253

لهذا لا أتوقع شيئا إيجابيا من القوى الاستعمارية في العالم ومؤسساتها الاقتصادية مثل الشركات المتعددة الجنسيات أو البنك الدولي أو صندوق النقد، أو تلك الاتفاقات الدولية التي تتم تحت أسماء خادعة مثل التنمية أو التعاون أو الإصلاح الاقتصادي أو الإصلاح الهيكلي، بل أتوقع مزيدا من الكوارث والحروب الاقتصادية والعسكرية، ومزيدا من الدمار الشامل والإبادة الجماعية للفقراء والضعفاء من النساء والأطفال والعجائز في بلادنا خاصة.

لكني أدرك أيضا أن العنف يولد العنف، وأن ليس من السهل قتل البشر دون أن يهبوا للدفاع عن أنفسهم، وقد أدرك الناس في بلادنا أن العدو أصبح عالميا ومحليا، وأن النضال لا بد وأن يكون عالميا ومحليا أيضا.

لم يعد العالمي منفصلا عن المحلي، وهذه واحدة من الإيجابيات، أصبحنا نعيش في عالم واحد، بل في قرية واحدة بفضل التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الاتصال، ويمكن لسكان هذه القرية في الشمال والجنوب والشرق والغرب أن يتواصلوا ويتجمعوا وينظموا صفوفهم من أجل النضال ضد الظلم والجوع والموت.

ربما لهذا السبب أشعر بالتفاؤل رغم الردة التي نعيشها في كافة مجالات الحياة، رغم هذا الفقر الذي يصيب النساء أكثر من الرجال، حتى أصبح اصطلاح «تأنيث الفقر» كأنما هو سمة عصر العولمة ما بعد الحديث.

مع ازدياد نسبة البطالة تطرد النساء من سوق العمل قبل الرجال، خاصة مجالات العمل ذات الأجور المرتفعة، والتي تتطلب مهارات خاصة، أما الأعمال الدنيا ذات الأجور المنخفضة، والتي لا تتوافر فيها أية ضمانات نقابية أو صحية أو قانونية فإن أعداد النساء تزداد فيها عن الرجال، كذلك الأعمال التي بلا أجر على الإطلاق؛ مثل الأعمال المنزلية فتقوم بها النساء اللائي يحملن لقب زوجة أو ربة بيت أو أم، هذه الفئة من النساء يتعرضن لاضطهاد اقتصادي أكثر من خدم وخادمات البيوت الذين يتقاضون أجورا على أعمالهم.

في مصر أصبحت أجور الخدم في البيوت أعلى من الأجور التي يحصل عليها خريجو الجامعات والمعاهد العليا، لقد زادت البطالة بين حاملي الشهادات العليا، وفقد التعليم الجامعي قيمته في ظل قيم السوق والتجارة والمكسب المالي السريع أو تراكم رأس المال، ولأن السوق هي عصب النظام الرأسمالي أو عصر العولمة فإن تشجيع الاستهلاك مطلوب لتصريف البضائع، ويلعب الإعلام دوره التضليلي لتصبح النساء أدوات استهلاكية لشراء منتجات لا يحتجن إليها، منها أدوات الزينة والتجميل والزخرفة، ويتزايد الفهم المفرط بين الطبقات الوسطى والعليا في الأكل واللبس والجنس والمكيفات والسجائر والخمور والمخدرات والمنبهات.

لم ينتبه علماء الاقتصاد، ومنهم الماركسيون أو الاشتراكيون إلى دور النساء في الأعمال خارج نطاق العمل الرسمي، مثل الفلاحات وربات البيوت، ولم يكن كافيا إضافة هؤلاء النساء إلى قوة العمل المنتج؛ بل لا بد من تغيير مفهوم العمل، وإلغاء فكرة تقسيم العمل على أساس الجنس.

إن التقدم التكنولوجي قد ساعد على خلق أنواع جديدة من العمل الإنتاجي الذي يتم داخل البيوت، أصبحت المرأة ربة البيت قادرة على كسب بعض المال من عملها الإنتاجي دون أن تخرج من بيتها، وسوف يساعد هذا التغيير على تسهيل الحياة نسبيا، خاصة للأسر المهاجرة والطبقات الفقيرة.

إلا أن الهوة بين الطبقات تزداد بمثل ما تزداد التفرقة بين الجنسين، ومع ازدياد الفقر وازدياد تصاعد التيارات الدينية المحافظة أصبحت المرأة ضحية التمزق بين تيارين متضادين في الظاهر فقط؛ لكنهما وجهان لنظام واحد، التيار الديني الذي يدفعها إلى التحجب والعزلة في البيت، والتيار الاستهلاكي الانفتاحي الذي يدفعها إلى الشراء والمتعة والجنس والتزين، بل والدعارة أيضا.

إن انتشار الدعارة والتجارة بالجنس والنساء (خاصة الفتيات والشابات الصغيرات) قد أصبحت ظاهرة عالمية وعملية، واضحة وسافرة، أو مستترة تحت أنواع جديدة من الزواج، التي انتشرت في بلادنا في السنين الأخيرة، مثل الزواج العرفي وزواج المسيار وغيرهما.

ناپیژندل شوی مخ