فاهتز رأسه يمنة ويسرة، وقال بصوت ينم عن النصر: أجل .. ما أسهل الكلام! ولكن ما أصعب العمل! - لم أعد أفهم شيئا. - اسمحي لي بزيارتك كل يوم! - أستحلفك بالله أن تفعل. - ولكن بغير الإيمان لن تجدي خيرا في عجوز ضرير مثلي.
ترددت قليلا، ثم قالت بجزع: أخشى أن تضيق بك، أعني عدلية؟ - ولكني سأجيء. - وإذا ... وإذا ... هبها ... - صدقيني، سأزورك كل يوم، وإذا لم يعجبها ذلك فلتنطح الجدار!
فتمتمت بإشفاق: اخفض صوتك يا شيخ طه، فعلينا ألا نغضبها. - انسي يا ست عيون أنك تحت رحمتها، أنت تحت رحمة الله وحده. - أجل .. أجل .. كلنا تحت رحمة الله وحده، ولكن تصور ما سيحيق بي لو غضبت مني! - لن يصيبك إلا ما كتب الله لك. - هذا حق يا شيخ طه ، ولكن تصور بالله وحدتي إذا هجرتني! - لن تهجرك يا ست عيون، فهي تعتمد عليك أضعاف ما تعتمدين عليها! - إني عاجزة، أما هي فقوية ويمكن أن تعمل في أي بيت! - يمكن أن تعمل في أي بيت، ولكن كخادمة، أما هنا فهي ربة البيت! - كلامك جميل ومعقول، ولكن الحقيقة مرة جدا، فأنا عاجزة تماما.
فضرب الأرض بعصاه الغليظة، وقال: إن نصف عجزك راجع إلى اعتمادك الكلي عليها! - ولكن مرضي حقيقة، حقيقة واقعة بشهادة الأطباء. - أنا لا أومن بالأمراض ولا بالأطباء، ولكني سأجاريك في أفكارك إلى حين، إذا هجرتك يا ست عيون كما تتوهمين، فسوف أجيئك بابنتي الكبرى المطلقة.
شع من عينها الغائمتين نور طارئ، وتساءلت بلهفة: حقا؟! - سأستغني عنها من أجل خاطرك.
فشعرت بخجل من نفسها، وقالت: ولكنك لا تستطيع العيش بمفردك!
فضحك لأول مرة، وقال: عجوز ضرير، فكيف يعيش بمفرده؟! طالما عشت بمفردي قبل طلاقها! - لا أريد أن أثقل عليك. - إنما تثقلين على نفسك، كان الله في عونك.
وساد الصمت مليا؛ صمت مشبع بالطمأنينة والسلام.
وتنحنح، ثم راح يتلو:
تبارك الذي بيده الملك
ناپیژندل شوی مخ