Khilāṣat al-Mukhtaṣar wa-Naqāwat al-Mu‘taṣar
خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر
ایډیټر
أمجد رشيد محمد علي
خپرندوی
دار المنهاج
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
۱۴۲۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
جدة
ژانرونه
الخلاصة
المسمى
خُلاصة المختصر ونقاوة المعتصر
تأليف
حجة الإسلام وبركة الأنام
الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي
رحمه الله تعالى
(٤٥٠ - ٥٠٥ هـ)
دراسة وتحقيق
أمجد رشيد محمد علي
دار المنهاج
ناپیژندل شوی مخ
الطبعة الأولى
١٤٢٨ هـ- ٢٠٠٧م
جميع الحقوق محفوظة للناشر
لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزءٍ منه، وبأيّ شكل من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقاً من الناشر
مواقع التوزيع
السعودية: دار المنهاج للنشر والتوزيع - جدة هاتف: ٦٣١١٧١٠ - فاكس: ٦٣٢٠٣٩٢
الإمارات العربية المتحدة: مكتبة دبي للتوزيع - دبي هاتف: ٢٢١١٩٤٩_٢٢٢٤٠٠٥ -فاكس: ٢٢٢٥١٣٧
الكويت: دار البيان - الكويت هاتف: ٢٦١٦٤٩٠ - فاكس: ٢٦١٦٤٩٠
قطر: مكتبة الأقصى - الدوحة هاتف: ٤٤٣٧٤٠-٤٣١٦٨٩٥
مملكة البحرين: مكتبة الفاروق - المنامة هاتف: ١٧٢٧٢٢٠٤- ١٧٢٧٣٤٦٤ فاكس: ١٧٢٥٦٩٣٦
مصر: دار السلام - القاهرة هاتف: ٢٧٤١٥٧٨ - فاكس: ٢٧٤١٧٥٠
سوريا: دار السنابل - دمشق هاتف: ٢٢٤٢٧٥٣ - فاكس: ٢٢٣٧٩٦٠
جمهورية اليمن: مكتبة تريم الحديثة - تريم (اليمن) هاتف: ٤١٧١٣٠ - فاكس: ٤١٨١٣٠
لبنان: الدار العربية للعلوم - بيروت هاتف: ٧٨٥١٠٨-٧٨٥١٠٧ - فاكس: ٧٨٦٢٣٠
أندونيسيا: دار العلوم الإسلامية - سورابايا هاتف: ٦٠٣٠٤٦٦٠ ٠٠٦٢٣١
تركيا: مكتبة الإرشاد - اسطنبول هاتف: ٠٢١٢٦٣٨١٦٣٣ - ٠٢١٢٦٣٨١٦٣٤ فاكس: ٦٣٨١٧٠٠ ٠٢١٢
1
الخلاصة
المسمى
خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ناپیژندل شوی مخ
بين يدى الكتاب
بقلم الدكتور
محمد عبد الرحمن شميله الأهدل
(أ)
حمداً لمن خصَّ أهل الولاية بنفحات القبول، وبلّغهم المأمول، حين تحققوا بشمائل الوصول، وأفرغ عليهم من سابغ توفيقه ما رفعهم إلى أسمى المراتب، فهم في الأمة المحمدية شامة بيضاء؛ إذ هم الخلاصةُ المخلصون، فلا هَمّ لهم إلا التضلّع من المنهل الروي، ولا هدف لهم إلا خدمة الدين ونفع أمته وتبيان منهجها السوي.
وصلاة وسلاماً على منقذ البَرِية من المهالك، الرحمة المهداة ابن الذبيحين، وخير الثقلين، وعلى آله الأكرمين وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن قيمة المرء مرتبطة بمدى إحسانه، وأكرم الناس من تدرع بالتقوى، وعلماءُ الأمة الأبرار هم صفوة الخلق بعد الأنبياء، ونجوم الهداية إذا ادلهمَّتْ ظلمات الحوادث، والحائزون إرث النبوة؛ فكانوا لذلك أرفع مقاماً، وأعلى مرتبة وأسمى منزلة، ولا سيما إذا كانوا من أهل الرسوخ في العلم الذين نوّه بمزيتهم الفرقان، وعدلتهم سنةُ المأمور بالبيان صلى الله عليه وسلم.
وما ذلك إلا لأنهم اضطلعوا بـ((إحياء علوم الدين)) وأعنقوا في ميادين التبيان، فمنهم من آثر النهج ((البسيط))، ومنهم من سلك مهيع ((الوسيط))، وثلة اكتفت بمعالم ((الوجيز))، وما من هؤلاء إلا ((منقذ من الضلال)) استخلص ((اللباب)) وطرح القشور، ولم يخرج عن ((معيار العلم))، وقد آذن بأن ((الاقتصاد في
5
الاعتقاد )) أصلُ المهمات، لا سيما وقد برىء من وصمة "تهافت الفلاسفة"، وكم من إمام عبقري نصح بـ"إلجام العوام عن علم الكلام"، وكم لهج ببيان "فضائح الإمامية وقواصم الباطنية"، وهل "بداية الهداية" إلا أول مراحل السلوك السوي؟
واعلم بأن "أصول المستصفى" "شفاء الغليل"، وحبذا من تملّى مليا في "جواهر القرآن"، فإن ذلك هو "القربة إلى الله تعالى"؛ إذ هو يظهر "تلبيس إبليس"، ويوقفك على "عجائب صنع الله جلا وعلا" وفي ذلك "تنبيه الغافلين" و"كشف علوم الآخرة" وتبيان "المنهاج المستقيم"(١).
( ب )
والإمام أبو حامد داعية إسلامي، ومرب كبير، وموسوعة ثقافية شرعية، فهو حجة الإسلام، المناضل عن حياضه، المدافع عن بيضته، مذلُّ الفلاسفة المتهوِّكين، والمقارع بالبينات والدلائل الواضحات أولي الشذوذ والبدع من سائر الفرق التي نبتت على الساحة الإسلامية، وحاولت أن تلبس الإسلام جلبابها، وأن تظهره في إهابها، حتى كاد أن ينعقد إجماع أولي الديانة على أن حجة الإسلام هو مجدد القرن الخامس.
قال الحافظ السيوطي في أرجوزة المجددين:
والخامسُ الحبر هو الغزالي وعده ما فيه من جدال
ولا غرو؛ فإن الإمام أبا حامد له تصانيف في غالب الفنون، ومصنفاته سارت بها الركبان، وانتفع بها الخاص والعام، وقد نقل النووي في "بستانه" أنه أحصيت كتب الغزالي التي صنفها ووزعت على عمره فخص كل يوم أربعة كراريس.
قال في "الإتحاف": (وهذا من قبيل نشر الزمان لهم، وهو من أعظم الكرامات، وقد وقع كذلك لغير واحد من الأئمة؛ كابن جرير الطبري، وابن
(١) كلّ الجملُ والكلمات التي تقع بين الحاضرين هي أسماء لأشهر مؤلفات الإمام الغزالي، ورّى عنها مقدِّم الكتاب، وغير ما ذكره كثير (الناشر).
6
شاهين ، وابن النقيب ، والنووي ، والسبكي ، والسيوطي وغيرهم(١).
والخلاصة : أنه ضرب في كل فن بسهم ، فأوفى على الغاية ، وله من الشعر أيضاً المقطعات السندسية ، والحلل الأدبية ، ومما يطربني قوله :
سقمي في الحب عافيتي ووجودي في الهوى عدمي
ولعل أمير الشعراء شوقي مدين للإمام بفضل السبق إلى هذا المعنى فقد قال في «نهج البردة» :
یا ویح جنبك بالسهم المصيب رمي
(ج)
أضواء على فقه الإمام
يقول السبكي والد صاحب «الطبقات»: (لا يعرف قدر الشخص في العلم إلا من ساواه في رتبته وخالطه مع ذلك).
ويقرب من هذا المعنى قول: الشيخ محمد بن يحيى النيسابوري وهو أحد تلامذة الإمام: (لا يعرف الغزالي وفضله إلا من بلغ أو كاد أن يبلغ الكمال في عقله) اهـ
قلت: ومن هذا الباب وقع الخلل في أحكام كثير من معاصرينا على أئمة عظام، ولذلك لما أردت إرسال نظرة فاحصة على فقه الإمام.. صمت لساني وسكت بياني، وطفقت أستنطق أقلام علمائنا الأوائل عن هذا الجانب، وهذا هو المسلك الحق إن شاء الله تعالى.
وأتذكر بهذه المناسبة أني دخلت مرة على شيخنا العلامة الورع الموفق محمد نور
(١) إتحاف السادة المتقين (١/٢٧).
(٢) المصدر السابق (٢٤/١).
7
سيف ابن هلال بمكة وهو أحد أعلامها البارزين - سقى الله جدثه مزن الرحمة والرضوان - وسلمت عليه، فوجدته في غضب عارم، وابتدأني وبجواره كتاب لأحد معاصريه فقال ما معناه: انظر إلى قلة أدب هذا الرجل؛ يجعل عنوان كتابه ((معاوية في الميزان)) ومن هو حتى يقوم بوزن خال المؤمنين؟! وكلاماً نحو هذا.
ونحن إذ نتكلم عن فقه الإمام فإن الإمام أبا عبد الله المازري الذي فوّق سهام الملام إلى الإمام لم يجد سبيلاً إلا أن يعترف بفقه الإمام ورسوخ كعبه فيه، وكان من جملة ما أثنى عليه به قوله: (وهو بالفقه أعرف منه بأصوله).
وقال ابن السبكي وقد أنصف: (جامع أشتات العلوم، والمبرِّزُ في المنطوق فيها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأوٍ ولم تقع منه بالغاية) إلى آخر ما ذكره من تحلية عادلة، ونعوتٍ إلى شخصه هادية.
وأود هنا أن أذكر مسألة من فتاوى محرر المذهب، وسيدرك المتأمل الفطن أن الإمام بلغ من هذا الفن مرتبة ما وراءها مرمى، وأنه في فتاواه المزنُ إذا هَمَى:
سُئل ما قوله فيمن يغتاب كافراً أيأثم بذلك أم لا؟ وهل يفترق الحال بين الذمي والحربي؟ وفيمن يغتاب مبتدعاً بغير بدعته، أيحرم أم لا؟
الجواب: وبالله التوفيق: الغيبة المنهي عنها هي أن يذكر المغتاب بما يكرهه إذا سمعه وإن كان صادقاً، وهو في حق المسلم محذور لثلاث علل.
إحداها: ما فيه من الإيذاء إن سمعه، أو يضيق بسببه إن لم يسمعه.
والثانية: أن فيه تنقص ما هو فعل الله تعالى؛ فإن الله عز وجل هو خالق الخلق، وهو خالق صفاتهم وأفعالهم وأخلاقهم، حتى ينهى بسبب هذا عن مذمة الأطعمة الرديئة وتنقصها.
والثالثة: أنه يضيع الوقت بما لا يعني، وهو جارٍ في النطق بما ليس فيه غرض صحيح، والعلة الأولى: تقتضي التحريم؛ فإن إيذاء المسلم حرام، والثانية: تقتضي الكراهة، وهو يطرد في الأطعمة والحيوانات، والثالثة يقال: إن تركه أولى، وهو رتبة دون الكراهة، فهم ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام
8
المرء تركه ما لا يعنيه))، فإذا فهم هذا في المسلم .. فالكافر إن كان حربياً فإيذاؤه ليس بحرام ؛ إذ لا عصمة له ، فتزول علة التحريم ، ويبقى أنه تنقصٌ لما هو من خلق الله تعالى ، فإن كان ذلك تعرضاً لذميم أخلاقه لا لنشأة خلقته ، وانضم إليه الإشعار ، وقال ذلك من أثر ضلاله وكفره ، تنفيراً عن الكفر وتحقيراً له ببيان أنه مما ينتج الأخلاق السيئة .. فهذا لا كراهية فيه ، وإن لم يكن على هذا القصد ، ولا مع هذا الإشعار ، ولم تكن فيه فائدة التنبيه من تحذير وتحقير .. فالكراهة فيها أخف ، وإنما لا تستشعر النفس فيها الكراهة لأنه يسبق إليها أن مذمته مذمة الكفر وإشارة إليه ، وقد سبق أن ذلك لا بأس به ، وهذا بأن يكون مندوباً أشبه من أن يكون مكروهاً .
وأما التعرض لبشرة خلقته .. فالكراهة فيها أخف من التعرض للأطعمة ... إلى آخر ما ذكره(١) .
ونلحظ من هذا التقرير الاعتمادَ في الفتوى على صحيح الأحاديث ، والاستنباط العميق والتفصيل البديع ، والدقة في تبيان الصور ، وردها إلى المقاصد ... إلى غير ذلك مما لا يخفى على الفطن .
لأن تفنن الإمام في علمي المنقول والمعقول خوّل له القدرة على تنوع المقاصد وتكثير الصور ، وتباين أحكامها ، كل بحسب ما ترشد إليه قواعد الشرع ، إضافة إلى الحس الفقهي الذي تميز به ، والتقوى التي تهديه إلى السداد ، وتفتح له أبواب الرشاد .
( د )
أما الخلاصة: فأصلها (( مختصر المزني)) الذي قيل عنه : إنه أحاط بمسائل المذهب أصولاً وفروعاً ، تصريحاً أو تلميحاً ، فكان الاسم والمسمى أشبه بأسماء الأضداد ، فهو مختصر نسبي وكتاب مبسوط بالمعنى العام ، ولذلك اختصر ثم اختصر .
١ - فاختصره أولاً الإمام أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين ، وحذف أدلة
(١) إتحاف السادة المتقين (١٤/١-١٥).
9
المسائل والاعتراضات والردود، وترك الجري في ميدان الإسهاب، إلا أنه كما يقول الغزالي: لم يصرف همته إلى تحرير الكتاب وترتيبه وحصر مسائله وتبويبه؛ أي: من مسألة ذكرت في غير محلها لمناسبة، وفرع عرض في غير بابه، فكان في هذه الحال بحاجة مرةً ثانية إلى تهذيب مختصر المختصر؛ لأن مسائله لا زالت متبددةَ النظام، أشبه بالدر المنثور، فهي خارجة عن الانضباط، مُحوجةٌ في تتبعها إلى كبير عناء، وسعة زمن يُنْفَق ثمناً لاستخراجها.
٢- ولذلك قام محرر المذهب أبو حامد بإزالة العوائق والعقبات التي تواجه المطلع عليه، وما ذلك إلا تسهيلاً لجني ثماره، فنظم في سلك مختصره المسمى بـ((الخلاصة)) ما تبدد من درره، وأضاف إليه من غرره، ولذلك جاءت مرتبة مختصرة، منتقاة محررة، إضافة إلى حسن التهذيب والتقريب، وجودة التبويب، مع زيادات نافعة، وإفادات رائعة، فاكتمل حسنه، وحسن اكتماله.
وكتاب تظافر على إتقانه ثلاثة من الأعلام الكبار لهو جدير بالعناية والاقتناء، حري بالنشر وأن يتأبطه المتفقهة، ويسامره الأعلام، وتطير نسخه في كل قطر إسلامي؛ لينتفع به الجميع.
وبفضل من المولى تقدست أسماؤه هُدِيَ سعادة د/ أمجد رشيد إلى تحقيق ((الخلاصة))؛ لتزداد جمالاً إلى حسنها، إذ علق عليه، وشفع التعليق بمقدمة تكتب إن شاء الله تعالى في ميزان حسناته.
ثم كان لدار المنهاج حظها من العناية به، وتصحيح طباعته، وإخراجه في حلل الجودة، وإبرازه بالمظهر الأنيق، بل والاشتراك في بعض التعليقات وتجهيز المقدمات.
هذا وإن مما تميزت به هذه الدار الفتية برئاسة صاحبها الموفق أبي سعيد عمر بن سالم باجخيف أنْ أخرجت لنا في بحر أشهر تُعَدُّ على الأصابع كتابين جليلين، وأصلين فقهيين من أمهات كتب الشافعية؛ أحدهما: هذا الكتاب، والآخر: ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) لإمام الحرمين، فهما يطبعان لأول مرة.
10
ولولا همة أبي سعيد القعساء ، وعشقه لاستخراج الكنوز التراثية من لجج المكتبات العالمية ، وإنفاقه بسخاء على إخراجها إخراجاً يتناسب مع مستواها الرفيع ، ولولا توفيق الله تعالى له .. لما اكتحلت أعين الفقهاء والباحثين بسطور هذين الأصلين الكريمين اللذين كادا أن ينسيا لتقادم عهد ولادتهما ، وعزة مخطوطاتهما .
فاهنا فُدِيتَ أبا سعيدْ واصمدْ إلى عملٍ جديدْ
* * *
11
مقدمة المحقق
الحمدُ لله الذي نوّر بالإيمان قلوبَنا ، وأقام بشريعته الغراءِ نفوسَنا ، حمداً يليق بذاته وجلاله ، وكبريائه وجماله ، وعظمته وكماله ، كلّما ذكره الذّاكرون ، وغفل عن ذكره الغافلون .
والصلاةُ والسّلامُ الأتمّان الأكملان على مدينةِ العلم والعرفان ، صاحبِ الحقيقة والبرهان ، خيرِ نِعمةٍ مُهداة ، وأكملِ خلقةٍ مجتباه ، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمّد بن عبد الله، وآله الأكرمين ، وصحبه المهتدين ، والمقتفين هُداه .
أما بعدُ :
فإنه من نعم الله الكريم عليَّ أن شرفني ويسَّر لي تعلمَ العلمِ الشَّرعيّ الشَّريف ، والارتباطَ بأهله ، وسلوك طريق أئمتنا الأخيار في اتباع مذاهب المتقدمين من الأئمة المجتهدين المعتبرين ، خصوصاً إمامَنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ورحمه .
وقد انطبع في قلبي حبُّ الاطلاع على كُتب أئمتنا ومعرفةِ سِيرِهم ، سواءٌ منهم المتقدمون والمتأخرون ، وكان مما يسَّر الله الاطلاعَ عليه مصوَّرةٌ من كتاب (( الخلاصة)) لإمام المذهبِ - بل والمسلمين في عصره - حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى ، وذلك بحوزة الفاضلِ المجدِّ المفيدِ أخينا الشيخ أبي الحسن إياد الغوج أدام الله عليه النِّعم ، فطلبتُها منه للاطلاع عليها ، فوَهَبَنيها ، فطالعتُ منها مواضعَ كثيرةً ، فكانت جوهرةً من كتب أئمتنا المتقدمين ، تزهو بإبداع المُفَنَّنِ في التأليف ، وحائزِ قصبِ السبق في التصنيف ، الإمام الغزالي ، فعزمتُ على نسخِها وتصحيحِ نصِّها ، والتعليقِ عليها بما يَفتحُ به الوهابُ ، وزوَّدني أخونا المذكورُ بنسخةٍ ثانيةٍ من الكتاب ، فزادت الرغبةُ في العمل وعَظُمَ الشوق .
12
ولما شرعتُ فيما وقع عليه العزمُ مستعيناً بمن عليه التكلان .. اتفق أنه لا بُدَّ من تسجيلٍ بحثٍ لنيل ما يَدْعُونه بدرجة الدُّكْتوراه ، فلم أجدْ بين يديَّ أحسنَ مما عزمتُ عليه من إخراج (( الخلاصة )) التماساً لبركتها وبركة مؤلِّفها، ونفعاً لإخواننا من طلاب المذهب وغيرهم.
وكتابُ (( الخلاصة )) للإمام الغزالي عبارةٌ عن اختصارٍ وتحريرٍ وإعادة ترتيبٍ وتقسيمٍ وزياداتٍ في المسائل، وذكرِ الخلافِ على كتاب (( المختصر )) للإمام الكبير أبي إبراهيم المزني رحمه الله تعالى(١)، الذي جمع فيه عيونَ مسائل المذهب من كلام شيخه الإمام الشافعي رضي الله عنه ورحمه.
قال في مقدمته: ( اختصرتُ هذا الكتابَ من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ، ومن معنى قوله ؛ لأقرِّبه على مَن أراده ، مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره ؛ لينظرَ فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه ) اهـ(٢)
ونُقِل عن المزني أنه قال: ( كنتُ في تأليف هذا الكتاب عشرين سنة ، وألفتُه ثلاثَ مرات وغيَّرْتُه، وكنتُ كلَّما أردتُ تأليفَه .. أصومُ قبله ثلاثةَ أيام ، وأصلي كذا وكذا ركعة ) اهـ
وقد حوى (( مختصرُ المزني )) جميعَ أبواب الفقه التي يذكرها الفقهاءُ في مصنفاتهم ، مبتدئاً بـ( كتاب الطهارة ) ومنتهياً بـ( كتاب عتق أمهات الأولاد ).
(١) هو الإمامُ الجليلُ الفقيهُ المجتهدُ أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن إسحاق بن مسلم بن نهدلة بن عبد الله المزني المصري ( ١٧٥ - ٢٦٤هـ ) صاحب الإمام الشافعي ، وناصرُ مذهبه وبدر سمائه ، عاش بعد موت الإمام الشافعي ستين سنةً يُقْصَدُ من الآفاق وتُشد إليه الرحال ، وأخذ عنه خلائق من علماء خُراسان والعراق والشام، صنف كتباً كثيرة، منها: (الجامع الكبير)، و(الجامع الصغير)، و(المنثور)، و(المسائل المعتبرة)، و(الترغيب في العلم)، وكتاب (الوثائق)، وكتاب (العقارب)، وكتاب (نهاية الاختصار)، والمختصران الصغير والكبير . انظر ترجمته في : (الطبقات الكبرى) للتاج السبكي (٩٣/٢-١٠٩) و(طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة (٥٨/١_٥٩) و(مناقب الشافعي) للبيهقي (٣٤٤/٢ -٣٥٧) وكتاب (الإمام المزني) للأستاذ الدكتور محمود السرطاوي حفظه الله ، وهي رسالة دكتوراة مقدمة لجامعة الأزهر.
(٢) مختصر المزني (٢/١).
(٣) مناقب الشافعي للبيهقي (٣٤٩/٢).
13
قال الإمامُ أبو زيد المَرْوَزِي رحمه الله واصفاً ((المختصر)): ( مَنْ تتبع ((المختصر)) حقَّ تتبعه .. لا يخفى عليه شيءٌ من مسائل الفقه ؛ فإنه ما من مسألة من الأصول والفروع إلاّ وقد ذكرها تصريحاً أو إشارة ) اهـ(١)
وقال الإمامُ البَيْهَقي : ( ولا نعلمُ كتاباً صُنِّفَ في الإسلام أعظمَ نفعاً ، وأعمَّ بركة ، وأكثرَ ثمرةً من كتابه ) اهـ(٢)
وقد وَصَفَ الإمامُ الغزاليُّ أهميةَ ((كتابِ المزني)) في ديباجة ((الخلاصة)) بقوله:
( وما أجدرَ (( مختصرَ المزني)) بأن يُعتنى بحفظه ؛ فإن مسائلَه غررُ كلام الشافعي رحمةُ الله عليه ، بل دُرَرُ نظامه ، وزواهرُ نصوصه ، بل جواهرُ فُصوصه ، وناقلُها في غمار نقلة المذهب عينُ القلادة ، بل سيدُ السادة ، تميَّزَ من بين سائر النقلة والحفاظ ، بالجمع بين سبك المعاني ونقل الألفاظ ) اهـ
وقد كان الإمامُ المزني رحمه الله قد طوَّل كتابه (( المختصر)) بذكر أدلة المسائل والاعتراضات على الإمام الشافعي.
هذا جانب، ومن جانب آخر: وقعت كثيرٌ من مسائل ((المختصر)) مشتتةً غيرَ مجموعةٍ ولا مضبوطةٍ في محلٌّ واحد ، والسببُ الأولُ هو الذي حدا بالإمام أبي محمد الجويني(٣)، والدِ إمام الحرمين رحمهما الله تعالى إلى اختصار ((مختصر المزني))(٤)،
(١) المجموع (١/ ١٠٧).
(٢) مناقب الشافعي (٣٤٨/٢)، هذا وقد حظي ((المختصر)) باهتمام أهل المذهب البالغ ؛ فصنفوا عليه من الشروح الشيءَ الكثيرَ كما يعلم ذلك من تراجم أئمتنا، وانظر كتاب (( الإمام المزني)) للأستاذ الدكتور محمود السرطاوي.
(٣) هو الشيخُ الإمامُ الكبيرُ ركنُ الإسلام أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حَيُّويَة الجُوَيْني ، والد إمام الحرمين أبي المعالي الجويني الشافعي الأشعري (ت ٤٣٨هـ) كان رحمه الله أوحدَ زمانه علماً وديناً وزهداً وتقشفاً زائداً وتحرياً في العبادات ، وله المعرفة التامة بالفقه والأصول والنحو والتفسير والأدب، وله من المصنفات: ((الفروق))، و((السلسلة))، و((التبصرة))، و((التذكرة))، و((شرح الرسالة))، و((مختصرٌ في موقف الإمام والمأموم))، وتفسير كبير يشتمل على عشرة أنواع في كلّ آية، وعمل مختصراً على ((مختصر المزني)) سماه بـ ((مختصر المختصر)) وهو الذي أشار إليه الغزالي في ديباجة ((الخلاصة)). انظر ترجمته في: ((الطبقات الكبرى)) (٧٣/٥-٩٣) و((طبقات الشافعية)) لابن قاضي شهبة (٢١٤/١-٢١٥) ترجمة رقم (١٧١).
(٤) وقد اهتمَّ بعض أئمتنا المتقدمين بـ ((مختصر الشيخ أبي محمد))، فشرحه الإمام أبو عمرو عثمان بن=
14
وقد بذل في ذلك جهده، لكنه لم يصرفْ رحمه الله همته إلى تحرير الكتاب وترتيبه وحَصْرِ مسائله وتبويبه كما قال الإمام الغزالي، الأمرُ الذي حدا بالغزالي إلى العمل على الاختصار من جديد صارفاً همته إلى تهذيب ((المختصر)) وترتيبه في أحسن ترتيب وأحكم تهذيب.
وقد وَصَفَ الغزاليُّ عملَه وعملَ الشيخ أبي محمد فقال في ديباجة ((الخلاصة)): (أستخيرُ الله تعالى في تحرير ((مختصرِ المُزَنِيِّ)) وترتيبه وتهذيبه وتبويبه... ولقد صنَّفَ الشيخُ الإمامُ أبو محمد الجويني والدُ أستاذي وإمامي إمام الحرمين قدس الله روحهما مختصراً من ((المختصر))، منقِّحاً له بحذف التطويل والإطناب، وطَرْح ما طوَّل به المزنيُّ الكتابَ والأبواب، بما أجراه في الأدلة والاعتراضات من الإسهاب، ولم يألُ فيما قصد من الاختصار جُهدَه، ولكنه جرَّد نحو مجرد الإيجاز قصدَه، وقَصَرَ على محض الاختصار نيتَه، ولم يصرفْ إلى الترتيب وحَصْرِ المسائل همتَه، فجاءت المسائلُ متبددةَ النظام كالدُّرِّ المنثورِ خارجةً عن الانضباط، تفتقرُ كلُّ واحدة الى أن تفردَ بالاحتفاظ والالتقاط، ومهما لم تُسرد المسائلُ المتبددةُ في سلك النظام.. استصعبت على الحفظ، وزلَّت عن الذهن، وطال الشغلُ والعناءُ في تحصیلھا أولاً، واستصحاب حفظها ثانياً) اهـ
فهذا حالُ ((مختصر المزني)) و((مختصره)) لأبي محمد الجويني، فالكتابانِ على جلالة قدرهما لا تخلو الاستفادةُ منهما من صعوبة ـــ كما أشار إليه الغزالي - مما دفع بالغزالي إلى إعادة النظر في ترتيب وتركيب ((المختصر)) لئلا ينصرفَ طلابُ العلم عن مطالعة ما فيه من مسائلَ منقولةٍ عن إمام المذهب، ويكون تشتيتُ مسائله وبُعدُ حصرها وترتيبها عن الذهن سبباً لانصرافهم عنه، فلذا شرع الغزالي رحمه الله بتحرير ((المختصر)) ليكون قريبَ الفائدة تُجْتنى ثمارُه، فقال: (فثنيتُ عنانَ العناية إلى
= محمد بن أحمد المصعبي (ت ٥٥٠ هـ)، والإمام أبو خلف عوض بن أحمد الشَّرْواني الشيرازي المتوفى بعد (٥٥٠هـ)، وشرحه أيضاً الإمام ابن طاهر كما وقع النقل عنه في الروضة (٢٢٢/٧) وغيرها. وانظر: الطبقات الكبرى (٢٠٩/٧، ٢٥٥) وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (٣٢٦/١، ٣٢٨).
15
التأليف بين الإيجاز والتصريف ، والتركيب بين الاختصار والترتيب ، تحريضا للراغبين ، وتسهيلا للحفظ على الطالبين ) اهـ
فجاء كتابُ الغزاليّ هذا تبعاً لأصله مختصراً عظيماً في بابه ؛ لجمعه غررَ كلام الإمام الشافعي رحمه الله والاستدلال له في مواضع كثيرة ، بل هو يمتاز عن أصله بحُسْن التهذيب والترتيب والتقسيم والتفريع ، فصار من جملة كتب المذهب التي يُختَفل بها ويُتَغَنى بشأنها ، حتى نظم أبو حفص الطرابلسي مادحاً الغزالي وكتبه الفقهية بما فيها (( الخلاصة)» قائلاً:
هَذَّبَ المذهبَ حبرٌ أحسنَ اللهُ خلاصَهْ
قال العلامةُ المحدثُ السيدُ مرتضى الزبيدي واصفاً ((الخلاصة)): ( هو مفيدٌ جداً، ملخّصٌ من أصله ، مع زيادات نافعة) اهـ(١)
وقال الإمامُ الكبيرُ عبدُ الله بنُ أبي بكر العيدروس مشيراً إلى فضل ((الخلاصة)»: ( مَن أراد طريقَ الله ورسوله ورضاهما .. فعليه بمطالعةِ كتب الغزالي ... وكتابُ ((الخلاصة)) فيه النُّور) أهـ(٢)
فهذه إشارةٌ كافيةٌ - إن شاء الله تعالى - في بيان فضل ((الخلاصة)) تبعاً لفَضْل أصلها ، ويقي أن أنبَّهُ على أمور :
الأول: كون ((الخلاصة)) من جملة كتب الغزالي الفقهية مما لا خلاف فيه ، فنسبتُه إليه أشهرُ من نار على عَلَم عند أهل التراجم وعلماء المذهب ، فيذكرونه في ترجمة الغزالي من جملة مصنفاته(٣)، وينقلون عنه مسائل في كتب الفقه(٤) ، وقد ذكره الغزاليُّ نفسُه من جملة كتبه في ( كتاب العلم) من (( الإحياء )) عند ذكره مراتبَ
(١) إتحاف السادة المتقين (٢٧٣/١).
(٢) شرح العينية للإمام أحمد بن زين الحبشي ( ٩٢-٩٣).
(٣) انظر مثلاً: ((الطبقات الكبرى)) للسبكي (٦/ ٢٢٤) و((طبقات الشافعية)) لابن قاضي شهبة (٣٠١/١) .
(٤) انظر: ((المجموع)) للنووي (٢٢٨/٢) و(٣٦/٦) وغيرها كثير .
16
العلمِ الثلاثَ - وهي: الاقتصار، والاقتصاد، والاستقصاء - فقال: (وأما الفقهُ .. فالاقتصارُ فيه على ما يحويه ((مختصرُ المزني)) وهو الذي رتبناه في (( خلاصة المختصر )) ) اهـ (١)
الثاني : تجدر الإشارةُ هنا إلى أنَّ بعضَ العلماء ظنَّ ((الخلاصةَ)) اختصاراً لـ ((الوجيز)) للغزالي أيضاً(٢)، وهذا خطأ؛ فإن الغزالي مصرِّحٌ في ديباجة ((الخلاصة)) بأنها اختصارٌ وترتيبٌ لـ ((مختصر المزني))، وصرَّح به أيضاً في ((الإحياء))، و((جواهر القرآن))(٣)، فلا أصلَ إذن لما ظنه هؤلاء، لكن ألتمسُ العذرّ لهم فيما قالوه؛ لأن مّن يطالعُ في ((الوجيز)) و(( الخلاصة)) ولا يَدْري ما هو أصلُ ((الخلاصةَ)) فأولُ ما يتبادر إلى الذهنِ أنها اختصارُ (( الوجيز))؛ لأن الغزالي قد سلك - في الجملة - في تأليف هذا المختصر مسلكَ (( الوجيز)) من حيث الترتيبُ والتقسيمُ كما يظهرُ لمن يطَّلع على الكتابين أدنى اطلاع.
هذا شيءٌ، وشيءٌ آخر : أن كتبَ الغزالي الفقهية بعضها مختصر من بعض ، فألّف رحمه الله (( البسيط)) أولاً، وهو اختصارٌ لـ ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) لشيخه إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، ثم اختصر (( البسيط )) في كتاب سماه ((الوسيط))، ثم ألف (( الوجيز)) وهو مختصرٌ أخذه من (( البسيط)) و (( الوسيط )) وزاد فيه أموراً، و((الوجيزُ)) هو المتنُ الذي شرحه الإمامُ الرافعي بشرحين صغيرٍ وكبيرٍ وسماه (( العزيز ))، فقد يظنُّ البعضُ أن الغزالي قد جرى على عادته في اختصار كُتبه فاختصر ((الوجيز)) في ((الخلاصة))، وليس الأمرُ كذلك.
الثالث : ما أثبتُّه على الغلاف من اسم الكتاب وهو (( خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر )) هو ما سمى الإمامُ الغزالي به كتابَهُ كما صرَّح به في ديباجة (( الخلاصة))، وذَكَرَه بهذا الاسم أيضاً العلامةُ مرتضى الزبيدي (٤) ، ويشتهرُ الكتابُ أيضاً باسم
(١) الإحياء (٤٠/١) وسيأتي مثل ذلك في كتابه ((جواهر القرآن)).
(٢) انظر: ((الفوائد المكية)) العلامة السيد علوي السقاف (ص ٣٤).
(٣) إحياء علوم الدين (٤٠/١) و ((جواهر القرآن)) الفصل الرابع.
(٤) إتحاف السادة المتقين (٢٧٣/١).
17
((الخلاصة)) اختصاراً من غير إضافة إلى شيء كما يقعُ النقلُ عنه كذلك في كتب المذهب كـ((المجموع)) و((الروضة)) وغيرهما، ويُقال له أيضاً: ((خلاصةُ المختصر)) كما وقع في كلام الغزالي في ((الإحياء)) و((جواهر القرآن))(١).
وللكتاب اسمٌ آخرُ ذَكَرَهُ العلامةُ الزبيدي(٢) وهو: (( خلاصةُ الوسائل إلى علم المسائل)).
الرابع : نبه السيدُ الزَّبيدي(٣) على أن ((الخلاصة)) ليس هو (( عنقود المختصر ونقاوة المعتصر )) للغزالي أيضاً، وإنما هذا كتابٌ آخر، وقد ذَكَرَ في موضع آخر أنه - أعني العنقود - مختصرٌ لـ((مختصر الجويني)) على ((مختصر المزني)).
والذي يغلب على ظني أن ((عنقود المختصر)) هو نفسُه (( خلاصة المختصر )) وليس هو اختصارَ ((مختصر الجويني))، أو يكون كتاباً آخرَ لكن ليس اختصاراً لـ((مختصر الجويني))، فمن البعيد جداً - كما لا يخفى - أن يكون الغزالي قد عمل اختصاراً على (( مختصر)) الشيخ أبي محمد، وفي الوقت نفسه يعمل على اختصار ((مختصر المزني)) لأنه لا يخفى على من علم أصلَ (( مختصر الشيخ أبي محمد )) أن مادةَ الكتابين أعني ((مختصر المزني)) و((مختصر الجويني)) واحدة، فلا فائدةَ مطلقاً لتكرار الاختصار.
وعندي: أن ما ذكره الزبيدي رحمه الله وهم، ومنشؤه - والله أعلم - أن الغزالي قد تعرَّض في ديباجة (( الخلاصة)) لـ (( مختصر الشيخ أبي محمد)) فمدحه تارة وانتقده أخرى كما علمتَ، فقد يظنُّ القارئُ لكلام الغزالي أنه عازمٌ على إصلاح عمل الجويني فيما لم يوافقه فيه، وليس الأمرُ كذلك، بل الغزالي مصرِّحٌ في الديباجة بأن ((الخلاصة)) اختصارٌ لنفس ((مختصر المزني)) لا لـ((مختصر الجويني)) عليه.
الخامس : قال شيخُ الإسلام في (( شرح منهج الطلاب)) في ( باب الأحداث ) عند الكلام على حرمة مس المحدث للقرآن ما نصه: ( ((و)) مسّ (( جلده)) المتصل به ؛
(١) الإحياء (٤٠/١) و((جواهر القرآن)) الفصل الرابع.
(٢) إتحاف السادة المتقين (٢٧٣/١).
(٣) المرجع السابق.
18
لأنه كالجزء منه، فإن انفصل عنه .. فقضيةُ كلام «البيان » الحل، وبه صرَّح الإسْنوي، لكن نقل الزَّرْكشي عن (( عُصارة المختصر)) للغزالي أنه يحرم أيضاً ، وقال ابنُ العماد: إنه الأصح ) اهـ
قال الجملُ في حاشيته عليه: ( قوله: ((عن عصارة المختصر)): هو متنُ ((الوجيز)) للغزالي، ولعلَّ تسميته بـ ((العُصارة)) لكونه عَصَرَ زبدَ ((المختصر)) أي: « مختصر المزني » أي : أخرجها منه ) اهـ
وعبارةُ البرماوي: ( قوله: ((عن عُصارة المختصر)): بضم العين المهملة ؛ أي : خُلاصته ، والمرادُ به ((مختصر المزني)) ) اهـ
فترى أن العلامةَ سليمان الجمل قد جعل (( الوجيز)) هو مختصرَ ((مختصر المزني)» وهو خطأ ظاهر؛ إذ ((الوجيز)) اختصارٌ من ((البسيط)) و((الوسيط)) للغزالي نفسه كما تقدم، و((الخلاصة)) هو مختصرُ ((مختصر المزني)).
وعلى هذا : يكون الكتابُ الذي نَقَلَ عنه الزركشيُّ وسماه ((عُصارةَ المختصر )» هو نفسَه ((الخلاصة))، ومما لا يُبعد ذلك أن الحكمَ الذي نسبه الزَّرْكشي إلى الغزالي في ((عُصارة المختصر)) موافقٌ لما في ((الخلاصة)) التي بين أيدينا الآن، وعبارةٌ ((الخلاصة)) في ( باب الأحداث ) : ( والثاني : تحريمُ حمل المصحف في غلاف وغير غلاف ، ومسِّه ، ويستوي فيه الجلدُ والحاشية والسطر ) اهـ فترى الغزالي قد أطلق حرمةَ حملِ ومسِّ جلد المصحف ، وهو - أعني إطلاقه - يقتضي تحريمَ ذلك حالَ انفصال الجلد كحال اتصاله .
السادس : تقدّم أن حجة الإسلام رحمه الله تعالى صنّف (( البسيط)) أولاً ، ثمّ اختصر منه (( الوسيط))، ثم أخذ منهما مختصره (( الوجيز))، فهذه الثلاثة مرتبة هكذا زمنياً، ويأتي هنا سؤال: هل كان تصنيف (( الخلاصة)) متأخراً عن هذه الثلاثة أم ماذا؟ والجواب: أن الذي يبدو لي أن ((الخلاصة)) متأخرٌ عن (( الوجيز)) من حيث التأليف؛ إذ ما عليه الكتاب - أعني (( الخلاصة)) - من حسن التقسيم والترتيب ، وحصر المسائل ، وبيان الأركان والشروط والأحكام .. قد يَبْعُدُ أن يكون عملاً مبتدأ على ((مختصر المزني)) مع ما عليه (( المختصر)) من التشتيت والتشعيب ، فالظاهرُ أن
19
((الخلاصة)) قد وُجِدَ بعد سلسلة أعمال سبقتها؛ إذ من يطالع في ((الوسيط)) يجدْه على نحوٍ من ((الوجيز)) من حيث الترتيب والتقسيم، والذي يقوّي هذا كلامُ الإمام الغزالي نفسه في كتابه ((جواهر القرآن)) في الفصل الرابع، حيث ذكر تصانيفه الفقهية فقال: ( وصرفنا قدراً صالحاً منه - أي: العمر - إلى تصانيف المذهب وترتيبه إلى ((بسيط)) و((وسيط)) و((وجيز))، مع إيغال وإفراط في التشعيب والتفريع، وفي القدر الذي أودعناه كتاب ((خلاصة المختصر)) كفاية، وهو تصنيف رابع، وهو أصغر التصانيف ) اهـ بتوضيح، والظاهر من قوله: ( وهو تصنيف رابع ) أي: من حيث الزمن، لا لمجرد العَدِّ، والله أعلم.
السابع : لم أقفْ إلى الآن على أيِّ عمل لعلمائنا على كتاب ((الخلاصة)) لا شرحاً ولا اختصاراً ولا غيرهما، بخلاف مختصره الآخر - أعني ((الوجيز)) - فقد تصدَّى لشرحه أئمةٌ عظامٌ كالرافعي، وعندي أن السِّرَّ في هذا - والله أعلم - أن ((الوجيز)) أوسعُ في مادته العلميةِ من ((الخلاصة)) سواءٌ في ذكر المسائل والفروع وبيان الأقوال والخلاف والأدلة والتعليلات؛ لذا حَسُنَ صرفُ همم التأليف نحوَه دون ((الخلاصة)).
***
20