163

.

ويسود الجامعات الأمريكية والأوروبية هذا التعبير الخاطئ، والذي تنقله الجامعات العربية والنخب العربية دون تحليل أو نقد.

كما أن لويس برنار يفصل بين العوامل الخارجية والعوامل الداخلية أو العوامل الدولية والمحلية، وهذا أمر «غير علمي» لأنه مستحيل، نحن نعيش في عالم واحد تحكمه حكومة دولية مركزية في واشنطن، وحكومات محلية تابعة تدور حول المركز، فكيف يمكن الفصل بين المركز والأطراف، أو بين الرأس والجسد الواحد وبين الساقين أو القدمين؟

حرب الأقوياء

وتدافع أغلب النخب العربية عن تقرير الأمم المتحدة، وعن موضوع «النيوزويك» عن هذا التقرير، ويشعرون بالسعادة لأن التقرير لا يدين الإسلام أو التراث الإسلامي العربي؛ بل يدين العرب أنفسهم (الشعوب أو الحكومات)، وغياب الديمقراطية والحريات، وانتشار الفساد وتزوير الانتخابات وعدم تقدير الكفاءات، بل الاعتماد على الواسطة والعلاقات الشخصية، وقهر النساء وعزلهن عن السياسة والحياة العامة، وهذه كلها حقائق موجودة في بلادنا العربية، ونقرأ عنها كل يوم في الصحف الحكومية قبل صحف المعارضة، إلا أنها موجودة أيضا في البلاد خارج العالم العربي، فهي ليست مشاكل خاصة بالعرب فقط لأنهم عرب أو مسلمون، إنها ليست نتاج عرق معين أو دين معين أو جنسية معينة، بل هي شائعة في العالم أجمع على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وقد عشت فيها سنين طويلة، وقمت بالتدريس في جامعاتها، وأدركت أن الرأسمالية الأمريكية سوف تسقط قريبا، أقرب ما نتصور ، ومعها الرأسمالية الإسرائيلية والأوروبية واليابانية وغيرها، وهناك بوادر هذا السقوط، وتفكك النظام الطبقي الأبوي، الذي يحكم عالمنا الإنساني من خلال الشركات عابرة القارات، التي تتهاوى الواحدة وراء الأخرى، ومنها شركة «إنرون» التي أعلنت إفلاسها في شهر ديسمبر 2001، إثر اختفاء ديون قدرها 23 مليار دولار، وشركة «وورلد-كوم» إثر اكتشاف مشروعات مزيفة قيمتها 39 مليار دولار، وشركة «تيكو» إثر اختفاء 9 مليارات دولار من أوراقها، وشركة «زيروكس» التي زورت في أوراقها لتهرب من سداد مليار ونصف المليار دولار كانت عليها للضرائب، وما يحدث في سوق المال والبورصة وحتى «وول ستريت» في نيويورك من نصب معروف في الصحف، وما يكشف عن فساد الشركات الرأسمالية في بلاد أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، ويمس الفساد أكبر رأس في العالم الرأسمالي وهو الرئيس الأمريكي جورج بوش «الابن» وعلاقته بشركة «إنرون» معروفة، ونائبه «ديك تشيني» وعلاقته بشركة «هاليبورتون» وغيرها من الفضائح المالية التي تنشر في الصحف الأمريكية والأوروبية كل يوم.

ولأن الفساد الرأسمالي الطبقي الأبوي «واحد» في العالم فإن الفساد في الولايات المتحدة الأمريكية لا يختلف كثيرا عن الفساد في بلادنا العربية، وفي مصر لا تكف صحف الحكومة والمعارضة عن الكشف عن الفساد لكبار رجال الدولة في مجلس الشعب أو في التليفزيون والبورصة، وشركات القطاع العام، ونواب القروض والذين هربوا بأموالهم.

يقوم الفساد الرأسمالي على منطق «الربح» في السوق الحرة، وفي حرية الأقوياء للبطش بالضعفاء، أو حرية السلاح النووي في اغتصاب أي أرض من أصحابها الذين يعيشون عليها، وإعلان الحرب على أي بلد لا تركع على ركبتيها أمام الإله الأمريكي وتابعه في إسرائيل وبريطانيا وغيرهما من دول العالم.

وتستخدم الرأسمالية الدولية والمحلية ورقة الأديان لتخلق «الصراع» بين الأديان أو بين الثقافات أو بين الحضارات، كنوع من التمويه وإخفاء الصراع الحقيقي حول الأموال والبترول والأرض والأنهار والأسواق التجارية، ومشاكل الخصخصة وتزايد الفقر والجوع والأمراض في جميع بلاد العالم، وليس في بلادنا العربية فقط. (6) كلمة أخيرة عن حوارات الحضارات

تتصور بعض النخب العربية أن كلمة «حوار الحضارات» أفضل من كلمة «صراع الحضارات»، في حين أنهما وجهان لعملة واحدة، عملة النظام «الطبقي الأبوي» الرأسمالي «ما بعد الحديث» الذي يشغل الناس باللغة والكلمات، سواء كانت صراعا أو حوارا، وأنا لست ضد اللغة أو الكلمات أو الندوات الثقافية والأدبية والفنية، وكم تكون الكلمة الصادقة حاسمة مثل طلقة الرصاص، إن قيلت في وقتها، ومكانها، دون خوف من النار، أو طمع في الجنة.

نحن في حاجة إلى كلمات صادقة من هذا النوع، لكن أن يرتكز المشروع النهوضي في بلادنا العربية على الحوار بين الحضارات أو الحوار بين الأديان؟ فهذه خدعة كبيرة؛ لأن الفروق الجوهرية بين الأديان طفيفة جدا أو غير موجودة، وكذلك الفروق الجوهرية بين الحضارات طفيفة جدا أو غير موجودة، لأننا نعيش حضارة واحدة في الشرق والغرب هي الحضارة الرأسمالية الطبقية الأبوية، وهي حضارة غير متحضرة؛ لأنها قائمة على القوة وليس الحق أو العدل.

ناپیژندل شوی مخ