منها إلا القليل النادر، تمهيدا للقواعد، وتأليفا للشوارد، وتعويلا على الأحكام، وغيرة على الإسلام، فلم يبق على المتأخر عنهم إلا حفظ ما أصلوه، ومطالعة ما ألفوه، والالتقام من موائدهم الهنية، والشرب من حياضهم الروية.
وكذلك وضعوا الكتب الفقهية الاستدلالية، وقرروا فيها ما ورد عمن تقدمهم من مسائل الإجماع والخلاف، وما ذكره كل فريق من أهل الاجتهاد من الاستدلال على مطلوبه، وما ورد عليه من الأسولة والاعتراضات من مخالفه، بحيث لم يبق لأحد ممن تأخر عنهم من البحث والتفتيش، غير الاطلاع على ما قد رووه، والفكرة فيما ألفوه.
ووضعوا كتب الرجال، وذكروا فيها أسماءهم، وصفاتهم من العدالة، أو المدح الغير البالغ ذلك، أو التوثيق، أو الضعف، أو الجهل بحاله، حتى استغنى المطالع لما ألفوه عن المعاناة، والبحث عن أحوال تلك الرجال، لوجود جميع ما يحتاج إليه منها فيما ألفوه، فلم يبق لمن تأخر عن السلف (رضوان الله عليهم)- في التقاعد عن الوصول إلى درجتهم بعد هذا التسهيل، وتمهيد هذه الطرق- عذر إلا التكاسل عن طلب الكمال، والاتكال على الألفة، والقنوع بتقليد المتقدمين مع نهيهم عنه، ولهذا صرح الشهيد محمد بن مكي قدست نفسه في كتابه المسمى بالذكرى بذلك فقال:
«الاجتهاد في هذا الوقت أسهل منه فيما قبله من الأوقات لأن السلف قد كفونا مئونته بكدهم وكدحهم وجمعهم السنة والاخبار وجرحهم وتعديلهم وغير ذلك من الآيات». (1)
إذا عرفت ذلك: فاعلم إن بعد اطلاعك على ما ذكرناه، لم يبق في الاستدلال على المطالب الفقهية مما يستصعب على طالبه الا شيء واحد لا بد
(1) لم أعثر على هذه العبارة بعد التتبع.
مخ ۱۳۷