161

کراهت او دوستي، یرغل او مینه، او واده

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

ژانرونه

أرادت ميريل أن يمضي المشهد على نحو مختلف. رأت أن آنا لن يكون رد فعلها بتلك الطريقة.

قالت: «إنه الكاتب ، لا أشعر بهذا عادة عند قراءة تورجنيف، ولكن في هذا الموضع أشعر بأن تورجنيف قد تدخل فحسب وشد أحدهما بعيدا عن الآخر في عنف، وهو لا يفعل ذلك إلا لغرض في نفسه.»

ابتسم بيير ابتسامة واهنة. أضحت كل تعبيرات وجهه غائمة وهزيلة. «أتظنين أنها كانت ستذعن له؟» «لا، ليس الإذعان. أنا فقط لا أصدقها، أعتقد أنها منساقة إليه بنفس قدره تماما. كانا سيفعلانها.» «تلك رومانسية منك. إنك تحرفين الأمور لتحصلي على نهاية سعيدة.» «لم أقل أي شيء عن النهاية.» «اسمعي!» هكذا قال بيير في نفاد صبر. كان هذا النوع من الحديث يطيب له، غير أنه كان شاقا عليه، فاضطر لأن يأخذ وقفات صغيرة للراحة حتى يستجمع قوته قائلا: «لو أن آنا استسلمت، لكان ذلك بدافع من حبها له. وحين ينتهي الأمر سيكون حبها له قد ازداد أكثر. أليس هذا هو حال النساء؟ أعني إذا وقعن في الحب؟ وماذا سيفعل هو، كان سيرحل في الصباح التالي مباشرة، ربما دون أن يتحدث إليها حتى. تلك طبيعته، إنه يكره محبته لها. كيف يمكن لذلك إذن أن يكون أفضل بأي قدر؟» «كان سيجمعهما شيء ما. تجربتهما معا.» «كان سينسى التجربة تماما، أما هي فسيقتلها الخزي وهجره لها. إنها صاحبة ذكاء، وهي تعرف ذلك.»

قالت ميريل: «حسنا.» وتوقفت قليلا وقد شعرت بأنها حوصرت. «حسنا، ولكن تورجنيف لا يقول ذلك. يقول إنها فوجئت وذهلت تماما. يقول إنها باردة.» «يجعلها ذكاؤها باردة. الذكاء يعني البرود، بالنسبة إلى النساء.» «كلا.» «أقصد في القرن التاسع عشر. كان هذا ما يعنيه في القرن التاسع عشر.» •••

في تلك الليلة على متن العبارة، خلال الوقت الذي ظنت فيه ميريل أنها سترتب كل شيء لتضعه جانبا، لم تفعل شيئا قريبا من هذا. كان ما وجدت نفسها تخوض غماره ليس إلا موجة بعد موجة من التذكر المكثف الواضح، وكان هذا ما سوف تواصل خوضه على مدى السنوات التالية، في نوبات تطول بالتدريج. ستواصل انتقاء بعض الأشياء التي فاتتها، وتلك الأشياء التي ما زالت تهزها هزا. سوف تسمع أو ترى شيئا ما من جديد؛ صوتا صدر عنهما معا، نظرة من نوع ما مرت بينهما، نظرة تقدير وتشجيع. نظرة كانت باردة تماما بطريقتها الخاصة، ومع ذلك فهي مفعمة بالاحترام العميق وأكثر حميمية من أي نظرة قد يتبادلها الزوجان فيما بينهما، أو أي شخصين يدين كل منهما لصاحبه بأي شيء.

تذكرت عينيه بلونهما ما بين الرمادي والعسلي الفاتح، تذكرت رؤيتها المقربة للغاية لبشرته الخشنة، ودائرة كأنها ندبة قديمة بجوار أنفه، والاتساع الأملس لصدره إذ يرفع جسمه منفصلا عنها. لكنها لم تستطع التوصل إلى وصف مفيد للمظهر الذي بدا عليه. اعتقدت أنها شعرت بحضوره بقوة غالبة، من البداية تماما. كان حضوره غالبا إلى حد صارت فيه الملاحظة العادية له غير ممكنة. ما زال بوسع التذكر المباغت للحظاتهما المبكرة معا، تلك اللحظات المترددة والأولية، أن يجعلها تضم أطرافها إليها، كما لو أنها تحمي جسدها من المفاجأة الفجة، من ضجيج الرغبة. «حبيبي حبيبي»، هكذا كانت تغمغم الكلمات بطريقة حادة وآلية، مثل ضمادة سرية. •••

حين رأت صورته في الصحيفة، لم تصعقها آلام فورية. كانت والدة جوناس هي من أرسلت إليهما قصاصة الصحيفة، وقد ظلت طوال عمرها حريصة على التواصل معهما، وعلى تذكيرهما بجوناس، كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا. كانت قد كتبت فوق العنوان الصغير للخبر: «هل تذكران الطبيب الذي حضر جنازة جوناس؟» «طبيب غابات يلقى مصرعه في حادث تحطم طائرة.» كانت صورته قديمة العهد، بكل تأكيد، مشوشة وغائمة بعد أن أعادت الصحيفة طبعها. وجه ممتلئ قليلا، يبتسم، وهو ما لم تتوقع منه قط أن يفعله أمام عدسة الكاميرا. لم يمت وهو على متن طائرته الخاصة، بل تحطمت به إحدى المروحيات في رحلة لحالة طارئة. عرضت قصاصة الصحيفة على بيير. قالت: «هل ظهر لك أي سبب وراء حرصه على حضور الجنازة؟» «لعلهما كان صديقين بدرجة ما. كل تلك الأرواح الضائعة هناك في الشمال.» «عن أي شيء تحدثت معه؟» «أخبرني عن رحلة اصطحب فيها جوناس وحلق به لكي يعلمه الطيران. قال إنها لم تتكرر.»

ثم سأل: «ألم يقلك بسيارته إلى مكان ما؟ إلى أين؟» «إلى لين فالي. لأزور الخالة موريل.» «فعن أي شيء تحدثت أنت معه؟» «لم أجد الحديث معه سهلا.»

لم يبد أن حقيقة موته كان لها أثر كبير على أحلام يقظتها، إن كان يمكن تسميتها بذلك. تلك الخيالات التي تصور لها لقاءات تجمعهما بمحض المصادفة، أو حتى أن يعاودا لم الشمل عبر ترتيبات مستميتة. تلك الخيالات لم تحط على أرض الواقع بالمرة، على كل حال، ولم يطرأ عليها أي تعديلات لأنه مات. كان على تلك الخيالات أن تنهك حتى تستنفد ذاتها تماما بطريقة لم يكن لها عليها أي سلطان، ولم تسبر غورها قط.

حين كانت في طريق عودتها للبيت في تلك الليلة بدأت السماء تمطر، دون غزارة. كانت قد بقيت بالخارج على متن العبارة. نهضت من مكانها وتمشت قليلا هنا وهناك ولم تتمكن من معاودة الجلوس على غطاء صناديق أدوات النجاة دون أن تظهر بقعة مبتلة كبيرة على ثوبها. وهكذا ظلت واقفة تتطلع إلى الزبد الذي يدور ويثور في إثر القارب، وكانت الفكرة التي خطرت ببالها عندئذ أنه في نوع محدد من القصص - نوع لم يعد أي شخص يكتبه - فإن الشيء الذي كان يتوجب عليها فعله هو أن تلقي بنفسها في المياه. على حالتها تلك تماما، تفيض بالسعادة وتشرب كأسها حتى الثمالة، تشعر بأنها قد كوفئت كما لو أنها لن تكافأ بعدها أبدا بكل تأكيد، ارتوت كل خلية في جسدها بإحساس حلو من تقدير الذات. فعل رومانسي من الممكن رؤيته - من زاوية محظورة - كشيء رشيد إلى حد السمو.

ناپیژندل شوی مخ