وقيل للمعتصم في ذلك المجلس: ألا تبعث إلى أصحابه حتى يشهدوا إقراره، ويعاينوا انقطاعه، فينقض ذلك استبصارهم، فلا يمكنه جحد ما أقر به عندهم؟ فأبى أن يقبل ذلك، وأنكره عليهم، وقال: لا أريد أن أوتى بقوم إن اتهمتهم ميزت فيهم بسيرتي فيهم، وإن بان لي أمرهم أنفذت حكم الله فيهم، وهم ما لم أوت بهم كسائر الرعية، وكغيرهم من عوام الأمة، وما من شيء أحب إلي من الستر، ولا شيء أولى بي من الأناة والرفق.
وما زال به رفيقا، وعليه رقيقا، ويقول: لأن أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق! حتى رآه يعاند الحجة، ويكذب صراحا عند الجواب. وكان آخر ما عاند فيه، وأنكر الحق وهو يراه، أن أحمد بن أبي دواد قال له: أليس لا شيء إلا قديم أو حديث؟ قال: نعم. قال: أو ليس القرآن شيئا؟ قال: نعم. قال: أو ليس لا قديم إلا الله؟ قال: نعم. قال: فالقرآن إذا حديث؟ قال: ليس أنا متكلم.
وكذلك كان يصنع في جميع مسائله، حتى كان يجيبه في كل ما سأل عنه، حتى إذا بلغ المخنق، والموضع الذي إن قال فيه كلمة واحدة برىء منه صاحبه قال: ليس أنا متكلم!
مخ ۲۹۳