Khilāṣat al-Mukhtaṣar wa-Naqāwat al-Mu‘taṣar
خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر
ایډیټر
أمجد رشيد محمد علي
خپرندوی
دار المنهاج
شمېره چاپونه
الأولى
د چاپ کال
۱۴۲۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
جدة
ژانرونه
المضطر الذي لا حيلة له ، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهَّل على قلبي الإعراضَ عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب، وأظهرت عزمَ الخروج إلى مكة وأنا أدبر في نفسي سفر الشام... ففارقت بغداد، وفرقت ما كان معي من المال، ولم أدخر إلاّ قدر الكفاف وقوت الأطفال... ثم دخلت الشام وأقمت به قريباً من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة، والرياضة والمجاهدة؛ اشتغالاً بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق، وتصفية القلب لذكر الله تعالى كما كنت حصلته من كتب الصوفية... ثم رحلت منها إلى بيت المقدس...
ثم تحركت فيّ داعيةُ فريضة الحج والاستمدادِ من بركات مكة والمدينة وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله وسلامه عليه، فَسِرْتُ إلى الحجاز، ثم جذبتني الهممُ ودعواتُ الأطفال إلى الوطن، فعاودته بعد أن كنتُ أبعدَ الخلق عن الرجوع إليه، فآثرتُ العزلة به أيضاً؛ حرصاً على الخلوة وتصفية القلب للذكر... ودمت على ذلك مقدارَ عشر سنين، وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمورٌ لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره، لينتفع به:
أني علمتُ يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسنُ السير، وطريقهم أصوبُ الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه.. لم يجدوا إليه سبيلاً؛ فإن جميعَ حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به.
وبالجملة؛ فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها، وهي أولُ شروطها تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله، وعلى الجملة؛ ينتهي الأمر إلى قَرب يكاد يتخيل منه طائفةٌ الحلول، وطائفةٌ الاتحادَ، وطائفةٌ الوصول، وكل ذلك خطأ)(١).
(١) المنقذ من الضلال (ص ٦٤-٧١):
36