وفي ذلك النطاق دار الحديث، ولم يفسد الصفو في تلك الفترة إلا هبة عارضة من حلمي حمادة كادت تقوض أركان حبه الراسخ؛ فقد توهم أن قرنفلة تعامله بعطف لا يليق بكرامته، فرفض ذلك بإباء، وقرر هجر المقهى لولا أن أمسك به أصحابه، وذهلت المرأة وراحت تعتذر إليه وهي لا تدري بالدقة ما ذنبها. وراح يقول بعصبية: إنه لمقرف أن يضطر الإنسان إلى سماع نغمة واحدة.
واستطرد بحدة: وأنا أكره الأصوات الباكية.
وبحدة أعنف: ثم إنني ضقت بكل شيء.
واعتبرنا المسألة عرضا للحال العامة ، وتجنبنا إحداث أي مضاعفات حتى تمر بسلام، ولم يغن فرح زين العابدين الخفي عنه شيئا؛ فإن حلمي حمادة لم يتماد في غضبه، ولعله ندم على ما فرط منه، ونال التأثر من قرنفلة غايته، ولكنها لم تنبس بكلمة واحدة، وقد همست لي: آخر ما كنت أتوقع.
فسألتها بقلق: أتراه فطن إلى حديثك معي عنه؟
فنفت ذلك بهزة من رأسها. - أله سابقة في ذلك؟ - هي الأولى، والأخيرة كما أرجو. - يحسن بك أن تقلي من الشكوى والرثاء.
فتنهدت قائلة: إنك لا تدري كم أنه تعيس! •••
وفي أواسط ربيع العام وقع الاختفاء الثالث!
لم يثر تلك المرة أي تساؤلات ولا عنفا في ردود الأفعال، تبادلنا النظرات، هززنا رءوسنا، نطقنا بكلمات لا معنى لها: كالعادة. - نفس النتائج. - لا جدوى من التفكير.
أما قرنفلة فقد صمتت طويلا فوق كرسي الإدارة، ثم استرسلت في الضحك طويلا حتى دمعت عيناها، وجعلنا ننظر إليها من مجلسنا صامتين. - اضحكوا ... اضحكوا.
ناپیژندل شوی مخ