کراهت او دوستي، یرغل او مینه، او واده
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
ژانرونه
ثناء على الكتاب
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
الجسر العائم
قطع أثاث العائلة
راحة
نبات القراص
المقايضة
ما نتذكره
كويني
الدب صعد الجبل
ناپیژندل شوی مخ
ثناء على الكتاب
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
الجسر العائم
قطع أثاث العائلة
راحة
نبات القراص
المقايضة
ما نتذكره
كويني
الدب صعد الجبل
ناپیژندل شوی مخ
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
تأليف
أليس مونرو
ترجمة
محمد عبد النبي
مراجعة
محمد فتحي خضر
ثناء على الكتاب
بعض القصص ... يمكنها أن تغير الطريقة التي نعيش بها حياتنا معا. لأكثر من ثلاثين عاما عكفت أليس مونرو على كتابتها الحرفية والغزيرة لحكايات بهذه الجودة ... هذا كتاب حافل بالمفاجآت، وزاخر بالحكمة التي يعد الحب جزءا لا يتجزأ منها، شأنها شأن كل الأكاسير السحرية.
ناپیژندل شوی مخ
وول ستريت جورنال
رؤية ثاقبة كالأشعة السينية على طريقة كتابات تشيخوف ... لا يدرك القارئ مدى استحواذ إحدى القصص وقدرتها على التغيير إلا في نهايتها؛ إذ تصبح العودة إلى العالم الحقيقي من جديد عندئذ مثل محاولة الخروج من سيارة متحركة.
نيوزويك
غير عادية على الدوام ... حتى أقل الحكايات سوف تغويك، وتتلاعب بك، وتفاجئك وتصدمك. لك أن تتوقع أن يكون هدفها هو التركيز على الدقائق الرتيبة للحياة العادية، تركيزا على نحو ساحق وقاطع؛ بحيث إن تلك الأوقات العادية في حد ذاتها تصير حية وتكاد تكون واقعا ملموسا.
سان فرانسيسكو كورنيكل
تغوص قصصها حتى المستوى الأعمق للتجربة ... إن ذخيرة تقنياتها واسعة النطاق وتشمل مشاهد ... بلغت درجة من الوضوح والحيوية بحيث تبدو كأنها ذكرياتنا الخاصة. إن لها تلك المصداقية التي تسعها لأن تكتب عن الحياة الآخرة بضمير المتكلم ونصدقها مع ذلك ... إن مونرو، الدقيقة فيما تراه، والمتشككة فيما تتعاطف معه، تتحدى التوقعات حتى عندما تفي بها تماما. في كتابها الجديد، تؤكد أنها قد صارت تتصدر خبراء عالمنا هذا في الروح الإنسانية ... إنها تتحسن وتتحسن ...
بولي شولمان، نيوزداي
كتابة جليلة ... فنية ومع ذلك عاطفية، متحفظة ومع ذلك ملهمة ... تنقب الكاتبة بدأب في الدوافع والعواطف الإنسانية البالغة التناقض وتجذبها للخروج إلى السطح، كاشفة عنها للقارئ بطرق مفاجئة وجديدة.
مجلة إيل
تظل قصص مونرو عالقة برأسك لأيام ... إنها تتقاسم مع الكاتب هنري جيمس تلك القدرة غير الشائعة على أن تستقطر في لحظة بعينها، ومن خلال أصغر اللفتات أو النظرات، كشفا لا رجعة عنه يمكنه أن يحول وجه الحياة، وكثيرا جدا ما يبعث القشعريرة في بدن القارئ.
ناپیژندل شوی مخ
فيلادلفيا إنكوايرر
تلك القصص التسع يتسق بعضها مع بعض بقوة بالغة وسرعان ما تغويك بحيث تظن، كما هي الحال مع كل عمل فني عظيم، أنها متاحة لأن توصف أو تلخص ... بيد أنك لا تستطيع إضافة كلمة أو حذفها منها. أحيانا تكون كتاباتها واضحة وحيوية بدرجة مذهلة ... وتستطيع هذه الكاتبة أن تنومك مغناطيسيا عن طريق وصفها للون وملمس شيء عادي جدا مثل صلصة الطماطم.
آن بياتي، جلوب آند ميل
إن أليس مونرو في هذا الكتاب بلغت درجة لم تصل إليها من قبل قط من صقل الحرفة والعمق، إنها من أرفع من مارسوا كتابة القصة القصيرة - وأحد ألمع الكتاب في جميع الألوان الأدبية قاطبة - في عالمنا اليوم.
ميلوكي جورنال سينتنل
بإحكام متقن ... تملك مونرو القدرة النادرة على أن تخلق عالما كاملا من الشخصيات والتجارب في مساحة لا تزيد عن العشرين صفحة ... إن قصصها ... مقنعة، بأسلوب بسيط ظاهريا، ولكنها ذات حبكات معقدة إلى حد الإعجاز وعامرة بتحولات القدر والحظ.
منيوبوليس ستار تريبيون
حكاءة قديرة بلغت ذروة الإتقان.
شيكاجو تريبيون
لا تشوبها شائبة ولا نظير لها ... مجموعة من القصص مفعمة بالجواهر ... حين يتعلق الأمر باستحضار تغيرات الحياة وحيرات الحب والرغبة المحظورة فإن مونرو تبرز في فئة وحدها ... إن قصصها المستفيضة تذكر بالروايات القصيرة والقصص التي كتبها كل من تولتسوي وهنري جيمس. وعلى غرارهما، فإن أعمالها السردية القصيرة ذات مجال فسيح وذكية ووافرة بالأحداث والتفاصيل الخاصة بالسياق. إن حبكاتها كبيرة النطاق وتطورات الشخصية ذات الطبقات العديدة تعكس التعقيد الذي لا يمكن اختصاره للطبيعة الإنسانية.
ناپیژندل شوی مخ
هيوستن كرونيكل
مجموعة هائلة ... إنها [مونرو] أحد سادة فن تشييد القصة القصيرة ... عندما نبتعد في النهاية عن تلك القصص ، وننظر إليها وراءنا، لا تبدو أقل من الحياة ذاتها ولو بأهون درجة.
مجلة فوج
تثبت هذه المجموعة القصصية أن مونرو أفضل كاتبة قصة قصيرة ما زالت حية ترزق في عالمنا اليوم ... إنها قديرة في مزج الفن بالروح.
ذا تايمز-بيكايون
لا يمكن لأي كاتب حديث أن يدخل إلى قلب المرأة كما تستطيع مونرو، ولا أحد آخر له هذه العين الصافية الرؤية أو القدرة العاطفية في تبحرها داخل أهواء الأفئدة.
ذا أوريجونيان
مونرو هي عميدة كتاب القصة القصيرة الأمريكيين ... فهي ترسم الشخصيات بعدسة ميكروسكوب، وتفعل ذلك بأسلوب نثري ناعم وصاف ... ومن خلال الحكايات وارتجاعات الماضي المتواشجة والأنيقة، تقدم التفاصيل المميزة الكثيفة بأسلوب مباشر رهيف، وهكذا فإن القصص تبدو وكأنها تنساب في سلاسة.
إنترتينمنت ويكلي
تكتب مونرو عن تعقيدات الحب، وعشوائية المقادير، ومتطلبات الأسرة وغموض الشخصية، تكتب عن ذلك كله وكأنه يتم تناوله للمرة الأولى في السرد الأدبي.
ناپیژندل شوی مخ
ذا سياتل تايمز
«مع خالص امتناني إلى سارة سكينر.»
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
منذ سنين، قبل أن تتوقف القطارات عن المرور على كثير من الخطوط الفرعية، أتت إلى محطة السكك الحديدية امرأة ذات جبين مرتفع وعليه نمش، وشعر مجعد بني مشرب بحمرة، وسألت عن شحن الأثاث.
كثيرا ما أقدم ناظر المحطة على تحرش هين بالنساء، خصوصا غير الجميلات ممن كن يقدرن ذلك.
قال: «أثاث؟» كما لو أنها فكرة لم تخطر على بال إنسان من قبل. «حسن. عن أي نوع من الأثاث نتكلم؟»
مائدة حجرة طعام وستة مقاعد. طاقم غرفة نوم كامل، أريكة، منضدة قهوة، ومناضد جانبية مرتفعة، ومصباح طويل أرضي، وكذلك خزانة أطقم المائدة لأطقم الصيني، وبوفيه. «على رسلك. أتقصدين ملء بيت كامل؟»
قالت: «يجب عدم اعتبار هذا كثيرا إلى هذا الحد؛ فليس هناك أشياء للمطبخ وليس سوى أثاث يكفي غرفة نوم واحدة.»
كانت أسنانها محتشدة في مقدمة فمها، وبدت كما لو كانت متأهبة للجدال.
قال: «سوف تحتاجين إلى سيارة نقل.» «لا، أريد أن أرسلها بالقطار. سوف تتجه غربا، إلى ساسكاتشوان.»
ناپیژندل شوی مخ
كانت تتحدث إليه بصوت عال كما لو كان أصم أو أحمق، وكان هناك شيء غريب في طريقة نطقها للكلمات؛ لكنة ما. فكر في الهولنديين - كان الهولنديون يأتون للإقامة في هذه الأنحاء - غير أن لم يكن لها الوزن الثقيل للنسوة الهولنديات أو بشرتهن الوردية المحببة أو شعرهن الأشقر. قد تكون أقل من الأربعين، ولكن ما أهمية هذا؟ ليست ملكة جمال ... بالمرة.
حول انتباهه للعمل فقط. «أولا، سوف تحتاجين إلى سيارة نقل حتى تحضري الأثاث إلى هنا من المكان الذي تضعينه فيه. ويحسن بنا أن نتأكد إن كان ذلك المكان في ساسكاتشوان يمر به القطار، وإلا فسيكون عليك ترتيب أمر تسلم أغراضك في محطة ريجينا مثلا.»
قالت: «في جدينيا، القطار يمر بها.»
تناول دليلا مغطى بالزيت كان معلقا بمسمار وسألها كيف تتهجين تلك الكلمة. تناولت قلم رصاص كان معلقا بخيط أيضا، وكتبت على قطعة من ورق من محفظتها: «ج د ي ن ي ا». «أي جنسية تتبعها تلك المنطقة؟»
قالت إنها لا تدري.
أخذ منها قلم الرصاص ليتتبع المسار من خط قطار إلى آخر.
قال: «هنالك أماكن كثيرة تمتلئ بالتشيكيين أو المجريين أو الأوكرانيين.» خطر له حين قال هذا أنها قد تكون من هؤلاء. لكن ماذا في ذلك، فقد كان يقر أمرا واقعا وحسب. «ها هي، حسن، إنها على الخط.»
قالت: «نعم، أريد أن أشحنه يوم الجمعة؛ هل يمكنك فعل ذلك؟»
قال: «يمكننا شحنه، ولكنني لا أستطيع أن أحدد اليوم الذي سوف يصل فيه إلى هناك، المسألة كلها تعتمد على الأولويات. هل سينتظر شخص ما وصول الأثاث هناك؟» «نعم.» «قطار يوم الجمعة مختلط، ركاب وبضائع، يقوم في الساعة الثانية وثماني عشرة دقيقة مساء. لا بد أن تنقل السيارة الأثاث يوم الجمعة صباحا. هل تقيمين هنا في البلدة؟»
أومأت برأسها، ثم كتبت العنوان: 106 طريق المعرض.
ناپیژندل شوی مخ
لم تكن منازل البلدة قد رقمت إلا مؤخرا، ولم يتمكن من تحديد المكان بدقة، على الرغم من أنه كان يعرف أين يقع طريق المعرض. لعلها لو كانت ذكرت له اسم ماكولي في ذلك الحين لربما أبدى مزيدا من الاهتمام، ولربما انتهت الأمور إلى غير ما انتهت إليه. كانت هناك منازل جديدة في تلك المنطقة، أنشئت منذ الحرب، كانت تسمى «منازل أيام الحرب» افترض أن ذلك المنزل واحد منها.
قال لها: «تدفعين عند الشحن.» «وأريد أيضا تذكرة سفر لي على نفس القطار، عصر يوم الجمعة.» «مسافرة إلى المكان نفسه؟» «نعم.» «يمكنك أن تسافري على نفس القطار إلى تورونتو، وهناك سيكون عليك أن تنتظري القطار العابر للقارات، يقوم في العاشرة والنصف مساء. أتريدين عربة نوم أم عربة عادية؟ في الأولى يكون لك مقصورة خاصة بسرير، وفي العادية تجلسين في عربة النهار.»
قالت إنها ستجلس. «انتظري قطار مونتريال في سادبيري، لكنك لن تنزلي عن القطار هناك، فسوف يعملون تحويلة للقطار وحسب، وسيربطونه بعربات مونتريال. ومن هناك إلى بورت آرثر ومنها إلى كينورا. لا تنزلي عنه حتى تصلي إلى ريجينا، وهناك لا بد أن تنزلي لتلحقي بقطار الخط الفرعي.»
أخذت تومئ برأسها كما لو كان ينبغي عليه أن يسرع ويعطيها التذكرة.
قال، مبطئا من إيقاعه: «ولكني لا أتعهد لك بأن أثاثك سوف يصل عند وصولك أنت، لا أظن أنه سوف يصل إلا بعد ذلك بيوم أو يومين. إنها مسألة أولويات. هل سيأتي شخص ما للقائك؟» «نعم.» «جيد؛ لأنها ليست محطة بالمعنى المعروف. البلدات هناك لا تشبه كثيرا بلداتنا هنا. أغلب الأمور هناك بدائية تماما.»
دفعت ثمن تذكرة السفر، من لفة أوراق نقدية في كيس قماشي كان بحافظتها، مثل سيدة عجوز. أحصت الفكة المتبقية أيضا، ولكن ليس كما قد تحصيها سيدة عجوز؛ إذ أمسكت بها في كفها ومرت بنظرها عليها سريعا، ومع هذا فقد بدا مؤكدا أنها لم تغفل عن بنس واحد منها. عندئذ استدارت مبتعدة على نحو فظ، دون تحية.
صاح مخاطبا إياها: «أراك يوم الجمعة!»
في هذا اليوم الدافئ من أيام سبتمبر كانت ترتدي معطفا طويلا بهت لونه الزيتوني، وحذاء برباط يصدر أصوات قعقعة، وجورب قصير يصل إلى الكاحل.
كان يصب قهوة من الإبريق الحافظ للحرارة حين عادت وطرقت على الكوة.
قالت: «الأثاث الذي سوف أرسله كله أثاث جيد، مثل الجديد تقريبا. لا أريده أن يخدش أو يتكسر أو يتلف على أي نحو. ولا أريده أن يفوح برائحة المواشي أيضا.»
ناپیژندل شوی مخ
قال: «أوه، حسنا، السكك الحديدية تعرف كيف تشحن الأشياء. وهم لا يستخدمون لشحن الأثاث العربات نفسها التي تشحن الخنازير.» «أنا حريصة جدا أن يصل الأثاث إلى هناك في نفس الحالة الجيدة التي يذهب بها من هنا.» «حسنا، تعرفين شيئا، عندما اشتريت أثاثك ذلك، كان في المتجر، صحيح؟ ولكن هل سبق لك أن فكرت كيف وصل إلى هناك؟ فهو لم يتم تصنيعه في المتجر، صحيح؟ كلا، لقد صنع في مصنع ما في مكان ما، ثم شحنوه إلى المتجر، ومن المحتمل جدا أن يكونوا شحنوه بالقطار أيضا. إذا كانت هذه هي الحال، أفلا يعتبر هذا دليلا منطقيا على أنهم في السكك الحديدية على دراية بهذا الأمر؟»
ظلت ترنو إليه دون ابتسامة أو أي إقرار بحماقتها الأنثوية.
قالت: «أتمنى هذا، أتمنى أن يكونوا كذلك!» •••
كان بوسع ناظر المحطة أن يقول، دون تفكير في الأمر، إنه يعرف كل سكان البلدة؛ مما كان يعني أنه يعرف بالفعل نصفهم تقريبا. وأغلب من كان يعرفهم هم نواة البلدة وأساسها؛ أي إنهم «سكان» البلدة حقا، بمعنى أنهم لم يصلوا إليها أمس وليس لديهم أي خطط للانتقال إلى مكان آخر. لم يكن يعرف المرأة المسافرة إلى ساسكاتشوان لأنها لم تكن تصلي في الكنيسة نفسها التي يصلي فيها، أو تعلم أطفاله في المدرسة، أو تعمل في أي من المتاجر والمطاعم والمكاتب التي كان يتردد عليها. كما أنها لم تكن زوجة لأي رجل ممن عرفهم في إلكس أو أودفيلوز أو نادي الليونز أو الليجيون. وبنظرة منه إلى يدها اليسرى حين كانت تستخرج نقودها علم - ولم يندهش بما علم - أنها غير متزوجة من أي شخص. ومن حذائها ذلك، وجوربها القصير بدلا من الجوارب الحريمية الطويلة، وخروجها في ساعة الأصيل بلا قبعة أو قفازين، علم أنها قد تكون إحدى المزارعات. غير أنها لم تبد ذلك التردد الذي يميزهن عموما، وذلك الحرج. لم تكن لها أخلاق القرية، في الحقيقة، لم تكن لها أخلاق بالمرة؛ إذ تعاملت معه كما لو كان ماكينة معلومات. علاوة على أنها كتبت عنوانها في البلدة - طريق المعارض. لم تذكره حقا إلا براهبة في ثياب عادية غير رسمية كان قد رآها على شاشة التليفزيون وهي تتحدث عما أدته من عمل تبشيري في مكان ما بالأدغال، أغلب الظن أنهن خلعن ثياب الرهبانية هنالك لأن من شأن هذا أن يسهل عليهن السعي والتسلق هنا وهناك. •••
كان هناك أمر آخر انتوت جوهانا القيام به لكنها طالما أرجأته؛ إذ كان عليها أن تقصد متجر ثياب يدعى متجر ملادي وأن تشتري لنفسها ثوبا. لم يسبق لها بالمرة أن دخلت ذلك المتجر؛ فكلما اضطرت إلى شراء أي شيء - جورب قصير مثلا - كانت تذهب إلى متجر كالاجان لملابس الرجال والنساء والأطفال. كانت قد ورثت الكثير من الثياب عن السيدة ويليتس، أشياء مثل هذا المعطف الذي لن يبلى نسيجه أبدا. أما عن سابيتا - الفتاة التي تقوم برعايتها في منزل السيد ماكولي - فإن بنات عمها كن يمطرنها بأشيائهن الغالية الفائضة عن الحاجة.
في واجهة متجر ملادي تقف اثنتان من تماثيل المانيكان ترتدي كل واحدة طقم تايير بتنورة قصيرة وسترة مربعة قصيرة. أحد الطقمين كان لونه بنيا مذهبا قليلا والآخر كان لونه أخضر ناعما وعميقا. كانت أوراق شجر القيقب كبيرة ومبهرجة ومصنوعة من الورق، موزعة بين أقدام التمثالين وملصقة على الواجهة الزجاجية هنا وهناك. في هذا الوقت من العام، حين كان أغلب الناس منشغلين بكنس وجرف أوراق الشجر المتساقطة وحرقها، كانت تلك الأوراق ذاتها موضع احتفاء هنا. وعلقت على الزجاج لافتة أفقية مكتوبة بخط أسود مائل الحروف تقول: أناقة بسيطة، موضة الخريف.
فتحت الباب ودخلت المتجر.
أمامها مباشرة مرآة بطول القامة أظهرتها في معطف السيدة ويليتس، المعطف الممتاز من حيث الجودة لكنه طويل ومهلهل، يكشف عن بضع بوصات من ساقيها المنتفختين العاريتين فوق الجورب القصير.
لقد فعلوا ذلك عن عمد بكل تأكيد. وضعوا المرآة هناك بحيث يمكنك تكوين فكرة تامة عن عيوبك فورا؛ ومن ثم - كما يأملون - تقفزين إلى نتيجة مفادها أن عليك شراء شيء ما ليغير من هذه الصورة. حيلة مكشوفة تماما كانت من الممكن أن تدفعها لمغادرة المتجر، لولا أنها دخلت بنية سابقة، وهي تعرف ماذا يجب أن تشتري.
على طول أحد الجدران كان هناك حامل معلقة عليه فساتين السهرة، كلها ملائمة لحسناوات ذاهبات إلى حفلات راقصة، بأقمشة الشيفون والتافتاه، والألوان الرقيقة كالأحلام. ومن ورائها، وفي صوان زجاجي بحيث لا يمكن أن تصل إليها أي أصابع قد تدنسها، نصف دستة من أثواب العرس، من دانتيل هائش وناصع البياض أو من ساتان بلون الفانيليا أو شبيك مزخرف بلون العاج السمني، وكلها مطرزة بخرز فضي أو لآلئ صغيرة. الأجزاء المحيطة بأعلى الجسم دقيقة الحجم، وفتحات الصدر واسعة كالمراوح، وتنانير باذخة وواسعة. حتى حين كانت أصغر سنا ما كان بوسعها بالمرة أن تفكر في مثل ذلك الإسراف، ليست فقط مسألة نقود بل مسألة تطلعات، الأمل المستحيل في أن تتغير، وأن تهنأ بالسعادة.
ناپیژندل شوی مخ
مرت دقيقتان أو ثلاث دون أن يظهر أي شخص. ربما يكون لديهم عين سحرية يختلسون منها النظر إليها، اعتقادا منهم أنها لم تكن من نوعية زبوناتهم المعتادة، ويأملون أن تنصرف.
لن تنصرف. تحركت بعيدا عن انعكاس المرآة - وخطت فوق مشمع الأرضية القريب من الباب إلى سجادة كثيفة الوبر - وأخيرا فتحت الستارة الموجودة في مؤخرة المتجر وخرجت من ورائها السيدة ملادي بنفسها، مرتدية تاييرا أسود بأزرار لامعة. كانت تخطو على حذاء عالي الكعب، بكاحليها النحيفين يحيط بهما بإحكام جورب من النايلون كأنه قشرة فاكهة، وشعرها الذهبي ملموم إلى الخلف بعيدا عن وجهها المزين بالمساحيق. «فكرت أني قد أجرب التايير المعروض في الفاترينة!» هكذا قالت جوهانا بصوت سبق أن تدربت عليه، وأضافت: «الأخضر اللون!»
قالت المرأة: «آه، إنه تايير بديع، المعروض في الفاترينة مقاس عشرة. أما أنت فيبدو أن مقاسك ... ربما أربعة عشر؟»
تحركت بخطوات مزعجة إلى ما وراء جوهانا، نحو جانب من المتجر حيث علقت الثياب العادية، الأطقم وفساتين النهار. «أنت محظوظة. مقاس أربعة عشر موجود.»
كان أول ما فعلته جوهانا هو النظر إلى بطاقة السعر. أغلى بمرتين مما توقعته، ولم تكن تنوي التظاهر بعكس ذلك. «إنه غالي الثمن.»
قالت المرأة: «إنه من أفخر أنواع الصوف.» ثم راحت تنبش هنا وهناك حتى عثرت على بطاقة الصنف، ثم قرأت وصفا للخامة لم تعره جوهانا أذنا مصغية لأنها كانت مدت يديها إلى الحاشية لتفحص الصنعة. «ملمسه كالحرير، لكنه يتحمل كالحديد. يمكنك أن تري أنه مبطن جيدا في كل موضع، بطانة بديعة من حرير طبيعي وحرير صناعي رقيق. لن تجديه يتجعد ويتكسر في المقعد ولن يترهل كما يحدث للأطقم الرخيصة. انظري إلى مخمل طيات الأكمام والياقة والأزرار المخملية الصغيرة على الكم.» «أراها.» «هذه هي التفاصيل الصغيرة التي تدفعين مقابلها، لا يمكن الحصول عليها بطريقة أخرى. كم أحب لمسة المخمل! إنها موجودة فقط على الطقم الأخضر، تعرفين، الطقم المشمشي لا يتحلى بها، على الرغم من أنهما بنفس السعر تماما.»
في عيني جوهانا، كانت حلية المخمل في الكمين والياقة في الحقيقة هي ما أعطت الطقم لمسة الترف اللطيفة التي جعلتها ترغب في شرائه. لكنها لن تقول هذا. «ربما من الأفضل أن أجربه!»
هذا ما كانت قد جاءت وهي مستعدة للقيام به على كل حال. ثياب داخلية نظيفة وبودرة تلك طازجة تحت إبطيها.
كانت المرأة من الكياسة بما يكفي لأن تتركها وحدها في المقصورة الساطعة الضوء. تجنبت جوهانا النظر إلى المرآة كأنها السم إلى أن بسطت التنورة وزررت السترة.
في البداية اكتفت بالنظر إلى التايير. كان على ما يرام. كان المقاس ملائما، التنورة أقصر مما اعتادت عليه ولكن ما اعتادت عليه لم يكن على الموضة. لم يكن هناك مشكلة في الطقم ذاته، المشكلة كانت فيما ينتأ خارجا منه؛ رقبتها ووجهها وشعرها ويديها الكبيرتين وساقيها الغليظتين. «كيف الحال معك؟ أيمكنني إلقاء نظرة؟»
ناپیژندل شوی مخ
فكرت جوهانا قائلة: يمكنك إلقاء ما تشائين من نظرات ، فنحن أمام حالة نموذجية للفسيخ وكيف قد يصنع منه شراب حلو، كما سوف تكتشفين بنفسك في الحال.
جربت المرأة النظر من جانب واحد، ثم من الجانب الآخر. «طبعا سوف تحتاجين معه جوربا من النايلون وحذاء عالي الكعب. كيف تجدينه عليك؟ مرتاحة؟»
قالت جوهانا: «الطقم يبدو رائعا، المشكلة ليست في الطقم نفسه.»
تمعر وجه المرأة في المرآة، وتوقفت عن الابتسام. بدت خائبة الأمل ومرهقة، ولكن أكثر طيبة ولطفا. «أحيانا هذا ما يحدث تماما. لن تعرفي حقا بالمرة إلا بعد أن تجربي الشيء عليك. الأمر هو ...» ثم أضافت بنبرة جديدة تغشى صوتها، نبرة اقتناع معتدل: «الأمر هو أن تكوين جسمك جميل، ولكنه تكوين قوي. إنك تتمتعين بعظام كبيرة، وما المشكلة في هذا؟ لكن الأزرار الصغيرة المغطاة بالمخمل ليست هي الأنسب لك. لا تهتمي به أكثر من ذلك. اخلعيه وحسب.»
حين بلغت جوهانا ثيابها الداخلية من جديد كانت هناك طرقة خفيضة ويد من خلال الستارة. «ارتدي هذا، على سبيل التجربة لا أكثر.»
فستان صوفي بني اللون، مبطن، بتنورة كالمروحة محتشدة الطيات في أناقة، وبثلاثة أرباع كم وفتحة صدر دائرية بسيطة. الثوب كله من أبسط ما يكون، باستثناء حزام ذهبي رفيع للغاية. لم يكن غالي الثمن كالطقم الآخر، ومع ذلك ظل السعر يبدو لها مرتفعا، مع اعتبار ما بذل فيه.
على الأقل كان طول التنورة أكثر حشمة والقماش يدور في دوامة راقية حول ساقيها. تشجعت ونظرت إلى المرآة.
هذه المرة لم تكن تبدو كما لو كانت محشورة في الثوب على سبيل الدعابة.
أتت المرأة ووقفت إلى جانبها، وضحكت، ولكن في ارتياح. «إن للثوب نفس لون عينيك. أنت بغير حاجة إلى ارتداء المخمل، فإن لك عينين مخمليتين.»
كانت هذه المداهنة لإتمام البيعة من النوع الذي تتهكم منه جوهانا عادة، غير أن المداهنة بدت في هذه اللحظة وكأنها مجاملة صادقة.
ناپیژندل شوی مخ
لم تكن عيناها كبيرتين، ولو طلب منها أن تصف لونهما لقالت: «أظنه درجة من البني.» ولكن الآن، بدت عيناها وكأن لهما لونا بنيا عميقا حقا، ناعما ولامعا.
ليس الأمر أنها بدأت تعتقد فجأة أنها جميلة أو أي شيء كهذا، كل ما هنالك أن لعينيها لونا لطيفا، كما لو أنهما كانتا قطعة من قماش.
قالت المرأة: «والآن، أراهن أنك لا ترتدين أحذية رسمية كثيرا، ولكن يمكنك ارتداء الجوارب النايلون والاكتفاء بأبسط صندل حريمي، وأراهن أنك لا تضعين حليا، ومعك الحق تماما، فأنت لا تحتاجين إليها مع ذلك الحزام.»
لكي تقطع جوهانا وصلة المبيعات هذه قالت لها: «حسن، من الأفضل أن أخلعه كي يمكنك تغليفه.» شعرت بالأسف لأنها ستحرم من الثقل الناعم للتنورة ومن الشريط الذهبي الوقور حول خصرها. لم يسبق لها خلال حياتها كلها أن خامرها هذا الشعور الأحمق بأن يفتنها شيء ارتدته. «أتمنى أن يكون هذا الثوب من أجل مناسبة خاصة!» هكذا قالت المرأة من بعيد، بينما تعود جوهانا على عجل إلى ثيابها العادية التي تبدت لها الآن كئيبة الصورة.
قالت جوهانا: «المرجح أنه سيكون ثوب عرسي.»
فوجئت هي نفسها بما أفلت من فمها. لم يكن خطأ فادحا؛ فالمرأة لم تكن تعرف من هي، وأغلب الظن أنها لن تتحدث مع أي شخص يعرفها بالفعل. ومع ذلك، فقد كانت تنتوي أن تطوي الأمر في صدرها تماما. لا بد أنها شعرت أنها مدينة لهذه المرأة بشيء ما، وهما اللتان خاضتا معا في غمار كارثة الطقم الأخضر ثم اكتشاف الثوب البني، كانت تلك رابطة جمعتهما. غير أن كل هذا ليس إلا هراء فارغا؛ فالمرأة كانت تعمل في بيع الأثواب، وقد نجحت للتو في مهمتها تلك.
صاحت المرأة: «أوه، ما أروع ذلك!»
حسن، ربما يكون كذلك، هكذا فكرت جوهانا، ثم استدركت من جديد: وربما لا يكون. فربما تكون موشكة على الزواج من أي شخص؛ مزارع بائس يحتاج إلى حصان شغل بجانبه، أو عجوز أنفاسه تصفر ونصف مقعد ويبحث عن ممرضة. ليس لدى هذه المرأة أي فكرة عن الرجل الذي ستقترن به، وهذا ليس من شأنها على كل حال.
قالت المرأة وكأنها قد قرأت تلك الأفكار الساخطة: «أستطيع أن أخمن أنه زواج قائم على الحب. وهذا سبب لمعان عينيك في المرآة. لقد لففته كله في ورق التغليف الشفاف، كل ما عليك هو إخراجه وتعليقه وسوف ينسدل قماشه كأجمل ما يكون. مرري المكواة عليه خفيفا إذا شئت، ولكنك على الأغلب لن تحتاجي إلى ذلك.»
بعد ذلك جاءت مهمة دفع النقود. تظاهرت كل منهما بعدم النظر، لكن كلتيهما نظرت.
ناپیژندل شوی مخ
قالت المرأة: «يستحق ثمنه؛ فالمرأة منا لا تتزوج إلا مرة واحدة في العمر. وعلى الرغم من ذلك، هذا لا يصدق على كل الحالات دائما ...»
قالت جوهانا: «يصدق على حالتي أنا.» توهج وجهها بالسخونة؛ لأن الزواج، في حقيقة الأمر، لم يذكر بعد. ولا حتى في الرسالة الأخيرة. لقد أفضت إلى هذه المرأة بما تعقد عليه أملها، ولعل في فعلها ذلك ما يجلب النحس.
قالت المرأة بنبرة التهلل الملهوف نفسها: «أين التقيت به؟ ماذا عن موعدكما الأول؟»
قالت جوهانا صادقة: «من خلال الأسرة.» لم تكن تنوي قول أي شيء أكثر من ذلك، غير أنها سمعت نفسها تواصل، قائلة: «المعرض الغربي، في لندن.»
كررت المرأة: «المعرض الغربي، في لندن.» كان يمكنها أن تقول: «حفل القلعة.»
قالت جوهانا: «كنا نستضيف ابنته وصديقتها»، وقد فكرت أنه بطريقة ما سيكون من الأدق أن تقول إنها من كانت في ضيافته هو وسابيتا وإديث، كانت هي - جوهانا - ضيفتهم. «تعرفين، يمكنني أن أقول إن يومي لم يضع سدى؛ فقد وفرت ثوبا لترتديه امرأة وتصير فيه عروسا سعيدة. في هذا الكفاية لتبرير وجودي.» عقدت المرأة شريط زينة قرنفلي اللون بإحكام حول صندوق الثوب؛ مما أسفر عن زهرة كبيرة لا ضرورة لها، ثم شذبتها بالمقص في براعة.
قالت: «أنا موجودة هنا طوال النهار، وفي بعض الأحيان أجدني أتساءل عما أقوم به. أسأل نفسي: ماذا تعتقدين أنك تفعلين هنا؟ أغير المعروض في الواجهة وأقوم بهذا الشيء أو ذلك لأغري الناس بالدخول، ولكن تمر بعض الأيام - أيام كثيرة - ولا أرى روحا واحدة تمر عبر ذلك الباب. أنا أعرف، الناس يعتقدون أن تلك الثياب أغلى ثمنا من اللازم ، ولكنها ثياب جيدة. إنها لثياب جيدة. إذا أردت شيئا ذا جودة عالية فلا بد من دفع سعره.» «لا بد أنهم يأتون حين يريدون شيئا من هذه.» هكذا ردت جوهانا وهي تنظر نحو فساتين السهرة. «وإلا فإلى أي مكان آخر قد يذهبون؟» «هذا هو الأمر. فهم لا يأتون، بل يذهبون إلى المدينة، ذلك هو المكان الآخر الذي يذهبون إليه. يقودون سياراتهم خمسين ميلا، أو مائة ميل، ناهيك عن الوقود الذي يحرقونه، ويحدثون أنفسهم قائلين إنهم بهذه الطريقة يحصلون على شيء أفضل مما لدي هنا؛ ولا يحصلون عليه؛ لا جودة أفضل، ولا ذوق أفضل، لا شيء. كل ما هنالك أنهم سيخجلون إذا قالوا إنهم اشتروا فساتين الفرح من هنا، من البلدة. أو أنهم يأتون إلي ويجربون شيئا ويقولون إن عليهم التفكير بشأنه ... سنعود، هكذا يقولون. وأنا أفكر في نفسي: آه، نعم، أعلم ما معنى ذلك؛ معناه أنهم سيحاولون أن يجدوا الشيء نفسه بسعر أرخص في لندن أو كيتشنر، وحتى لو لم يجدوه أرخص فسوف يشترونه من هناك بعد أن يكونوا قد قادوا سياراتهم كل تلك المسافة وتعبوا من البحث.»
وأضافت: «أنا لا أدري، ربما لو أنني كنت واحدة من السكان المحليين لاختلفت الحال. الناس هنا منغلقون على جماعتهم، كما أرى. أنت لست من السكان المحليين، صحيح؟»
قالت جوهانا: «نعم.» «ألا ترينهم كذلك؟ منغلقين؟»
مجموعة منغلقة على نفسها. «ما أقصده أنه من العسير على شخص غريب عنهم أن ينفذ إليهم.»
ناپیژندل شوی مخ
قالت جوهانا: «لقد اعتدت أن أكون بمفردي.» «لكنك عثرت على شخص ما؛ لن تكوني بمفردك بعد الآن، أوليس هذا جميلا؟ في بعض الأيام أفكر كم سيكون ذلك رائعا، الزواج والبقاء في البيت. بالطبع، أنا كنت متزوجة، وكنت أعمل على أي حال. آه، حسن. ربما ذات يوم سوف يأتي الرجل الذي يسكن القمر ويدخل إلى هنا ويقع في غرامي وعندئذ كل شيء سيكون على خير ما يرام!»
كان على جوهانا أن تسرع، إن حاجة تلك المرأة للحديث أخرتها. كانت تسرع عائدة إلى المنزل، فلا بد أن تخفي ما اشترته بعيدا قبل أن تعود سابيتا من المدرسة.
ثم تذكرت أن سابيتا ليست هناك، وأن بنت عم أمها - عمتها روكسان - قد أخذتها يوم العطلة الأسبوعية لتعيش في تورونتو حياة تليق بفتاة ثرية، وتذهب إلى مدرسة تليق بالفتيات الثريات. ومع ذلك واصلت جوهانا سيرها بسرعة، بسرعة شديدة حتى إن شخصا متذاكيا استظرف وتشبث بجدار إحدى الصيدليات وصاح بها: «أين الحريق؟» فأبطأت سيرها لكيلا تلفت الانتباه.
كان صندوق الثوب محرجا لها، كيف كان عساها أن تعرف أن المتجر يملك صناديقه الخاصة من الورق المقوى القرنفلية اللون، واسم متجر ملادي مكتوب عليها بخط بنفسجي؟ إشارة تفضح ما كانت تنوي كتمانه.
شعرت بحماقتها لأنها ذكرت مسألة الزفاف، في حين أنه لم يشر إليه بالمرة وكان عليها أن تتذكر ذلك. عدا ذلك أفضى كل منهما بالكثير للآخر - بالكلام أو الكتابة - وبعد أن عبرا عن كل ذلك الولع والشوق، بدا وكأنهما غفلا عن أمر الزواج نفسه. على النحو نفسه الذي قد تتحدث فيه عن استيقاظك في الصباح ولا تذكر شيئا عن تناول الإفطار، على الرغم من أنك تنوي بكل تأكيد أن تتناوله.
على الرغم من ذلك كان عليها أن تطبق فمها على سرها.
رأت السيد ماكولي يسير في الاتجاه المقابل لها على الناحية الأخرى من الشارع. لم تجد ضررا في ذلك؛ فحتى لو أنه التقى بها مباشرة ما كان ليلحظ الصندوق الذي تحمله. كان سيكتفي برفع إصبع نحو قبعته ويمر بها مر الكرام، هذا بافتراض أنه انتبه إلى أنها كانت مديرة منزله، ولكن الأرجح أنه لن يلحظ هذا. كان عقله منشغلا بأمور أخرى، وبحسب ما يعرف الجميع عنه فلعله كان يتطلع نحو بلدة أخرى غير تلك التي يرونها هم. على مدار كل يوم من أيام العمل الأسبوعية - وأحيانا في أيام الأحد والإجازات، بفعل النسيان - كان يرتدي إحدى بدلاته ذات الصديري وفوقها معطفه الخفيف أو الثقيل، وقبعته الرمادية الضيقة الحواف، وحذاءه الملمع جيدا، ثم يسير من طريق المعرض صعودا نحو مكتبه الذي ما زال يحتفط به أعلى ما كان ذات يوم متجرا لسروج الخيل والحقائب الجلدية. كان مكتبه يعتبر مكتبا لبيع بوالص التأمين، على الرغم من أن وقتا طويلا قد مر منذ أن باع فعليا بوليصة تأمين. أحيانا يصعد الناس الدرج ليروه، وربما يسألونه سؤالا ما حول بوالص تأمينهم أو الأرجح سؤالا حول حدود ملكياتهم وأراضيهم، وتاريخ أحد العقارات في البلدة أو مزرعة في الريف المتاخم لها. كان مكتبه ممتلئا بالخرائط قديمها وجديدها، ولم يكن يطيب له شيء في الدنيا أكثر من أن يفردها أمامه ويستغرق في مناقشة سرعان ما تمتد فيما وراء موضوع السؤال المطروح. لثلاث أو أربع مرات في اليوم كان يخرج فجأة ويسير في الشارع، كما هو الآن. في أثناء الحرب كان قد ركن سيارته البويك-ماكلولين في المخزن، عارضا إياها للبيع، وراح يمشي في كل مكان ليكون قدوة للآخرين. وما زال يبدو أنه يقدم قدوة للآخرين، بعد خمسة عشر عاما. كان يبدو - ويداه معقودتان وراء ظهره - مثل مالك أراض يتفقد عقاراته أو مثل واعظ كنيسة يسره أن يراقب أبناء معموديته. وبطبيعة الحال، لم يكن لدى نصف من يقابلهم من الناس أي فكرة عمن يكون هذا الشخص.
لقد تغيرت البلدة، حتى عما كانت عليه حين أتت جوهانا إلى هنا. كانت المتاجر تنتقل إلى الطريق السريع؛ حيث تم افتتاح متجر جديد بأسعار مخفضة، ومتجر كنديان تاير للبيع بالتجزئة، وأيضا فندق صغير مزود بصالون للقاءات والراحة وراقصات عاريات الصدور. حاولت بعض متاجر البلدة أن تحسن من هيئتها بطلاء قرنفلي أو بنفسجي فاتح أو زيتوني، لكن هذا الطلاء تقشر عن الآجر القديم وصارت بواطن الجدران عارية في بعض المواضع. كان من المحتم تقريبا أن يحذو متجر ملادي حذو سابقيه.
لو أن جوهانا كانت هي مالكته، ماذا كان عساها أن تصنع؟ مبدئيا، لم يسبق لها بالمرة أن اقتربت من فساتين سهرة متقنة الصنع بهذا العدد. ماذا يمكنها أن تصنع بدلا من ذلك؟ فإن هي تحولت إلى الثياب الأرخص ثمنا فستضع نفسها في منافسة متجر كالاهانز والمتجر الآخر ذي الأسعار المخفضة، والأغلب أنه لن توجد حركة بيع وشراء كافية للاستمرار. ولكن ماذا لو أنها تعاملت في ثياب الرضع الجذابة، وثياب الأطفال، لتحاول أن تجذب إليها الجدات والعمات والخالات اللاتي لديهن من المال ما ينفقنه على مثل ذلك النوع من الأشياء؟ انسي الأمهات؛ فهن يذهبن إلى كالاهانز، بما لديهن من نقود أقل وعقول أرجح.
ولكن إذا كانت هي - جوهانا - في موضع المسئولية، فما كانت لتستطيع أن تجذب إلى معروضاتها أي إنسان. إنها بارعة في أن ترى ما يجب عمله، وكيف يجب إتمامه، وكانت تعرف كيف توجه الآخرين وتشرف عليهم حتى يتم العمل، ولكن لم يكن بوسعها بالمرة أن تجذب الأنظار أو تفتن الألباب. فلن يكون شعارها إلا: ما بين البائع والشاري يفتح الله! ولا شك أن الآخرين كانوا سيقولون: يفتح الله.
ناپیژندل شوی مخ
كان من النادر أن ينجذب إليها إنسان، وقد كانت على دراية بذلك لفترة طويلة. بالتأكيد لم تذرف سابيتا الدموع عند وداعها، على الرغم من أنه يمكن القول إن جوهانا كانت لسابيتا أقرب إلى الأم، منذ أن توفيت أمها. سوف يشعر السيد ماكولي بالضيق لرحيلها لأنها كانت تقدم خدمة جيدة وسيكون من العسير أن يجد من تحل محلها، غير أن ذلك سيكون كل ما يفكر فيه. كان هو وحفيدته مدللين وأنانيين. أما عن الجيران فلا شك أنهم سوف يبتهجون لرحيلها؛ فقد اشتبكت جوهانا في مشكلات مع كلا الجانبين من العقار. على أحد الجانبين كان كلب الجيران يحفر في أرض حديقتها، ليدفن مئونته من العظام ثم يستردها، وهو الأمر الذي كان ينبغي أن يفعله في بيته. وعلى الجانب الآخر كانت شجرة الكرز الأسود، وهي ضمن ملكية آل ماكولي، تحمل أغلب ثمارها من التوت على الفروع المعلقة فوق الباحة المجاورة. في الحالتين خاضت جوهانا شجارا، وانتصرت. تم ربط الكلب جيدا وترك الجيران الآخرون ثمار الكرز في حالها. إذا تسلقت السلم المتنقل كان يمكنها بلوغ الجزء الممتد فوق باحتهم، لكنهم ما عادوا يطردون الطيور بعيدا عن الفروع، وقد أثر هذا على مقدار ما تجمعه.
أما عن السيد ماكولي فقد كان يتركهم يقطفون ما شاءوا، وكان يترك الكلب يحفر. كان يترك نفسه يستغله الآخرون. جانب من الأمر أن هؤلاء كانوا أناسا جددا في منازل جديدة لذا فضل ألا يوليهم أي اهتمام. في وقت ما لم يكن هناك إلا ثلاثة أو أربعة منازل كبرى في طريق المعرض. وفي الجهة المقابلة لتلك المنازل كانت الأرض المخصصة للمعارض، حيث يقام معرض الخريف (المسمى رسميا بالمعرض الزراعي، ومن هنا جاء الاسم)، وما بين ذلك كانت أشجار الفاكهة، ومروج صغيرة. قبل اثني عشر عاما أو نحو ذلك بيعت تلك الأرض بمساحات منتظمة ثم بنيت المنازل؛ منازل صغيرة بطرز غير منسجمة؛ فهذا طراز بطوابق عليا وذلك من دونها، بعضها بدا باليا للغاية الآن.
لم يعد هناك إلا منزلان يعرف السيد ماكولي القاطنين فيهما ويحتفظ بمودتهم؛ الآنسة هود معلمة المدرسة وأمها، وكذلك منزل عائلة السيد شولتز، الذي كان يدير متجر إصلاح الأحذية. كانت ابنة عائلة شولتز، إديث، أقرب صديقات سابيتا، أو كانت كذلك بالأحرى. كان الأمر طبيعيا بسبب وجودهما معا في نفس الصف الدراسي بالمدرسة - على الأقل حتى العام الماضي، حين تراجعت سابيتا عاما دراسيا - والعيش إحداهما بالقرب من الأخرى. لم يمانع السيد ماكولي ذلك، وربما كان يعلم أن سابيتا سوف يتم إبعادها قبل مرور وقت طويل لكي تعيش حياة من نوع مختلف في تورونتو. لو خيروا جوهانا لما اختارت إديث صديقة لسابيتا، على الرغم من أن الفتاة ما كانت فظة قط، وما كانت مزعجة حين كانت تأتي للمنزل. أيضا لم تكن غبية. لعل تلك كانت المشكلة؛ فقد كانت ذكية وسابيتا لم تكن بالغة الذكاء. وقد جعلت من سابيتا شخصا ماكرا.
انتهى ذلك كله الآن. الآن ظهرت تلك العمة روكسان - أو السيدة هوبير - ولم تصبح ابنة شولتز سوى جزء من ماضي سابيتا وطفولتها.
سوف أرتب أمر إرسال أثاثك كله إليك على متن القطار بأسرع ما يمكنهم أخذه وسوف أدفع لهم مقدما بمجرد إبلاغي كم سيتكلف نقله. كنت أفكر أنك سوف تحتاج إليه الآن. أظن أنه ليس من المفاجئ لك أنني فكرت في أنك لن تمانع إذا سافرت أنا أيضا لأكون عونا بجانبك كما أتمنى أن أكون.
كانت هذه هي الرسالة التي أخذتها إلى مكتب البريد، قبل أن تذهب لتتم الإجراءات في محطة القطار. كانت الرسالة الأولى التي ترسلها إليه مباشرة، أما الرسائل الأخرى فكانت تنسل داخل الرسائل التي كانت تجعل سابيتا تكتبها. رسائله أيضا كانت تصل إليها بالطريقة ذاتها، مطوية بعناية وباسمها، جوهانا، مكتوبا بالآلة الكاتبة على ظهر الصفحة بحيث لا يقع أي خطأ. أبعد ذلك من يعملون في مكتب البريد من اكتشاف أمرهما، ولا ضرر أبدا من توفير طابع بريد. بالطبع كان يمكن لسابيتا أن تبلغ جدها، أو حتى أن تقرأ ما كان مكتوبا من أجل جوهانا، غير أن سابيتا كانت قد فقدت الاهتمام بالتواصل مع الرجل العجوز، فضلا عن فقدانها الاهتمام بالرسائل، سواء كتابتها أو تلقيها.
كان الأثاث مخزنا بالخلف في الحظيرة، التي كانت حظيرة خالية، وليست حظيرة حقيقية بحيواناتها وصومعتها لتخزين الغلال. حين ألقت جوهانا نظرة عليه قبل عام أو نحو عام وجدته مغطى بطبقة من الغبار وملوثا ببراز اليمام، وقد كومت قطع الأثاث بعضها فوق بعض دون تغطيتها بأي شيء. قامت بسحب ما استطاعت أن تحمله إلى خارج الحظيرة؛ مما أتاح لها مساحة في الحظيرة للوصول إلى القطع الكبيرة التي لم تتمكن من حملها؛ الأريكة والبوفيه وخزانة أطقم الطعام الصينية ومائدة الطعام. أما الهيكل الخشبي للسرير فقد استطاعت تفكيكه إلى أجزاء. مسحت على الأخشاب بقطع قماش ناعمة لإزالة الغبار، ثم بزيت الليمون، وحين أتمت المهمة كان الأثاث يبرق مثل قطع الحلوى، حلوى بلون العسل فيها تموجات الأخشاب. بدت في عينيها فاتنة، وكأنها ألحفة من الساتان وشعر أشقر. فاتنة وحديثة الطراز، وعلى العكس تماما من أثاث البيت الذي ترعى شئونه، بأخشابه الداكنة ونقوشه المزعجة. كانت تفكر فيه باعتباره أثاثه هو، وما زالت تعتقد ذلك حتى حين أرسلته في هذا الأربعاء. كانت قد فرشت ألحفة قديمة لتحمي كل قطعة مما سيوضع فوقها، وملاءات فوق ما وضع في الأعلى لحمايته من الطيور؛ ونتيجة لذلك لم يكن هناك إلا طبقة خفيفة من الغبار. نظفت كل شيء ومسحته بزيت الليمون قبل أن تعيده كما كان، محميا على النحو ذاته، في انتظار الشاحنة يوم الجمعة.
عزيزي السيد ماكولي
سوف أرحل في قطار هذا الأصيل (الجمعة). أدرك أنني أفعل هذا دون أن أعطيك إشعارا سابقا برحيلي كما يجب، لكنني سوف أتنازل عن آخر أجر لي، وهو ما سيكون قيمته ثلاثة أسابيع في يوم الإثنين المقبل. توجد طبخة خضار باللحم البقري على الموقد في قدر البخار ليست بحاجة إلا إلى تسخينها. هناك ما يكفي لثلاث وجبات أو ربما لوجبة رابعة. بمجرد أن تسخن وتأخذ منها كل ما تريد أعد الغطاء من جديد وضعها في الثلاجة. تذكر أن تضع الغطاء فوق القدر في الحال لكيلا تدع أي فرصة لأن تفسد. أطيب التمنيات لك أنت وسابيتا وسوف أتواصل معكما غالبا بمجرد أن يستقر بي المقام. جوهانا باري.
ملحوظة: لقد قمت بشحن أثاثه إلى السيد بودرو فقد يحتاج إليه. وتذكر عند إعادة تسخينك للطبيخ أن هناك ماء بما فيه الكفاية في الجزء السفلي من قدر البخار.
ناپیژندل شوی مخ
لم يجد السيد ماكولي أي مشقة في اكتشاف أن التذكرة التي اشترتها جوهانا كانت إلى جدينيا، في ساسكاتشوان. اتصل بالمحطة وسألهم. لم يستطع أن يصف لهم جوهانا - أتبدو عجوزا أم شابة، نحيفة أم بدينة إلى حد ما، ماذا كان لون معطفها؟ - غير أن ذلك كله لم يكن له ضرورة بمجرد أن ذكر أمر الأثاث.
عندما ورد هذا الاتصال كان ثمة بضعة أشخاص في المحطة ينتظرون قطار المساء. حاول ناظر المحطة أن يحتفظ بصوته خفيضا في البداية، لكنه سرعان ما أصبح منفعلا حين سمع بأمر الأثاث المسروق (كان ما قاله السيد ماكولي فعليا: «وأعتقد أنها أخذت معها بعض الأثاث.») أقسم الناظر أنه لو كان يعلم من كانت وما الذي كانت تنوي فعله لما سمح لها قط بأن تضع قدما على متن القطار. هذا القسم المؤكد تناهى إلى الأسماع وكررته الألسن وصدقه الناس، دون أن يتساءل أي شخص كيف كان عساه أن يوقف امرأة ناضجة دفعت ثمن تذكرتها، ما لم يكن لديه دليل ما في التو والحال على أنها كانت لصة. غير أن أغلب من رددوا كلماته آمنوا أنه كان بوسعه إيقافها وأنه كان يحق له ذلك؛ كانوا يؤمنون بسلطة نظار محطات السكك الحديدية وسلطة الرجال المسنين ممن يمشون منتصبي القامة مرتدين بدلات ذات ثلاث قطع أمثال السيد ماكولي.
كانت طبخة الخضار باللحم ممتازة، كما كان عهده بطبخ جوهانا على الدوام، غير أن السيد ماكولي وجد نفسه عاجزا عن ابتلاعها. تجاهل تعليماتها بخصوص الغطاء فترك القدر مكشوفا على الموقد ولم يكلف نفسه حتى مشقة أن يطفئ الموقد حتى تبدد جميع الماء الموجود في قعر قدر البخار ولم ينتبه إلا على رائحة المعدن الذي احترق حتى انبعث منه الدخان.
كانت هذه هي رائحة الغدر.
نصح نفسه بأن يشعر بالامتنان؛ فعلى الأقل هناك من يرعى سابيتا ولم يعد مضطرا لأن يقلق حيال ذلك. كانت قريبته تلك - ابنة عم زوجته في الحقيقة؛ روكسان - قد كتبت إليه لتخبره بأنها مما رأته من سابيتا خلال زيارتها الصيفية لبحيرة سيمكوي، تعلم أن الفتاة سوف تحتاج إلى معاملة خاصة. «بصراحة لا أظنك أنت وتلك المرأة التي وظفتها لديك ستكونان مستعدين لذلك عندما تبدأ قطعان الصبية في التجمع حولها.»
لم يبلغ بها الحد أن تسأله إن كان يريد أن يجد مارسيل أخرى بين يديه، بيد أن ذلك هو ما كانت تقصد قوله. قالت إنها سوف ترسل سابيتا إلى مدرسة جيدة؛ حيث يمكنها أن تتعلم آداب السلوك على الأقل.
أدار جهاز التليفزيون كوسيلة للتلهي، ولكن بلا جدوى.
كانت مسألة الأثاث هي ما أثار سخطه. كان الأثاث ملكا لكين بودرو.
والحقيقة أنه قبل ثلاثة أيام فقط - في ذلك اليوم ذاته الذي اشترت فيه جوهانا تذكرتها، كما أبلغه بذلك ناظر المحطة - تلقى السيد ماكولي رسالة من كين بودرو يطلب منه (أ ) بعض النقود على سبيل مقدم بضمان الأثاث الذي يخصه (كين بودرو) هو وزوجته الراحلة، مارسيل، والذي كان مخزنا في حظيرة السيد ماكولي، أو (ب) إن لم يجد وسيلة لفعل ذلك، أن يبيع الأثاث بأكبر سعر يمكنه التوصل إليه ثم يرسل المال بأسرع وقت ممكن إلى ساسكاتشوان. ذلك دون أن يذكر أي شيء عن القروض السابقة التي أقرضها الحمو لصهره، وكلها بضمان قيمة هذا الأثاث وتزيد قيمتها عن أفضل سعر يمكن أن يباع به. أيمكن أن يكون كين بودرو قد نسي كل ذلك؟ أم أنه ببساطة يأمل - وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا - أن يكون حموه هو الذي نسي؟
كان الآن، على ما يظهر، مالكا لفندق. لكن الخطاب كان ممتلئا بالانتقادات اللاذعة ضد المالك السابق له، الذي خدعه فيما يخص تفاصيل شتى.
ناپیژندل شوی مخ
قال: «لو استطعت فقط أن أتجاوز هذه العقبة! من بعدها أنا واثق بأنني أستطيع إنجاح المشروع.» ولكن ماذا كانت العقبة؟ حاجته العاجلة إلى المال. غير أنه لم يقل إن كان هذا المال سوف يذهب إلى المالك السابق، أم إلى البنك، أم إلى شخص استدان منه برهن العقار، أم ماذا! كانت هي القصة القديمة ذاتها؛ النبرة اليائسة والمتملقة الممتزجة بشيء من العجرفة، وإحساس بأنه يطلب حقا له، بسبب ما ابتلي به من جراح، ما عاناه من خزي من جراء مارسيل.
على الرغم من هواجسه العديدة، تذكر أن كين بودرو كان على كل حال زوج ابنته، وقد خاض الحرب وعانى في زواجه ما لا يعلمه إلا الله من كروب؛ لذلك فقد جلس السيد ماكولي وكتب رسالة يخبره فيها أنه ليس لديه أي فكرة كيف عساه أن يحصل على أفضل سعر للأثاث، وأنه سيكون من العسير للغاية عليه أن يكتشف وسيلة لذلك، وأنه يرفق بالرسالة شيكا، وهو ما سيعتبره قرضا شخصيا محضا. وتمنى لو أن زوج ابنته يعتبره كذلك أيضا، وأن يتذكر عددا من القروض الشبيهة التي أقرضها له فيما مضى، وكما يعتقد، فإن مجملها يتجاوز أي قيمة للأثاث. أدرج أيضا قائمة بالتواريخ والمبالغ المالية. ففيما عدا خمسين دولارا دفعها صهره له قبل ما يقرب من العامين (مع وعد بأن يتبعها دفعات سداد منتظمة)، لم يتلق منه شيئا. وعلى صهره هذا أن يفهم بالطبع أنه نتيجة لكل تلك القروض من دون أي فائدة التي لم ترد فإن دخل السيد ماكولي قد انخفض، بما أنه كان يمكنه استثمار هذا المال لولا ذلك.
فكر أن يضيف: «أنا لست الأحمق الذي يبدو أنك تعتبرني إياه!» غير أنه أحجم عن ذلك، بما أن ذلك سيكشف عن سخطه وربما ضعفه.
وانظر الآن ما كان منه، لقد باغت غريمه وجند جوهانا - كان دائما قادرا على التعامل مع النساء - وحصل على الأثاث علاوة على الشيك. لقد دفعت ثمن الشحن من جيبها الخاص، كما أبلغه ناظر المحطة. قطع الأثاث الحديثة اللامعة المظهر والمصنوعة من خشب القيقب قد بولغ في قيمتها في المعاملات بينهما بالفعل ولا تستحق الكثير مقابلا لها، وخصوصا إذا وضع في الاعتبار كلفة النقل بالقطار. لو كان هذان الاثنان أكثر براعة لكانا أخذا شيئا من المنزل؛ إحدى الخزائن العتيقة أو أرائك ردهة الاستقبال غير المريحة لدرجة تنفر من الجلوس عليها، التي تم صنعها وشراؤها في القرن الماضي. كان ذلك بالتأكيد سيكون سرقة صريحة. ولكن ما فعلاه لم يبتعد عن ذلك كثيرا.
توجه للنوم في فراشه وقد عقد عزمه على مقاضاتهما.
استيقظ في المنزل وحيدا، دون رائحة قهوة أو إفطار تنبعث من المطبخ، بدلا من ذلك، كانت هناك نفحة متبقية ما زالت في الهواء من أثر احتراق القدر. لسعة برودة فصل الخريف استقرت في جميع الغرف العالية السقوف، المهجورة من أهلها. كان الجو دافئا حتى المساء السابق فقط أو في المساءات السابقة عليه؛ ذلك لأن نيران الفرن لم تكن قد انطفأت بعد، وحين قام السيد ماكولي بإشعاله كان الهواء الدافئ مصحوبا بهبة من رطوبة القبو، هبة من رائحة عفن وأرض وتحلل. اغتسل وارتدى ثيابه في بطء، مع وقفات من شرود اللب، ثم فرد بعضا من زبدة الفول السوداني على قطعة من خبز ليفطر. إنه ينتمي إلى جيل يقال إن رجاله غير قادرين حتى على غلي بعض الماء، وكان هو أحد هؤلاء. نظر عبر النوافذ الأمامية فرأى الأشجار على الجانب الآخر من مضمار السباق يلفها ضباب الصباح، الذي بدا وكأنه يزيد ويتقدم، لا يتراجع كما ينبغي أن يكون في هذه الساعة، عبر المضمار ذاته. بدا وكأنه يرى في الضباب الأبنية غائمة الصورة لأراضي المعرض القديم؛ أبنية حميمة ورحبة، وكأنها حظائر ضخمة. انتصبت تلك الأبنية لسنوات وسنوات دون أن تستخدم - طوال فترة الحرب - وقد نسي ما الذي حل بها في النهاية. هل حل بها الخراب، أم سقطت متهدمة؟ إنه الآن يمقت السباقات التي كانت تقام فيها، الحشود ومكبرات الصوت وشرب المسكرات غير القانوني والضجيج الجائح لأيام الآحاد في الأصياف. عندما تذكر ذلك تذكر ابنته المسكينة مارسيل، جالسة على سلم الشرفة تصيح على زميلاتها في المدرسة الناضجات بينما هن يخرجن من السيارات المركونة ويهرعن لمشاهدة السباقات. تذكر الضجة التي كانت تثيرها، والبهجة التي كانت تعرب عنها لرجوعها إلى البلدة، تبادل الأحضان معهن وتأخيرهن والتحدث بسرعة ميل في الدقيقة، والثرثرة دون التقاط الأنفاس حول أيام الطفولة وكيف أنها افتقدت جميع الناس هنا. كانت قد قالت إن الأمر الوحيد غير المثالي بشأن حياتها كان افتقادها لزوجها، كين، الذي سافر إلى الغرب لظروف عمله.
كانت تخرج إلى الشرفة وهي مرتدية منامتها الحريرية، وبشعرها الأشقر المصبوغ غير المصفف. كانت ذراعاها وساقاها نحيلة، لكن وجهها كان منتفخا إلى حد ما، وما زعمت أنه سمرة أضفتها الشمس عليها لم يكن إلا لونا بنيا يشي بالمرض، ربما مرض الصفراء.
أما الطفلة فقد بقيت بالداخل تشاهد التيلفزيون، برامج الرسوم المتحركة ليوم الأحد التي كانت كبيرة على مشاهدتها بكل تأكيد.
لم يستطع أن يعرف ما المشكلة، أو أن يكون على ثقة من وجود أي مشكلة أساسا. سافرت مارسيل إلى لندن لمعالجة مرض من أمراض النساء هناك، وتوفيت في المستشفى. وحين اتصل تليفونيا بزوجها ليخبره، قال كين بودرو: «ما الذي تناولته؟»
لو أن أم مارسيل كانت لا تزال على قيد الحياة، هل كانت الأمور ستختلف ولو قليلا؟ الحقيقة أن أمها، حين كانت لا تزال حية، كانت لا تقل عنه هو حيرة وارتباكا. كانت تجلس في المطبخ تبكي بينما كانت ابنتهما المراهقة، والمحبوسة في غرفتها المغلقة عليها، تنزل من النافذة وتنزلق إلى سطح الشرفة الخارجية حيث ترحب بها حمولة سيارة من الشباب.
ناپیژندل شوی مخ
كان المنزل مفعما بشعور الهجران القاسي القلب، بالخداع. لا شك أنه كان هو وزوجته والدين طيبين، قادتهما مارسيل إلى قبول الأمر الواقع. وحين فرت بصحبة طيار، تمنيا لها أن تكون بخير. كانا كريمين مع الاثنين كما لو كانا يتعاملان مع زوجين شابين هما الأكثر مراعاة للأصول. لكن ذلك كله انهد وانهار. وعلى النحو ذاته كان كريما أيضا مع جوهانا باري، وانظروا كيف عاملته هي أيضا كأنه خصمها!
سار إلى وسط البلدة وتوجه إلى الفندق ليتناول إفطاره. قالت النادلة له: «لقد استيقظت باكرا نشطا هذا الصباح.»
وفيما كانت لا تزال تصب له قهوته شرع يخبرها كيف أن مدبرة منزله تركته ورحلت دون أي إنذار أو استفزاز، ولم تكتف بأن تترك وظيفتها دون إشعار سابق وحسب، بل إنها أخذت حمولة من الأثاث كانت تخص ابنته، ويفترض أنها الآن تخص زوج ابنته. ولكن هذا ليس صحيحا؛ فقد تم شراء هذا الأثاث بمال عرس ابنته. أخبرها كيف تزوجت ابنته من طيار، وسيم، كان يبدو شخصا مقبولا ولكن سرعان ما اتضح أنه ليس محلا للثقة.
قالت له النادلة: «اعذرني، لكم أود أن أثرثر قليلا، ولكن ينتظرني أناس لأقدم لهم إفطارهم. اعذرني!»
صعد الدرج إلى مكتبه، وهناك، كانت الخرائط القديمة التي كان يدرسها أمس مفرودة على مكتبه؛ إذ كان يحاول جاهدا أن يحدد بالضبط أول أرض تم استخدامها في دفن الموتى في البلدة (ثم هجرت في عام 1839 بحسب اعتقاده). أضاء النور وجلس، لكنه اكتشف أنه لا يمكنه التركيز. بعد زجر النادلة له - أو ما اعتبره هو زجرا - ما عاد بمقدوره تناول إفطاره أو الاستمتاع بقهوته. قرر أن يخرج من المكتب للتمشية حتى يهدأ.
لكنه بدلا من أن يسير على طول طريقه المعتاد، محييا الناس وهو مار يبادلهم كلمات معدودة، وجد نفسه ينطلق في خطب مطولة؛ ففي اللحظة ذاتها التي كان يسأله أي شخص عن حاله هذا الصباح يشرع هو في التحدث تلقائيا عن محنه وكروبه، بطريقة أبعد ما تكون عن شخصيته، بل حتى شائنة له، ومثل النادلة كان لدى أولئك الأشخاص شئون يعتنون بها فيومئون برءوسهم ويجرجرون أقدامهم وهم يبدون له الأعذار للإفلات منه. ولم يبد أن الصباح راح يصير أكثر دفئا على نحو ما هو معتاد في صباحات الخريف الكثيفة الضباب؛ ولم تكن سترته تدفئه بما يكفي؛ فالتمس الراحة في المتاجر.
كان أكثر الأشخاص ذهولا لسلوكه هذا هم من عرفوه لزمن أطول. لقد اتسم بالكتمان وقلة الكلام طول عمره؛ إذ كان ذلك السيد النبيل المراعي للأصول جيدا، عقله هائم في أزمنة أخرى، وكان تهذيبه اعتذارا بارعا عن تميزه (وهو ما كان مزحة من نوع ما؛ لأن التميز كان غالبا في ذكرياته وغير واضح للآخرين). لا بد أنه آخر شخص قد يجاهر بالإساءات أو يلتمس تعاطف الآخرين معه - لم يفعلها حين ماتت زوجته، أو حتى حين ماتت ابنته - ومع ذلك فها هو ذا يخرج من جيبه رسالة ما، ومتسائلا: أليس من العار على هذا الشخص أن يأخذ منه المال مرارا وتكرارا؟ وحتى الآن حين أخذته الشفقة مجددا بهذا الشخص فإنه تآمر مع مدبرة منزله لسرقة الأثاث. ظن البعض أنه كان يتحدث عن الأثاث الخاص به هو، فاعتقدوا أن العجوز قد ترك دون سرير أو مقعد في منزله، ونصحوه أن يتجه إلى الشرطة.
قال: «ذلك بلا فائدة، لا فائدة من ذلك. لن أحصل على شيء إلا بطلوع الروح.»
دخل إلى محل تصليح الأحذية وحيا هيرمان شولتز. «أتذكر ذلك الزوج من الأحذية الطويلة الرقبة الذي جددت لي نعليه، الحذاء الذي اشتريته من إنجلترا؟ جددتهما لي من أربع أو خمس سنوات!»
كان المحل أقرب إلى كهف، مزود بلمبات مؤطرة تتدلى فوق مواقع عمل متعددة. كان هواء المكان لا يطاق، غير أن تلك الروائح الرجولية كانت موضع ترحيب لدى السيد ماكولي، روائح الغراء والجلد والورنيش الملمع ونعال اللباد المقصوصة مؤخرا أو تلك القديمة البالية. هنا كان جاره هيرمان شولتز، حرفي خبير شاحب الوجه، بنظارة طبية، وكتفين محدبتين، مشغولا في جميع الفصول بدق مسامير حديدية وأخرى مدببة، وبسكين معقوفة بارعة يقطع من الجلد الأشكال المطلوبة. كان اللباد يقص بشيء يشبه منشارا دائريا منمنما. انبعث صوت حفيف من الفرش وصوت قشط خشن من عجلة السنفرة، وراح حجر التلميع على حافة الأداة يغني عاليا كأنه حشرة آلية وأخذت ماكينة الخياطة تثقب الجلد بإيقاع صناعي جاد. كل تلك الأصوات والروائح والنشاطات الدقيقة الخاصة بالمكان كانت قد صارت أليفة بالنسبة إلى السيد ماكولي على مدى سنوات، ولكنه لم يسبق له قط أن تأملها مدققا من قبل. الآن ينتصب أمامه هيرمان، في مريلة العمل الجلدية المسودة اللون، وفي إحدى يديه حذاء برقبة طويلة، ابتسم وأومأ برأسه، ورأى السيد ماكولي حياة الرجل بتمامها في هذا الكهف. تمنى لو أنه أعرب عن تعاطف أو إعجاب أو شيء أكثر من هذا لم يتمكن من فهمه.
ناپیژندل شوی مخ
قال هيرمان: «نعم أتذكر، كان حذاء لطيفا.» «بل حذاء رائع. أتعرف أنني اشتريته في أثناء رحلة زواجي؟ اشتريته من إنجلترا. لا أذكر من أين بالضبط الآن، ولكن ليس من لندن.» «أذكر أنك أخبرتني بذلك.» «لقد أتقنت العمل عليه. ما زال الحذاء في حالة جيدة. أحسنت صنعا هيرمان! أنت تحسن عملك هنا. تؤدي العمل في أمانة.» «هذا خير.» قالها هيرمان وهو يلقي نظرة سريعة على الحذاء الطويل الرقبة المرفوع على يده. عرف السيد ماكولي أن الرجل كان يريد العودة إلى عمله، ولكنه لم يكن بوسعه أن يدعه. «تلقيت للتو صدمة كاشفة.» «حقا؟»
أخرج العجوز الرسالة وبدأ يقرأ منها أجزاء بصوت عال، مع وقفات تعجب يضحك خلالها ضحكا كئيبا. «التهاب شعبي! يقول إنه مريض بالتهاب شعبي حاد. لا يعرف إلى أين يتوجه. لا أعرف إلى من أتوجه. الحقيقة أنه دائما يعرف إلى أين يتوجه. فعندما يجرب كل السبل يتوجه إلي أنا. بضع مئات فقط حتى أقف على قدمي من جديد. يتوسل ويتضرع إلي بينما يتآمر طول الوقت مع مدبرة منزلي. هل عرفت بذلك الأمر؟ لقد سرقت شحنة بحالها من الأثاث وفرت بها غربا. كانا متعاونين معا مثل يد في قفازها. هذا رجل هرعت لنجدته المرة تلو الأخرى، ولم يسدد بنسا مما عليه. لا، لا، علي أن أكون نزيها وأقول خمسين دولارا. سدد خمسين فقط من مئات ومئات الدولارات ... آلاف. تعرف أنه كان في القوات الجوية في أثناء الحرب. يتبخترون هنا وهناك معتقدين أنهم كانوا أبطال حرب! صحيح، أظن أنه لا ينبغي أن أقول ذلك، ولكني أعتقد أن الحرب قد أفسدت بعضا من أولئك، لم يعد بوسعهم التكيف مع الحياة بعدها قط. ولكن هذا ليس بالعذر الكافي لهم. صحيح؟ لا يمكنني التماس العذر له إلى الأبد بسبب الحرب.» «كلا، لا يمكنك.» «كنت أعلم أنه ليس محل ثقة من أول لقاء جمعني به. هذا هو الأمر العجيب! كنت أعلم ذلك وتركته يخدعني دونما اكتراث. ثمة أشخاص تلك طبيعتهم؛ تأخذك الشفقة بهم لمجرد كونهم لصوصا ومحتالين. لقد حصلت له على وظيفته في شركة التأمين هناك، كان لدي بعض الصلات. ثم أفسد الأمر طبعا. بيضة فاسدة! البعض تلك طبيعتهم.» «أنت محق في هذا.»
لم تكن زوجته السيدة شولتز في المحل ذلك اليوم. عادة ما تكون هي الواقفة أمام النضد، تتسلم الأحذية وتعرضها على زوجها وتعود لتبلغ الزبائن بما قاله، وتكتب قصاصات الورق، وتأخذ النقود عند تسليم الأحذية التي تم إصلاحها. تذكر السيد ماكولي أنها قد أجرت عملية جراحية ما خلال فصل الصيف. «زوجتك ليست هنا اليوم، أهي بخير؟» «رأت أن من الأفضل لها أن تستريح اليوم. معي ابنتي هنا.»
أومأ هيرمان شولتز نحو الأرفف إلى يمين النضد، حيث تعرض الأحذية التي انتهى العمل فيها. أدار السيد ماكولي رأسه ورأى إديث، الابنة، ولم يكن قد لاحظ وجودها لدى دخوله. فتاة نحيفة نحافة الأطفال، بشعر أسود ينسدل مستقيما، وكانت توليه ظهرها، تعيد ترتيب الأحذية. بتلك الطريقة ذاتها كان يبدو أنها تختفي عن النظر ثم تظهر فجأة كلما أتت إلى منزله باعتبارها صديقة سابيتا. لا يمكنك بالمرة أن ترى وجهها رؤية واضحة وتامة.
قال السيد ماكولي: «هل ستساعدين أباك هنا منذ الآن؟ هل أتممت المدرسة؟» «اليوم هو السبت!» هكذا قالت إديث بنصف التفاتة، وابتسامة لا تكاد تبين. «صحيح إنه السبت. حسن، إنه لأمر طيب أن تساعدي أباك على كل حال. لا بد أن تعتني بوالديك. لقد كدحا كثيرا وهما شخصان طيبان.» قال هذا بنبرة اعتذار طفيف، كما لو كان يعلم أنه بدأ يتكلم مثل الوعاظ. «أكرم أباك وأمك، فقد تطول أيامك في ...»
قالت إديث شيئا ما بصوت مهموس لم يسمعه. قالت: «في ورشة تصليح الأحذية.»
فقال السيد ماكولي: «أنا أضيع وقتكما، أفرض نفسي عليكما، لديكما عمل لتعتنيا به.»
قال والد إديث حين انصرف العجوز: «نحن في غنى عن تهكماتك!» •••
أمام وجبة العشاء أخبر أم إديث بكل ما جرى مع السيد ماكولي.
قال: «صار شخصا آخر، أصابه شيء ما.»
ناپیژندل شوی مخ