وبعد، فنحن لم نكفر إلا من أوسعناه حجة، ولم نمتحن إلا أهل التهمة، وليس كشف المتهم من التجسس، ولا امتحان الظنين من هتك الأسرار. ولو كان كل كشف هتكا، وكل امتحان تجسسا، لكان القاضي أهتك الناس لستر، وأشد الناس كشفا لعورة.
والذين خالفوا في العرش إنما أرادوا نفي التشبيه فغلطوا، والذين أنكروا أمر الميزان إنما كرهوا أن تكون الأعمال أجساما وأجراما غلاظا. فإن كانوا قد أصابوا فلا سبيل عليهم، وإن كان قد أخطئوا فإن خطأهم لا يتجاوز بهم إلى الكفر. وقولهم وخلافهم بعد ظهور الحجة تشبيه للخالق بالمخلوق، فبين المذهبين أبين الفرق.
وقد قال صاحبكم للخليفة المعتصم، يوم جمع الفقهاء والمتكلمين والقضاة والمخلصين، إعذارا وإنذارا: امتحنتني وأنت تعرف ما في المحنة، وما فيها من الفتنة، ثم امتحنتني من بين جميع هذه الأمة! قال المعتصم: أخطأت، بل كذبت، وجدت الخليفة قبلي قد حبسك وقيدك، ولو لم يكن حبسك على تهمة لأمضى الحكم فيك، ولو لم يخفك على الإسلام ما عرض لك، فسؤالي إياك عن نفسك ليس من المحنة، ولا من طريق الاعتساف، ولا من طريق كشف العورة، إذ كانت حالك هذه الحال، وسبيلك هذه السبيل.
مخ ۲۹۲