72

خطرات نفس

خطرات نفس

ژانرونه

فكم من الناس زهت لهم الأماني، وتلألأت لهم الآمال، فخدعتهم عن تلك الأماني، وأطفأت أمام أعينهم نور الآمال!! وكم من الناس حولت لهم العيش المنكود نعيما، وأحلت لهم النار بردا وسلاما.

فيا أيها العام: إن غرك سلطانك، وإن كبر لديك في نفسك شأنك. فاذكر حكمة سليمان «باطلة الأباطيل، وكل شيء غير الله باطل».

عند أطلال طيبة

القاهرة في 20 من مارس سنة 1926 (1)

انتقلت مع فريق من طلاب مدرسة المعلمين من مدينة الأقصر إلى الشاطئ الغربي للنهر المبارك؛ لأرى ما أبقى الدهر من معابد ومقابر، ولأطوف طوفة حول ما أبقى الأوائل للأواخر، فقطعنا طريقا ممدودة بين حقول من العدس والحنطة، ومما ينبت النيل العزيز. •••

كان يحد النظر جبل «القرنة»، وهو جبل جيري غير مرتفع، تواترت عليه مؤثرات الأكوان والأزمان، فاغبر لونه، ويكاد الناظر يراه أفقيا. وكنا كلما دنونا منه بدا للطرف تمثالا «أمينوفيس» كالأشباح الهائلة يشقان من الفضاء إلى السماء شقا سنجابيا يتقيد عنده البصر، ولقد خيل إلي أن التمثالين العظيمين إنما نصبا للإشراف على هذا الفضاء الواسع؛ وليملآه رهبة وعزة، ويستوقفا كل من يمر بهما ليحييهما قائلا:

سلام عليكما أيها الشاهدان على عز غابر، وبأس حاضر، لقد تعاقبت عليكما الليالي والأيام، وتخلفت عند قدميكما الحقب والأعوام، وانصبت فوق رأسيكما أضواء الشمس الضحوك وعتمة الظلام. سلام عليكما، لقد هبت في وجهيكما لوافح الرياح، وتبللت عيونكما بطل الصباح، وابتسم الدهر تارة حولكما في هذه الديار فعمتها العظمة، وقطب حاجبيه لها تارة أخرى، فتوالت عليها المحن والنقمة. كل ذلك وأنتما صامتان لا تتحركان، تشعران بعظمة كانت ثم مضت، وعزة تولت وانقضت. وماض جد عظيم، وتاريخ، ثم مقيم.

سلام عليكما من كل عابر، ومن كل ذاكر. •••

ثم تذكرت في سبيلي إلى زيارة الآثار أنني منذ بضع سنين، قد قطعت طريقا في بلاد اليونان لمعابد «دلفوس »، يقرب شبها من الطريق الذي قطعته في الأسبوع الماضي، وينتهي ذلك الطريق الذي يتلوي ويهبط، ويصعد بين مزارع الأعناب والزيتون إلى واد سحيق، وجبل صخري منعزل، كانت شيدت عنده بيوت آلهتهم ومنازل السحرة والناسكين فيما سلف.

ثم تذكرت، والذكرى تبعث الذكرى أديرة الرهبان النائية، وصوامع المنقطعين للعبادة النازحين، فمر بخاطري عندئذ أن أنظر بين عهدين من عهود التاريخ. وحالتين من أحوال النفس البشرية، مر بخاطري أن أنظر بين العهد الغابر، والعهد الحاضر. وبين النفس المتصلة بالملأ الأعلى، والنفس المتصلة بشؤون الدنيا.

ناپیژندل شوی مخ