152

کراهت او دوستي، یرغل او مینه، او واده

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

ژانرونه

ربما لم تكن والدة جوناس تنصت. قالت وهي تنظر عبر الغرفة: «ذلك هو الطبيب الذي أشرف على حالته. لقد أتى من سميثرز بطائرته الخاصة. حقا، رأينا في هذا طيبة بالغة.»

قالت والدة بيير: «تلك مجازفة فعلا.» «نعم. حسنا. أحسبه يتحرك دائما بتلك الطريقة، لرعاية من يصابون بسوء في الغابات.»

كان الرجل الذي يتكلمان عنه يتبادل الحديث مع بيير. لم يكن يرتدي بدلة كاملة، وإن كان يرتدي سترة لا بأس بها، فوق بلوفر له ياقة عالية.

قالت والدة بيير: «أظن أن الأمر كذلك.» فردت والدة جوناس: «نعم.» وشعرت ميريل كما لو أن شيئا ما - حول طريقته في الملبس؟ - قد اتضح واستقر فيما بينهما.

نظرت للأسفل نحو مناديل المائدة، التي كانت مطوية طيات مربعة. لم تكن مناديل كبيرة للغاية مثل تلك الخاصة بحفلات العشاء، ولا صغيرة للغاية مثل تلك الخاصة بحفلات الكوكتيل. كانت منتظمة في صفوف متداخلة بعضها في بعض، بحيث يكون طرف كل منديل (الطرف المزخرف بوردة صغيرة للغاية، إما زرقاء وإما وردية وإما صفراء) مشتبكا في الطرف المطوي للمنديل المجاور له. لم يكن هناك منديلان متلامسان ولهما نفس لون الوردة في الطرف المزخرف. لم يقدم أحد على إرباكها، وإن فعلوا - ذلك لأنها رأت بضعة أشخاص في الغرفة يحملون مناديل مائدة - فقد كانوا يلتقطون مناديل من الموجودة في نهاية الصف وبطريقة حريصة بحيث يبقى هذا النسق دون مساس.

في مراسم الجنازة، كان القس قد قارن حياة جوناس على الأرض بحياة الجنين في الرحم. قال إن الجنين لا يدري شيئا عن أي وجود آخر، ويقيم في كهفه الدافئ المعتم المائي، دون أن يحظى بأهون لمحة عن العالم المشرق العظيم الذي سوف يشق سبيله إليه عما قريب. وإننا على الأرض لدينا لمحة عن ذلك، ولكننا غير قادرين حقا على تخيل الضوء الذي سندخل إليه بعد أن نمر بسكرات الموت. إذا ما تم إبلاغ الجنين بطريقة ما عما سيحدث له في المستقبل القريب، أفلن يتشكك، ويخاف كذلك؟ وهكذا نفعل نحن أيضا، أغلب الوقت، ولكن ليس علينا ذلك؛ ذلك لأننا قد تلقينا عهدا مؤكدا. وعلى الرغم من ذلك، فإن عقولنا العديمة البصيرة لا يسعها أن تتخيل، لا يسعها أن تتصور ذلك الذي سوف نعبر إليه. يتدثر الطفل في جهله، في الإيمان بوجوده العاجز الأبكم، أما نحن ممن لا نجهل كل الجهل ولا نعلم كل العلم، فلا بد لنا أن نحرص على أن نتدثر بإيماننا، إيماننا بعالم الرب.

تطلعت ميريل ناظرة نحو القس، وكان واقفا في مدخل الرواق وفي يده كأس النبيذ الإسباني، يعير أذنه لامرأة مفعمة بالحيوية ذات شعر أشقر منفوش. لم يبد لها أنهما كانا يتحدثان عن سكرات الموت المبرحة وعن النور الذي نخرج إليه بعدها. ماذا عساه أن يصنع لو مشت إليه وأثارت هذا الموضوع معه؟

لا أحد يملك الجرأة، أو الخلق الفظ، لفعل ذلك.

بدلا من ذلك نظرت نحو بيير وطبيب الغابات. كان بيير يتحدث بهمة وحماسة صبيانية لم يعد يرى متحليا بها كثيرا تلك الأيام، أو لم تعد ميريل تراه كذلك كثيرا. أخذت تشغل نفسها بأن تتظاهر بأنها تراه للمرة الأولى، الآن. كان شعره المموج القصير، بلونه شديد السواد، ينسحب للخلف من عند صدغيه، كاشفا عن جلده الناعم العاجي بلمسة طفيفة من اللون الذهبي. كتفاه عريضتان وحادتان، وأطرافه طويلة رشيقة، ولرأسه جمجمة صغيرة ولكن لطيفة الشكل مع ذلك. كانت ابتساماته خلابة، لكن غير مبتذلة، وبدا أنه لم يعد يثق في التبسم بالمرة منذ أن صار معلما للصبية. ارتسمت على جبينه خطوط مرهفة من هموم مقيمة.

تذكرت إحدى حفلات طاقم التدريس - مضى عليها أكثر من عام - حين وجدت نفسها معه على جانبين متقابلين من الغرفة، منهمكين في المحادثات التي تجري بالقرب منهما. دارت في الغرفة حينذاك واقتربت منه دون أن يلحظ، ثم بدأت تتحدث إليه كما لو كانت امرأة غريبة عليه أتت لتغازله في حيطة وتكتم. ابتسم هو كما كان يبتسم الآن - ولكن مع فارق، كما هو الحال الطبيعي عند التحدث إلى امرأة لعوب تنصب له شركا - وراح يجاريها في التمثيلية الصغيرة. تبادلا نظرات مشحونة وعبارات مبتذلة حتى غلبهما الضحك هما الاثنين. ثم اقترب منهما شخص ما وقال لهما إن النكات الزوجية غير مسموح بها. «وما الذي يجعلك تظن أننا متزوجان حقا؟» هكذا قال له بيير، الذي غالبا ما يكون متحفظا للغاية في مسلكه خلال مثل تلك الحفلات.

ناپیژندل شوی مخ