252

(1) وجهان لنظام عالمي واحد

تتحكم القوة الدولية الرأسمالية الأبوية في حياتنا من خلال حكوماتنا المحلية؛ التي تبطش بنا في أي وقت نمثل فيه خطورة عليها أو على استقرار النظام الحاكم.

إننا نعيش في أمان نسبي أو في خطورة نسبية حسب قدرتنا على تغيير النظام الحاكم، ولا يمكن فصل النظام الدولي عن المحلي، ولا يمكن فصل ما سمي العالم الثالث، فنحن نعيش في عالم واحد يتحكم فيه سياسيا واقتصاديا وعسكريا 447 رجلا يملكون أكثر مما يملكه نص سكان العالم.

أصبحت قلة قليلة من الرجال يعيش معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية يملكون ويتحكمون في المال والسلاح والإعلام، هذا الثالوث القادر على قتل البشر جسديا وعقليا ونفسيا، ويتضاعف نصيب النساء والفقراء من هذا القتل الجماعي الذي نشهده كل يوم، خاصة في بلادنا الأفريقية والعربية.

إن القوة هي التي تحكم دوليا ومحليا وليس العدل، وليس الله - إن كان مفهوم الله هو العدل - لكن الحكام في عصر العولمة الحديث أو ما بعد الحديث لا يمكن أن يستمروا في الحكم دون الاستعانة بالله أو الأديان، حتى تظن الأغلبية من النساء والرجال المقهورين أن هذا القهر، وهذا الفقر، وهذا الموت إنما هو حكمة الله، أو إرادة الله، وليست إرادة حفنة قليلة من الملياردارات الأمريكيين والأوروبيين.

إن هذه الظاهرة الجديدة التي يسمونها التيارات الأصولية الدينية ليست جديدة، بل هي جزء من التاريخ البشري منذ نشوء النظام العبودي، أو ما يسمى النظام الطبقي الأبوي، وهي الوجه الآخر للظاهرة التي أطلق عليها وصف العولمة.

إن هذه الظاهرة التي يسمونها العولمة، والتي توصف بأنها جديدة ليست جديدة بل هي جزء من التاريخ البشري منذ نشوء الاستعمار، أو بلغة أصح «الاستخراب»، وكلمة الاستعمار مضللة؛ لأنها مشتقة من الفعل استعمر، أو ما يؤدي إلى العمار أو العمران، وفي حين أن الكلمة الملائمة هي «الاستخراب»؛ لأن الاستعمار الأوروبي والأمريكي القديم والجديد قد جلب الفقر والخراب لبلادنا الأفريقية والعربية وليس العمار.

لكنها اللغة المضللة التي يستخدمها الغزاة دائما حتى لا يكتشف أهل البلاد الخدعة، ويتصورون أن هؤلاء الغزاة قد جاءوا لحمايتهم وليس لتدميرهم.

جاء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 باسم «الحماية»، وتضرب الصواريخ الأمريكية اليوم الشعب العراقي باسم حمايته أو حماية جيرانه من خطر الحاكم في العراق، وقد تم تدمير قوة الشعب العراقي ماديا ونفسيا منذ حرب الخليج عام 1991، وتم هذا التدمير تحت اسم تحرير الكويت، في حين أنه لم يكن هدفه سوى اغتصاب البترول، واحتلال بلاد الخليج عسكريا واقتصاديا.

هل يتغير الاستعمار الجديد (الاستخراب الجديد) في القرن الواحد والعشرين عنه في القرن العشرين؟ ربما يكتسب مهارات خداعية أكبر مع التقدم المطرد في تكنولوجيا السلاح والإعلام، ربما يحتاج أكثر إلى الله والأديان والروحانيات حتى لا يدرك النساء والرجال ما يحدث لهم من كوارث اقتصادية وعسكرية.

ناپیژندل شوی مخ