قال: ولبث يونس صلى الله عليه في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك، فاستمط شعره وجلده، حتى بقي لحمه، ومنع الله منه الموت، فلما علم الله توبته، وقد نادى بالتوبة: { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [الأنبياء: 87] فاستجاب له وتقبل توبته، ورحم فاقته. فأرسل ملكا من الملائكة، فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر، فألقى يونس من بطنه، وقد ذهب شعره وجلده، وذهبت قوته، فرد الله جسمه على ما كان عليه أولا من تمام صورته، وحسن تقويمه، وأنبت الله له شجرة اليقطين، وهي الدباء فكان يأكلها. فلما اشتدت قوته، واطمأن من خوفه وإشفاقه، أرسله الله إلى قومه، وكانوا في ثلاث قرى، فمضى إلى أول قرية فدعاهم إلى الله وإلى دينه، فأجابه نصفهم أو أكثر من النصف، وعصاه الباقون، فسار بمن أطاعه إلى العصاة لأمره، فحملهم عليهم وقاتلهم، فقتلهم وأبادهم. وسار إلى القرية الثانية، فدعا أهلها وأعذر إليهم وأنذرهم، فأجابه منهم طائفة، فحمل المطيع على العاصي، فقتلهم وأبادهم. ثم سار إلى القرية الثالثة، وكانت أعظمها وأشدها بأسا ومنعة، فدعاهم إلى الله وأعذر إليهم وأنذر، وحذر ما حل بإخوانهم، فلم يجبه منهم أحد، واستعصموا على كفرهم، فسار إليهم وخرجوا إليه، فحاربهم فلم يقدر عليهم. فلما كان بعد وقت وعلم الله منه الصبر على ما أمره به من طاعته، والإعذار إلى خلقه، أمر الله جبريل صلوات الله عليه، فطرح بينهم نارا، ثم أرسل الرياح فأذرت النار عليهم وعلى منازلهم ورحالهم، فأحرقتهم جميعا ودمرتهم، فهذا ما سألت عنه من خبر يونس عليه السلام.
مخ ۶۱۱