75

خطرات نفس

خطرات نفس

ژانرونه

لكن في نظام الكون عالما معنويا يرى بعين غير التي ينظر بها إلى ذلك الوجود المحسوس، عالما لا يخضع لقوانين الأفلاك إذا هي تدور، أو إذا هي تمور، ولا لقوانين الحياة والأحياء. إذا هي تنمو أو تحور عالما لا يخضع إلا لقوانين القلوب، إذ تذكر وتشعر، أو تظهر وتضمر. ولقوانين النفوس إذ تميل وتنفر، وتتمنى وتقدر. •••

وفي تلك الأيام التي يصطلح الناس على تسميتها أيام العيد، يتجلى منظر واضح من مظاهر تلك القوانين النفسية، قد ينتهي عند تحليل ما يتصل به من طقوس ورموز وأدعية وصلوات إلى صنوف من الذكريات، وألوان من الآمال، وضروب من الانفعالات، تلفح ريحها الأفراد والأمم، وقد تفعل فيهم فعل السحر، فتخرجهم عن طورهم المألوف، فتصبح أيام العيد كأنها غير سواها من الأيام، وكأن شمسها غير الشمس ونسيمها غير النسيم. •••

ولقد مرت علينا سنون - طيب الله ذكرها من سنين - كان فيها القلب باسما، والبال ناعما، فكنا نشعر بقانون العيد كما يشعرون، ونلبس له الجديد كما يلبسون ... ولكن ... الفلك سيار، والزمن جبار، فلا هو يبقي الغصن لينا رطيبا، ولا هو يبقي القلب للسرور خصيبا.

فأين أنت يا أيام النفوس الفتية، ويا ليالي الصبا الهنية، أين؟ أين أنت وقد كنت تجودين على القلب بخصائصك من بحبوحة السرور، وعلى الذهن بسعة الخيال، ولذائذ الأحلام والآمال. وكنت تجودين بجميل الذكريات. وكنت تجودين بملء الضحكات، وكثرة البسمات. وكنت تجودين بأحاديث الأنس والجمال.

أين أنت يا تلك الأيام، أيام العيد، التي كانت تشرق شموسك دون أن تمر أضواؤها بسحب متلبدة، وغيوم متعددة!.

وأين أنت أيها البصيص من النور الوهاج والأمل، الذي كان يحفز الهمم القوية للنشاط والعمل. أين؟!

سلام على ما مضى وفات، ونظرة رجاء لما هو آت. وليبارك الله للزهرة المتفتحة في أيامها وأعوامها، وللصغير الناشئ في جديد ثيابه، وفى عطف أحبابه، وليغمر بفضله محيا الناس بالسرور، وقلوبهم بالنور. وليسبغ على نفوسهم أسباب الوئام، وليهيئ للأمة في سبيلها الرشاد والسلام.

التسامح

القاهرة في 19 يونيه سنة 1926

في هذا الوقت الذي يحل فيه كدح العام وكده على الجسوم، وتقع فيه ضروب من الأوصاب على العضل والأعصاب؛ بل في هذا الوقت الذي قد يشتد فيه القيظ أحيانا، فتذبل الزهور على العيدان، ويشرد فيه الكرى عن الأجفان؛ بل في هذا الوقت الذي قد تعرض فيه لنوابنا الكرام ألوان الآراء، ويطلب إليهم أنواع الإفتاء؛ بل في هذا الوقت الذي يذهب فيه الفحول من شيوخنا مذاهب الجدال، وتظهر في مجالسهم مظاهر النضال؛ بل في هذا الوقت الذي تضجر منه النفوس، وتسأم، فتهيج من الجليل، وتهيج من القليل. أقول: في هذا الوقت يطلب إلى عزيز علي أن أتحدث إلى القراء في معنى التسامح - وآه لولا التسامح وبلسمه الشافي؛ لالتهبت النفوس من كل مجادلة، أو من كل مبادلة، ولولاه لجرحت نفوس الناس من التشاد، وتورمت أفئدتهم من الأحقاد، ولولاه لتقطعت أوصال المحبين، وتفرقت جموع المتواصلين، فهو نعمة لولاه لما ظل الخير بين الناس.

ناپیژندل شوی مخ