63

خطرات نفس

خطرات نفس

ژانرونه

فالبحث إذن هو من خواص العقل، والانسياق مما هو حاصل إلى ما هو منتظر ركن من أركان الشخصية البشرية، والعقل والشخصية كلاهما ميزة ابن آدم. لكن الجامد يعطل عمل العقل، ويكبل نزعات الشخصية، ويقص جناح التطلع، وأكثر أعماله وحركاته قد تتصل بالعادات، والمألوفات، والغرائز.

وعندي أن أهل الجمود هم أدنى إلى معاني الموت منهم إلى معاني الحياة الصحيحة؛ وذلك لأن شأن الحياة الصحيحة أن تظهر فيها الحركة متصلة غير مقطوعة، ومتشعبة غير مركزة، وتتفاعل مظاهر الحياة بعضها مع بعض على مدى واسع غير محدود. لكن الجامدين لا يتصلون بالحياة إلا من بعض جهاتها، ولا يفسحون نفوسهم لأطرافها المترامية. •••

للجمود عصور يشتد فيها أمره، وتقوى فيها زمره. وقد تكون تلك العصور هي عصور الجهالة والانحطاط، وتغلغل طبائع الاستبداد، ودنو الشعوب من الشيخوخة والهرم.

وفي هذه العصور يكون مثل الجامدين مثل الطفل الذي قد يريد به أبواه خيرا، فيسرعان ليحولا بينه وبين غذاء في عناصره سوء، فيغضب الطفل ويصيح ويبكي، وكذلك أهل الجمود فإنهم يغضبون، ويهلعون، ويجزعون عند ما يراد بهم الخير؛ لأنهم قد لا يعقلون التمييز بين ما يضر وما ينفع. •••

لكن الأطفال تساس أحيانا وتؤخذ باللين، وتقهر أحيانا وتؤخذ بالقسر. وفي عصور الانتعاش يجب على المجددين أن يعلموا كيف يساس أهل الجمود.

الجمود في الأمم شر وأذى وإثم، فحاربوه إن وجدتموه.

إلى الفتيات المبعوثات

القاهرة في 3 من أكتوبر سنة 1925 ... وكما أن الحاضر من الأيام يمثل لنا أحيانا صورة من صور الماضي، فتكاد تحسبه الماضي دون أن يكونه، كذلك قد تمر بوجه السماء المشرقة سحابة، فتحسب أنك في فصل الغمام دون أن تكون فيه، وكذلك قد تذرف العيون دموعا رطبة، وقد يتهدج الصوت بنبرات متقطعة، فتحسبك محزونا دون أن تكون كذلك حقا. •••

تذكرنا الماضي البعيد حين ذهبنا إلى الثغر لنودع فتياتنا المبعوثات في سبيل العلم، فمثلت في خيالنا تلك الأيام إذ أرسلنا مع زملاء لنا في ذلك السبيل، وشهدنا صورة من تلك الصور التي شاهدناها بالأمس من مظاهر الدعوات الخالصة، والقبلات الطاهرة، والوداع الشديد، وسمعنا من الآباء مثل ما سمعنا بالأمس تلك الوصايا، يزود بها الأبناء والأبناء مطرقون احتراما، وكأن رءوسهم تنخفض لما يلقى فيها من ذهب ثمين، وإن خلاصة ما شهدنا وسمعنا تنحصر في دائرة من المعاني، لا تخرج عن معنى الإيمان والشرف والوطن. •••

لم أنس من ذكريات الأمس البعيد، شبح ذلك الشيخ الأسمر النحيف، يقدم عند الوداع لأحد أقربائه من زملائي كتاب دينه المقدس، فكأن آخر ما أوصاه به أن يذكر ربه، ولو نسى كل شيء، وقد رأيت بالأمس القريب آباء فتياتنا وأمهاتهن، يقدمون لهن المصاحف ويوصونهن بذكر الله، وما أجدر قلب الفتاة الطاهرة أن يعمره ذكر الله الكريم.

ناپیژندل شوی مخ