراسخة فَإِن الْعَادة فِيمَا ينظم أَن يكون مُخْتَصرا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يغلب على طبعه الْأَدَب وَكَانَ لَهُ حسن محاضرة وَله شعر قَلِيل منقح مِنْهُ قَوْله
(وَلما انطوت بِالْقربِ شقة بَيْننَا ... وَغَابَتْ وشَاة دُوننَا وعيون)
(بسطت لَهَا والوجد يعبث بالحشا ... شجون حَدِيث والْحَدِيث شجون)
الحَدِيث شجون مثل من أَمْثَال الْعَرَب وَأَصله ذُو شجون أَي ذُو طرق وَالْوَاحد شجن بِسُكُون الْجِيم وَقد نظم أَبُو بكر الْقُهسْتَانِيّ هَذَا الْمثل ومثلًا آخر فِي بَيت وَاحِد وَأحسن مَا شَاءَ وَهُوَ قَوْله
(تذكر نجدًا والْحَدِيث شجون ... فجن اشتياقًا وَالْجُنُون فنون)
وَلابْن المنلا من قصيدة قرظ بهَا شعرًا ليوسف بن عمرَان الْحلَبِي الشَّاعِر الْمَشْهُور
(أطرسك هَذَا أم لجين مَذْهَب ... ونظمك أم خمر لهمى مَذْهَب)
(وَتلك سطور أم عُقُود جَوَاهِر ... وزهر سَمَاء أم هُوَ الرَّوْض مخصب)
(وَتلك معَان أم غوان تروق ... للعيون وباللحن المسامع تطرب)
1 / 11
(فيا حبذا هذي القوافي الَّتِي بِمن ... يعارضها ظفر الْمنية ينشب)
(لقد أحكمتها فكرة ألمعية ... فكدت لَهَا من رقة النّظم أشْرب)
(فَمن غزل كم هز ذَا صبوة إِلَى التصابي ... فأضحى بالغزال يشبب)
(فيا بَحر فضل فائض بلآلىء ... لَهَا فكرك الْوَقَّاد مَا زَالَ يثقب)
(ظَنَنْت بأنى للخطوب مؤهل ... فأرسلته شعرًا لنظمي يخْطب)
(فعذرًا فَإِن الْفِكر فِي مشتت ... وعقلي بأيدي حَادث الدَّهْر ينهب)
فَقَوله فكدت لَهَا من رقة النّظم أشْرب حسن وَالْأَحْسَن أَن ينْسب الشّرْب إِلَى السّمع كَمَا قَالَ الآخر فِي وصف قصيدة تكَاد من عذوبة الْأَلْفَاظ تشربها مسامع الْحفاظ وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد الثَّلَاثِينَ وَألف بِقَلِيل والحصكفي بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفتح الْكَاف وَفِي آخرهَا الْفَاء هَذِه النِّسْبَة إِلَى حصن كيفا وَهِي من ديار بكر قَالَ فِي الْمُشْتَرك وحصن كيفا على دجلة بَين جَزِيرَة ابْن عمر وميا فارقين وَكَانَ الْقيَاس أَن ينسبوا إِلَيْهِ الحصنى وَقد نسبوا إِلَيْهِ أَيْضا كَذَلِك لَكِن إِذا نسبوا إِلَى اسْمَيْنِ أضيف أَحدهمَا إِلَى الآخر ركبُوا من مَجْمُوع الاسمين اسْما وَاحِدًا ونسبوا إِلَيْهِ كَمَا فعلوا هُنَا وَكَذَلِكَ نسبوا إِلَى رَأس عين رسعني وَالِي عبد الله وَعبد شمس وَعبد الدَّار عبدلي وعبشمي وعبدري وَكَذَلِكَ كل مَا هُوَ نَظِير هَذَا والعباسي نِسْبَة إِلَى الْعَبَّاس عَم النَّبِي
فقد ذكر أَن جده كَانَ مَنْسُوبا إِلَيْهِ واشتهر بَيتهمْ فِي حلب بِبَيْت المنلا لِأَن جد وَالِد ابراهيم هَذَا كَانَ يعرف بمنلا حاجي وَكَانَ قَاضِي قُضَاة تبريز وَله شرح على الْمُحَرر فِي فقه الشَّافِعِي للرافعي وحاشية على شرح العقائد للتفتازاني سَمَّاهَا تحفة الْفَوَائِد لشرح العقائد وحشى شرح الطوالع وَشرح الشاطبية وفصوص ابْن عَرَبِيّ وَكتب على الجغميني فِي الْهَيْئَة شَيْئا
الْمولى إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد الكواكبي الْحلَبِي قَاضِي مَكَّة من أجلاء الْعلمَاء قَرَأَ فِي مبادي عمره على الشَّيْخ الإِمَام عمر العرضي وعَلى وَالِده فِي مقذمات الْعُلُوم حَتَّى حصل ملكة ثمَّ توجه إِلَى دَار الْخلَافَة وسلك طرق الموَالِي وَقَرَأَ على بعض أفاضل الرّوم حَتَّى صَارَت لَهُ الملكة التَّامَّة ثمَّ من الله عَلَيْهِ فَتزَوج بابنة الْمولى عبد الْبَاقِي بن طورسون واستصحبه مَعَه لما ولى قَضَاء مصر إِلَيْهَا فَحصل لَهُ مَالا جزيلًا ثمَّ رَجَعَ فِي خدمته إِلَى قسطنطينية فَمَاتَ ابْن طورسون ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وتصرم المَال وَقصر فِي النهوض فَأخذ بعد اللتيا وَالَّتِي مدرسة أيا صوفية ثمَّ لم يطْلب عزل
1 / 12
نَفسه عَن الْمدرسَة فَلَا يوافقونه حَتَّى تَركهَا شاغرة من غير أَخذ مَعْلُوم وَلَا إِلْقَاء درس أصلا وَكَانَ أَيَّام الِانْفِصَال الْكَبِير ورد حلب ووالداه حَيَّان فَنزل عِنْد وَالِده فشكت أمه إِلَيْهِ من أَبِيه مَا يصنع بهَا فَتَشَاجَرَ هُوَ وَأَبوهُ وتقضايا ورحل عَن دَار وَالِده وَصَارَ كل يسب الآخر فاسترضى العرضي الْمَذْكُور وَجَمَاعَة من الْعلمَاء الابْن ثمَّ أَخَذُوهُ إِلَى وَالِده فَقبل يَده وتباريا من الطَّرفَيْنِ وَآخر الْأَمر أعْطى قَضَاء مَكَّة فَسَار من مصر بحرًا ثمَّ أَرَادَ أَن ينْقل ابْنه من سفينة صَغِيرَة إِلَى مركب مَخَافَة عَلَيْهِ وَحمله إِلَى الْمركب فَسقط إِلَى الْبَحْر وغرق وَتَنَاول بعض الْخدمَة الْوَلَد فنجا وَلَك حِين توجهه عِنْد جده فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَ عمره نَحْو سبعين سنة وَبَنُو الكواكبي بحلب طَائِفَة كَبِيرَة سَيَأْتِي مِنْهُم فِي كتَابنَا هَذَا جمَاعَة وَكلهمْ عُلَمَاء وصوفية وَأول من اشْتهر مِنْهُم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمُتَوفَّى سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة ذكره ابْن الْحَنْبَلِيّ فِي تَارِيخه قَالَ وَدفن بجوار الْجَامِع الْمَعْرُوف الْآن بِجَامِع الكواكبي بمحلة الجلوم بِمَدِينَة حلب وعمرت عَلَيْهِ قبَّة من مَال كافل حلب سيباي الجركسي وَكَانَت طَرِيقَته أردبيلية وَإِنَّمَا قيل لَهُ الكواكبي لِأَنَّهُ كَانَ فِي مبدأ أمره حدّادًا يعْمل المسامير الكواكبية ثمَّ فتح الله عَلَيْهِ وحصلت لَهُ الشُّهْرَة الزَّائِدَة
السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم بن بايزيد ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن مُحَمَّد بن بلدرم بايزيد بن مُرَاد بن أورخان بن عُثْمَان بن أرطغرل ابْن سُلَيْمَان شاه السُّلْطَان الْأَعْظَم أحد مُلُوك آل عُثْمَان المطوق بِعقد مفاخرهم جيد الزَّمَان قد تقرر أَن أصل بَيتهمْ من التركمان النزالة الرحالة من طَائِفَة التاتار وَيَنْتَهِي نسبهم إِلَى يافث بن نوح وَهُوَ الجدّ السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ للسُّلْطَان إِبْرَاهِيم وَلما كَانَت أَسمَاؤُهُم أَعْجَمِيَّة أضربت عَن ذكرهَا لطولها واستعجامها وَرُبمَا يَقع فِيهَا التَّصْحِيف والتحريف إِن لم يضْبط شَيْء مِنْهَا وَلَا حَاجَة إِلَى الْإِحَاطَة فِيهَا بِلَا فَائِدَة فَإِنَّهَا مَذْكُورَة فِي التواريخ التركية وَأما ذكر مبدأ ظُهُورهمْ فَهُوَ شَائِع مَشْهُور وَقد تكفل بِهِ غير وَاحِد من المؤرخين فَلَا نطيل بِذكرِهِ وَنَرْجِع إِلَى مَا هُوَ الْغَرَض من تَرْجَمَة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم فَنَقُول تولى السلطنة بعد موت أَخِيه السُّلْطَان مُرَاد فِي تَاسِع شَوَّال سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَقيل فِي تَارِيخه على لِسَانه استعنت بِاللَّه وَكَانَ ملكا مُعظما حسن المنظر سمح الْكَفّ وَكَانَ زَمَانه أَنْضَرُ الْأَزْمَان وعصره أحسن العصور وأطاعته جَمِيع الممالك وسكنت بيمن دولته الْفِتَن واعتدل بِهِ الزَّمن وَفِيه يَقُول
1 / 13
الْأَمِير منجك بن مُحَمَّد المنجكي الدِّمَشْقِي قصيدته الَّتِي مدحه بهَا وَهِي من غرر القصائد ومطلعها
(لَو كنت أطمع بالمنام توهمًا ... لسألت طيفك أَن يزور تكرما)
(حاشا صدودك أَن تذم فَإِنَّهَا ... تحلو لديّ وَإِن أسيغت علقما)
(فاهجر فهجرك لي الْتِفَات مَوَدَّة ... أَلْقَاهُ مِنْك تحننًا وترحما)
(عذب فُؤَادِي بِالَّذِي تختاره ... لَو كنت منسيًا تركت وَإِنَّمَا)
(لَو لم تكن بغبار طرفك أكحلت ... عين الغزالة صدّها وَجه الدما)
وَمن جُمْلَتهَا وَهُوَ مَحل الشَّاهِد
(ملك من الْإِيمَان جرّد صَارِمًا ... بِالْحَقِّ حَتَّى الْكفْر أصبح مُسلما)
(لَو شَاهد المطرود سطوة بأسه ... فِي صلب آدم للسُّجُود تقدّما)
(الْعدْل أخرس كَانَ قبل زَمَانه ... أَذِنت لَهُ الْأَيَّام أَن يتكلما)
(لم تخط آساد الفلا فِي عَهده ... بَين الشقائق خيفة أَن تتهما)
(عقد المثار على العداة سحائبًا ... لَوْلَا الحيا لَقِي العدا مِنْهَا دَمًا)
(ودعت ظباه الطير حَتَّى أَنه ... قد كَاد يسْقط فرخه نسر السما)
وَكَانَ صَاحب طالع سعيد مَا جهز جَيْشًا إِلَى نَاحيَة إِلَّا انتصر وَلَا قصد فتح بلد إِلَّا ظفر وَمن الفتوحات الَّتِي وَقعت فِي عَهده فتح قلعة ازاق وَكَانَ أهل دائرتها من الْكفَّار أظهرُوا الشقاق فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فافتتحوها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَمِنْهَا فتح خَانِية أحد الْبِلَاد الْمَشْهُورَة بِجَزِيرَة اقريطش بِفَتْح الْألف وَسُكُون الْقَاف وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة وَفِي آخرهَا شين مُعْجمَة وتعرف الْآن بِجَزِيرَة كريت وَكَانَت الْمُلُوك الفرنج المعروفين بالبندقية وَهَذِه الجزيرة من أعظم الجزائر وأكبرها تشْتَمل على بلادورساتيق كَثِيرَة وَذكر بعض من دَخلهَا أَن بهَا من الْقرى أَرْبعا وَعشْرين ألف قَرْيَة وَأَن دورها ثلثمِائة وَخَمْسُونَ ميلًا وَذكر فِي كتاب الْفرس أَن دورها مسيرَة خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهِي ذَات رياض نَضرة وَبهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه وَالثِّمَار وخيراتها وافرة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا من أحاسن الجزائر وَكَانَ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم أرسل إِلَيْهَا عساكره بالسفن الْكَثِيرَة وَقدم عَلَيْهِم حَاكم الْبَحْر يُوسُف باشا الْوَزير فَدخل الجزيرة وحاصر قلعة خَانِية وافتتحها وَكَانَ ذَلِك فِي عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمسين وَألف ثمَّ قدم بَعْدَمَا قدم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة قَتله السُّلْطَان لأمر نقمة عَلَيْهِ وَأمر مَكَانَهُ الْوَزير الْكَبِير حُسَيْن باشا الْمَعْرُوف بدالي
1 / 14
حُسَيْن وجهز مَعَه عدَّة من وزرائه وأمرائه إِلَى فتح الجزيرة بِتَمَامِهَا فوصل إِلَيْهَا ونازل قلعة رتمو واستعان عَلَيْهَا باللغم حَتَّى أهلك خلقا كثيرا من الفرنج بِسَبَب ذَلِك وَفتحهَا وَاسْتولى على جَمِيع قرى الجزيرة وَلم يبْق مِنْهَا مِمَّا خرج عَن ملك آل عُثْمَان فِي تِلْكَ الجزيرة إِلَّا قلعة قندية وَطَالَ أمرهَا مُدَّة مديدة حَتَّى فتحت فِي زمن سُلْطَان زَمَاننَا السُّلْطَان مُحَمَّد كَمَا سنذكر تَفْصِيل فتحهَا فِي تَرْجَمَة الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور كَانَ مَيْمُون النقيبة مَنْصُور الكتيبة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة أَربع وَعشْرين وَألف وخلع عَن الْملك فِي نَهَار الْخَمِيس سادس عشر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَمَان سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَذكر سَبَب خلعه يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل مُمل أعرضنا عَنهُ لشهرته ومحصله أَنه كَانَ ارْتكب بعض أُمُور تتَعَلَّق بهوى النَّفس وَأطَال فِي تعاطيها حَتَّى مِلَّته أَرْكَان دولته ثمَّ اجْتَمعُوا وخلعوه من السلطنة وسلطنوا مَكَانَهُ وَلَده السُّلْطَان مُحَمَّد وَفِي ثَالِث يَوْم من خلعه قَتَلُوهُ وَدفن فِي مدفن عَمه الصَّالح السُّلْطَان مصطفى إِلَى جَانِبه بِجَامِع أياصوفيا وَمِمَّا اتّفق لَهُ وَلم يتَّفق لغيره من السلاطين فِيمَا أعلم أَنه رأى سلطنة أَبِيه وَعَمه وأخويه وَولده وَوجدت فِي بعض المجاميع الْقَدِيمَة فَائِدَة غَرِيبَة يُنَاسب إيرادها هُنَا محصلها أَنه استقرى من ولي السلطنة وَكَانَ اسْمه إِبْرَاهِيم فوجدوا لم يتم لأَحَدهم أمرهَا إِلَّا قتل وَقَالَ الرَّاغِب فِي محاضراته قَالَ أَبُو عَليّ النطاح كَانَ الْمهْدي يحب ابْنه إِبْرَاهِيم فَقَالَت لَهُ شكْلَة أم إِبْرَاهِيم أَلا ترَاهُ يَلِي الْخلَافَة فَقَالَ لَا وَلَا يَليهَا من اسْمه إِبْرَاهِيم إِن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل أول نَبِي عذب بالنَّار وَإِن إِبْرَاهِيم بن النَّبِي ﵇ لم يَعش وبويع إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي فَلم يتم لَهُ الْأَمر وَأحكم إِبْرَاهِيم الإِمَام أَمر الْملك فَقتل وَتمّ لغيره وَطلب الْخلَافَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحُسَيْن فَمَا تمت لَهُ على جلالته وَكَثْرَة جَيْشه وَقد بَايع المتَوَكل لِابْنِهِ إِبْرَاهِيم الْمُؤَيد فَلم يتم لَهُ وَقتل وَمَا ذكر من اللغم هُوَ شَيْء غَرِيب يَنْبَغِي التعرّض للْكَلَام عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مستحدث وَهُوَ فِي الأَصْل من عمل الفرنج اصطنعوه فِي محاصرة بعض الْحُصُون فِي أَوَائِل الْقرن التَّاسِع على عهد السُّلْطَان سليم الْأَكْبَر واشتهر عِنْد مُلُوك الرّوم حَتَّى فاقوا فِيهِ على الفرنج وَكَيْفِيَّة عمله على مَا تلقيته من الأفواه ثمَّ وجدته فِي بعض المجاميع بِخَط بعض الأدباء أَنه إِذا حوصرت قلعة أَو حصن وتعسر تملكه لصعوبته يسوقون أَمَامه تَلا عَظِيما من التُّرَاب ثمَّ يحفرون من تَحت ذَلِك التُّرَاب سردابًا عَظِيما إِلَى أَن يصلوا إِلَى الأساس ثمَّ يجوّفون قَعْر
1 / 15
الأساس مِقْدَار مَا يُرِيدُونَ بِحَيْثُ أَنهم لم يخرجُوا من تَحت الْجِدَار أبدا فَإِن خَرجُوا بَطل جَمِيع الْعَمَل وينقلون التُّرَاب من السرداب إِلَى خَارج خفيه ليخلو مَا تَحْتَهُ ثمَّ يملؤونه بالنفط والبارود طولا وعرضًا ويضعون فَتِيلَة ثخينة من الْقطن مِقْدَار شبرين فيحرقون أطرافها بالنَّار فِي الْخَارِج ويضعون فَتِيلَة أُخْرَى على قدرهَا ثمَّ يَأْخُذُونَ بالساعة مِقْدَار زمَان احتراقها ليعلموا فِي أَي وَقت تصل نَار الفتيلة إِلَى البارود تَحت الأَرْض ثمَّ إِن الْعَسْكَر يَأْخُذُونَ الأهبة للهجوم ويسدّون بَاب اللغم سدًّا محكمًا خوفًا من رُجُوع البارود إِلَى خلف وَعند احتراق البارود يَنْقَلِب مَا فَوْقه من جِدَار أَو سور أَو غير ذَلِك فيهجم الْعَسْكَر دفْعَة وَاحِدَة ويملكون القلعة بِهَذِهِ الْحِيلَة وَهَذَا مَا انْتهى إليّ من خَبره على هَذَا التَّفْصِيل وَالله أعلم
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الرَّمْلِيّ الْفَقِيه الحنيفي الْمَعْرُوف بالتشبيلي كَانَ أحد الْفُقَهَاء الأخيار عَالما بالفرائض حق الْعلم وَله مُشَاركَة جَيِّدَة فِي فنون الْأَدَب وَغَيرهَا وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لين العريكة وَفِيه تواضع وانعطاف ولد بالرملة وَنَشَأ بهَا ورحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن الإِمَام رَئِيس الْحَنَفِيَّة فِي وقته أَحْمد بن أَمِين الدّين ابْن عبد العال والعلامة عبد الله البحراوي الْحَنَفِيّ وَرجع إِلَى بَلَده وَأقَام بهَا يدرّس ويفيد إِلَى أَن مَاتَ وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وانتفع بِهِ الشَّيْخ محيي الدّين بن شيخ الْإِسْلَام خير الدّين الرَّمْلِيّ وَالسَّيِّد مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ مفتي الشَّافِعِيَّة بالقدس وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته بالرملة فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن تيمورخان بن حَمْزَة بن مُحَمَّد الرُّومِي الْحَنَفِيّ نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بالقزاز الْأُسْتَاذ الْكَبِير شيخ الطَّائِفَة الْمَعْرُوفَة بالبيرامية كَانَ صَاحب شَأْن عَال وكلمات فِي التصوف مستعذبة وَألف رسائل فِي عُلُوم الْقَوْم مِنْهَا رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا محرقة الْقُلُوب فِي الشوق لعلام الغيوب وَغَيرهَا وَأَصله من بوسنة ولد بهَا وَنَشَأ متعبدًا متزهدًا ثمَّ طَاف الْبِلَاد وَلَقي الْأَوْلِيَاء الْكِبَار وجدّ واجتهد وَصَارَ لَهُ فِي كل بلد اسْم يعرف بِهِ فاسمه فِي ديار الرّوم عليّ وَفِي مَكَّة حسن وَفِي الْمَدِينَة مُحَمَّد وَفِي مصر إِبْرَاهِيم وَأخذ الطَّرِيقَة البيرامية الكيلانية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الرُّومِي عَن السَّيِّد جَعْفَر عَن أَمِير سكين عَن السُّلْطَان بيرام وَأقَام بالحرمين مُدَّة ثمَّ استقرّ بِمصْر فَأَقَامَ بِجَامِع الزَّاهِد مُدَّة ثمَّ بِجَامِع قوصون ثمَّ بالبرقوقية ثمَّ قطن بقلعة الْجَبَل فسكن بمسكن قرب سَارِيَة وَجلسَ بحانوت بالقلعة يعْقد فِيهَا الْحَرِير وَكَانَ لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة ووقائع
1 / 16
غَرِيبَة وحبب إِلَيْهِ الانجماع والانفراد وَكَانَ فِي أَكثر أوقاته يأوي إِلَى الْمَقَابِر بِظَاهِر القلعة وَبَاب الْوَزير والقرافتين وَإِذا غلب عَلَيْهِ الْحَال جال كالأسد المتوحش وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي
وَعلي المرتضى بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول يَا عَليّ اكْتُبْ السَّلامَة وَالصِّحَّة فِي الْعُزْلَة وكرّر ذَلِك فَمن حبب إِلَيْهِ ذَلِك وَكَانَ يخبر أَنه ولد لَهُ ولد فَلَمَّا أذن الْمُؤَذّن بالعشاء نطق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ فِي المهد وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَعشْرين بعد الْألف وَدفن عِنْد أَوْلَاده بتربة بَاب الْوَزير تجاه النظامية هَكَذَا ذكره الإِمَام عبد الرؤف الْمَنَاوِيّ فِي طبقاته الْكَوَاكِب الدرية فِي تراجم السَّادة الصُّوفِيَّة وَمَا حررته هُنَا مِنْهَا مَعَ بعض تَلْخِيص وتغيير والقرافة بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء المخففة وَبعد الْألف فَاء فهاء قرافتان الْكُبْرَى مِنْهُمَا ظَاهر ومصر وَالصُّغْرَى ظَاهر الْقَاهِرَة وَبهَا قبر الإِمَام الشَّافِعِي ﵁ وَبَنُو قرافة فَخذ من المعافر بن يعفر نزلُوا بِهَذَيْنِ المكانين فنسبا إِلَيْهِم ولهاتين ثَالِثَة وَهِي محلّة بالإسكندرية مُسَمَّاة بالقبيلة قَالَه ياقوت رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمُشْتَرك
الْمولى إِبْرَاهِيم بن حسام الدّين الكرمياني المتخلص بِسَيِّد شريفي ذكره ابْن نَوْعي فِي ذيل الشقائق وَوَصفه بالتركية فَوق الْوَصْف وَكَانَ على مَا يفهم مِنْهُ فِي غَايَة من الْفضل والكمال مَشْهُورا بفنون شَتَّى معدودًا من أَفْرَاد الْعلمَاء قَالَ وَقد ولد فِي سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن وَالِده ثمَّ قدم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فاتصل بِخِدْمَة الْمولى سعد الدّين بن حسن جَان معلم السُّلْطَان ولازم مِنْهُ على عَادَة عُلَمَاء الرّوم وَهَذِه الْمُلَازمَة مُلَازمَة عرفية اعتبارية وَهِي الْمدْخل عِنْدهم لطريق التدريس وَالْقَضَاء ثمَّ درس بمدارس الرّوم إِلَى أَن وصل إِلَى مدرسة مُحَمَّد باشا الْمَعْرُوفَة بالفتحية وَتُوفِّي وَهُوَ مدرس بهَا وَله تآليف مِنْهَا تَكْمِلَة تَغْيِير الْمِفْتَاح الَّذِي أَلفه ابْن الْكَمَال ونظم الْفِقْه الْأَكْبَر وَالشَّافِعِيَّة وشرحهما وَله من طرف والدته سيادة وَكَانَت وَفَاته فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف بعلة الاسْتِسْقَاء وَدفن بحوطة مَسْجِد شريفة خاتون بِالْقربِ من جَامع مُحَمَّد آغا دَاخل سور قسطنيطينية
الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن حسن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي الطالوي الارتقي الْأَمِير الْجَلِيل فَرد وقته فِي الْكَرم والعهد الثَّابِت وَوصل فِي الشجَاعَة إِلَى رُتْبَة يقصر عَنْهَا أَبنَاء زَمَانه وَفِيه يَقُول قَرِيبه أَبُو الْمَعَالِي درويش مُحَمَّد الطالوي فِي قصيدته الرائية الَّتِي أرسلها من الرّوم يذكر فِيهَا أَعْيَان الشَّام
1 / 17
(مِنْهُم جناب الطالوي ... سليل ارتق ذِي السرير)
(فِي السّلم كالغيث المطير ... وَالْحَرب كالليث الهصور)
(محيى مَكَارِم حَاتِم ... بَين الْأَنَام بِلَا نَكِير)
ولد بِدِمَشْق بدارهم الْمَعْرُوفَة بهم بمحلة التَّعْدِيل وَنَشَأ فِي تربية أَبِيه ثمَّ أَنه خدم أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بشمسي نَائِب الشَّام وَهُوَ الَّذِي بنى التكية بِالْقربِ من سور الأروام وَلما عزل عَن نِيَابَة الشَّام صَحبه إِلَى دَار السلطنة وَاسْتمرّ فِي خدمته كلما ولي ولَايَة كَانَ مَعَه ثمَّ صَار أحد الْحجاب بِالْبَابِ العالي فِي زمن السُّلْطَان سُلَيْمَان وَأعْطى قرى وأقطاعًا كَثِيرَة وسافر الْأَسْفَار السُّلْطَانِيَّة وترامت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى دمشق فِي أَيَّام منازلة جَزِيرَة قبرس فِي عهد السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان وَجمع ذخائر العساكر من بِلَاد الشَّام وَأَخذهَا فِي المراكب من جَانب طرابلس إِلَى قبرس وَكَانَ رَأس العساكر إِذْ ذَاك الْوَزير مصطفى باشا صَاحب الخان الْكَبِير وَالْحمام الَّذِي فِي سوق السروجية بِدِمَشْق وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن تولى السُّلْطَان مُرَاد بن سليم السلطنة فصير الْأَمِير إِبْرَاهِيم رَأس العساكر بِدِمَشْق وسافر بهم إِلَى فتح ديار الْعَجم مَرَّات عديدة وَكَانَ فِي ذَلِك مَحْمُود السِّيرَة وَبعد ذَلِك تولى الْإِمَارَة فِي مَدِينَة نابلس سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ بهَا حَاكما نَحْو سنتَيْن وانفصل عَنْهَا ثمَّ أُعِيدَت إِلَيْهِ وَفِي هَذِه الْمرة عينه أَمِير الْأُمَرَاء بِالشَّام مُحَمَّد باشا ابْن الْوَزير الْأَعْظَم سِنَان باشا لاستقبال ركب الْحَاج على عَادَتهم فحرس الركب من تَبُوك إِلَى دمشق حراسة عَظِيمَة ثمَّ عزل عَن حُكُومَة نابلس وَطَرحه الدَّهْر فِي زَاوِيَة الخمول حَتَّى أنفد غَالب مَا كَانَ يملك وَتَفَرَّقَتْ عَنهُ حفدته وسافر إِلَى طرف السلطنة فِي سنة سبع بعد الْألف وَاسْتمرّ زَمَانا طَويلا ملازمًا وَعَاد وَلم يحصل على طائل وَلما قدم الْوَزير السَّيِّد مُحَمَّد باشا الْأَصْفَهَانِي الأَصْل نَائِبا إِلَى الشَّام عرض حَاله عَلَيْهِ فرق لَهُ وَعين لَهُ من الْتِزَام السمسارية فِي كل سنة أَرْبَعمِائَة دِينَار على سَبِيل التقاعد وَأقَام على تِلْكَ الْحَالة متقنعًا بالكفاف إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف والارتقي بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوْقهَا وَبعدهَا قَاف نِسْبَة إِلَى أرتق بن أكسب جد الْمُلُوك الأرتقية وَله فِي تَارِيخ ابْن خلكان تَرْجَمَة مختصرة مفيدة وَنسبَة بني طالو إِلَيْهِ مستفيضة الْأَلْسِنَة
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن حسن الإحسائي الْحَنَفِيّ من أكَابِر الْعلمَاء الْأَئِمَّة المتحلين
1 / 18
بالقناعة المتخلين للطاعة كَانَ فَقِيها نحويًا متفننًا فِي عُلُوم كَثِيرَة قَرَأَ ببلاده على شُيُوخ كَثِيرَة وَأخذ بِمَكَّة عَن مفتيها عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وَكتب لَهُ إجَازَة حافلة أَشَارَ فِيهَا إِلَى تمكنه فِي الْعُلُوم وَأخذ الطَّرِيق عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى إِلَى الشَّيْخ تَاج الدّين الْهِنْدِيّ حِين قدم الإحساء وَعنهُ الْأَمِير يحيى بن عَليّ باشا حَاكم الإحساء وَكَانَ يثني عَلَيْهِ ويخبر عَنهُ بأخبار عَجِيبَة وَله مؤلفات كَثِيرَة فِي فنون عديدة مِنْهَا شرح نظم الأجرومية للعمريطي ورسالة سَمَّاهَا دفع الأسى فِي إذكار الصُّبْح والمسا وَشَرحهَا لَهُ أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله شعر
(وَلَا تَكُ فِي الدُّنْيَا مُضَافا وَكن بهَا ... مُضَافا إِن قدرت عَلَيْهِ)
(فَكل مُضَاف للعوامل عرضة ... وَقد خص بالخفض الْمُضَاف إِلَيْهِ)
وَكَانَت وَفَاته فِي الْيَوْم السَّابِع من شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بِمَدِينَة الإحساء والإحساء جمع حسى وَهُوَ المَاء ترشفه الأَرْض من الرمل فَإِذا صَار إِلَى صلابة أمسكته فتحفر عَنهُ الْعَرَب وتستخرجه وَهُوَ علم لسِتَّة مَوَاضِع من بِلَاد الْعَرَب الأول أحساء بني سعد بحذاء هجر بلد وَهِي دَار القرامطة بِالْبَحْرَيْنِ وَمن أجل مدنها وَنسبَة إِبْرَاهِيم هَذَا إِلَى الإحساء وَهَذِه وَقيل أحساء بني سعد غير أحساء القرامطة الثَّانِي أحساء حرشاف بالبيضاء من بِلَاد جذيمة عل سيف الْبَحْرين الثَّالِث الإحساء ماءة لجديلة طي بأجأ الرَّابِع أحساء بني وهب بني القرعاء وواقصة تِسْعَة آبار كبار على طَرِيق الْحَاج الْخَامِس الإحساء مَاء لغنى السَّادِس مَاء بِالْيَمَامَةِ بِالْقربِ من برقة الروحان
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن بيري مفتي مَكَّة أحد أكَابِر فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وعلمائهم الْمَشْهُورين وَمن تبحر فِي الْعُلُوم وتحري فِي نقل الْأَحْكَام وحرر الْمسَائِل وَانْفَرَدَ فِي الْحَرَمَيْنِ بِعلم الْفَتْوَى وجدد من مآثر الْعلم مَا دثر لَهُ الهمة الْعلية فِي الانهماك على مطالعة الْكتب الْفِقْهِيَّة وَصرف الْأَوْقَات فِي الِاشْتِغَال وَمَعْرِفَة الْفرق وَالْجمع بَين الْمسَائِل سَارَتْ بِذكرِهِ الركْبَان بِحَيْثُ أَن عُلَمَاء كل إقليم يشيرون إِلَى جلالته أَخذ عَن عَمه الْعَلامَة مُحَمَّد بن بيري وَشَيخ الْإِسْلَام عبد الرَّحْمَن المرشدي وَغَيرهمَا وَقَرَأَ فِي الْعَرَبيَّة على عَليّ بن الْجمال وَأخذ الحَدِيث عَن ابْن عَلان وَأَجَازَهُ كثير من الْمَشَايِخ وَكتب لَهُ بِالْإِجَازَةِ جمع من شُيُوخ الْحَنَفِيَّة بِمصْر واجتهد حَتَّى صَار فريد عصره فِي الْفِقْه وانتهت إِلَيْهِ فِيهِ الرياسة وَأَجَازَ كثيرا
1 / 19
من الْعلمَاء مِنْهُم شَيخنَا الْحسن بن عَليّ العجيمي وتاج الدّين الدهان وَسليمَان حنو وَكَثِيرًا من الوافدين إِلَى مَكَّة وَولي إفتاءها سِنِين ثمَّ عزل عَنْهَا لما تولى شرافة مَكَّة الشريف بَرَكَات لما كَانَ بَين المترجم وَبَين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي من عدم الألفة وَكَانَت أُمُور الْحَرَمَيْنِ فِي أول دولة الشريف بَرَكَات منوطة بِهِ والشريف بِمَنْزِلَة الصفر الْحَافِظ لمرتبة الْعدَد وَكَانَ لَهُ ولد نجيب مَاتَ فِي حَيَاته وَانْقطع بعد ذَلِك عَن النَّاس وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مجد فِي الِاشْتِغَال بالمطالعة والتحرير وَله مؤلفات ورسائل كَثِيرَة تنيف على سبعين مِنْهَا حَاشِيَة على الْأَشْبَاه والنظائر سَمَّاهَا عُمْدَة ذَوي البصائر وَشرح الْمُوَطَّأ راوية مُحَمَّد بن الْحسن فِي جلدين وَشرح تَصْحِيح الْقَدُورِيّ للشَّيْخ قَاسم وَشرح المنسك الصَّغِير للملا رَحْمَة الله وَشرح منظومة ابْن الشّحْنَة فِي العقائد ورسالة فِي جَوَاز الْعمرَة فِي أشهر الْحَج وَالسيف المسلول فِي دفع الصَّدَقَة لآل الرَّسُول ورسالة فِي الْمسك والزباد وَأُخْرَى فِي جَمْرَة الْعقبَة ورسالة فِي بيض الصَّيْد إِذا أَدخل الْحرم وَأُخْرَى فِي الْإِشَارَة فِي التَّشَهُّد ورسالة جليلة فِي عدم جَوَاز التلفيق رد فِيهَا على عصريه مكي فروخ وقرظ لَهُ عَلَيْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام يحيى بن عمر المنقاري والشهاب أَحْمد الشَّوْبَرِيّ وَله غير ذَلِك من التآليف والتحريرات وَكَانَت وِلَادَته فِي الْمَدِينَة المنورة فِي نَيف وَعشْرين وَألف وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد سادس عشر شَوَّال سنة تسع وَتِسْعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ عصر يَوْمه بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَدفن بالمعلاة بِقرب تربة السيدة خَدِيجَة ﵂ وَكَانَ قلقًا من الْمَوْت فَرَأى النَّبِي
قبل وَفَاته بليلة فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ يَا إِبْرَاهِيم مت فَإِن لَك بِي أُسْوَة حَسَنَة فَقَالَ يَا رَسُول الله على شَرط أَن يكْتب لي ثَوَاب الْحَج فِي كل سنة فَقَالَ
لَك ذَلِك أَو كلا مَا مَعْنَاهُ هَذَا
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالسقاء الْوَاعِظ الْحَنَفِيّ الْمَذْهَب كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره يسْقِي المَاء دَاخل قلعة دمشق ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم وَقَرَأَ الْقُرْآن وجوده واشتغل فِي غَيره من الْعُلُوم على الْمولى يُوسُف بن أبي الْفَتْح أَمَام السُّلْطَان وَلَزِمَه حَتَّى صَار لَهُ ملكة فِي القراآت والوعظ وَحفظ فروعًا من الْعِبَادَات كَثِيرَة وَأعْطى إِمَامَة مَسْجِد فِي مَدِينَة أبي أَيُّوب وَأقَام بالروم مِقْدَار أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ إِنَّه ترك الْإِمَامَة وَأخذ الْمدرسَة الجوزية بِدِمَشْق وَقدم إِلَيْهَا وَانْقطع بَقِيَّة عمره بالجامع الْأمَوِي وأضر فِي عَيْنَيْهِ وَيَديه وَرجلَيْهِ وَكَانَ دَائِم الإفادة والنصيحة وَقَرَأَ عَلَيْهِ
1 / 20