150

کراهت او دوستي، یرغل او مینه، او واده

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

ژانرونه

كان يتأهبان للذهاب إلى جنازة. أتيا إلى هنا ليلة أمس بالعبارة (المعدية) من منزلهما في جزيرة فانكوفر، حتى يتأكدا من وصولهما في الموعد المحدد لطقس المأتم المقام في الصباح. كانت المرة الأولى التي ينزلان فيها في فندق منذ ليلة زفافهما. حين كانا يسافران آنذاك لقضاء إجازة، كانا يصحبان دائما طفليهما، وكانا يبحثان عن الأنزال الصغيرة الرخيصة الأسعار المعدة لاستقبال الأسر.

كانت هذه هي الجنازة الثانية فقط التي يحضرانها بوصفهما زوجا وزوجة. كان والد بيير متوفى، وكانت أم ميريل متوفاة، غير أن حالتي الوفاة هاتين قد جرتا قبل أن يلتقي بيير وميريل. العام الماضي مات فجأة أحد معلمي مدرسة بيير، وأقاموا له مأتما لا تشوبه شائبة، مع جوقة من تلاميذ المدرسة وعبارات نشيد دفن الموتى التي تعود للقرن السادس عشر. كان الرجل في منتصف العقد السابع من عمره، فبدا موته لكل من ميريل وبيير أمرا ليس مفاجئا، وبالكاد محزنا. فكما اتفقا في الرأي، ليس ثمة فارق كبير بين أن يموت المرء في الخامسة والستين أو الخامسة والسبعين أو الخامسة والثمانين.

جنازة اليوم كانت شأنا آخر. كان جوناس هو من سيدفن. كان أقرب أصدقاء بيير لسنوات وفي نفس سنه؛ تسعة وعشرين عاما. نشأ بيير وجوناس معا في غربي فانكوفر، يمكنهما تذكرها في الفترة السابقة على إنشاء جسر ليونز جيت، حين كانت تبدو مثل بلدة صغيرة. ربطت الصداقة بين أهليهما كذلك. حين بلغا من العمر إحدى عشر أو اثني عشر عاما تعاونا في بناء قارب تجديف وانطلقا من لسان دانداريف لرسو القوارب. في الجامعة افترقت صحبتهما لفترة، كان جوناس يدرس الهندسة، في حين التحق بيير بقسم الدراسات الكلاسيكية، وكان طلاب الفنون وطلاب الهندسة يتبادلان الازدراء بحكم المتعارف عليه، غير أنه في غضون سنوات منذ ذلك انبعثت الحياة في صداقتهما إلى حد ما. كان جوناس، الأعزب، يأتي لزيارة بيير وميريل، وأحيانا كان يقيم معهما لأسبوع في الزيارة الواحدة.

كان هذان الشابان يندهشان مما جرى في حياتيهما، ويتخذانه مادة للمزاح. كان جوناس هو من بدا اختياره لتخصصه مطمئنا لنفس والديه، وقد أثار حسدا صامتا لدى والدي بيير، ومع ذلك فقد كان بيير هو من تزوج وحصل على عمل في مجال التدريس وتحمل مسئوليات الرجال العادية، في حين أن جوناس، بعد إنهاء الجامعة، هو من لم يستقر قط على فتاة أو وظيفة. كان على الدوام في فترة اختبار بطريقة ما لم تنته به قط إلى تثبيت قدميه في أي شركة؛ أما الفتيات - على الأقل بحسب ما يقوله هو - فقد كن دائما في فترة اختبار معه بطريقة ما. آخر وظيفة له في مجال الهندسة كانت في الجانب الشمالي من الإقليم، وقد ظل مقيما هنالك لفترة بعد أن استقال أو فصل منها. كتب لبيير يقول: «تم إنهاء الوظيفة بموافقة الطرفين.» وأضاف أنه كان يقيم في فندق، حيث يقيم جميع أبناء الطبقة العليا، وأنه قد يجد له وظيفة مع طاقم يعمل في تقطيع الأخشاب من الغابات وشحنها. كما كان يتعلم قيادة الطائرات، متأملا احتمال أن يصير طيار غابات. كان قد وعد أن يأتي لزيارتهما حين تنقضي العراقيل المالية الراهنة.

تمنت ميريل ألا يحدث ذلك؛ كان جوناس ينام على أريكة غرفة الجلوس وفي الصباح يرمي بالأغطية أرضا فتضطر هي لرفعها ولمها، وكان يبقي بيير ساهرا حتى منتصف الليل ليتحدثا عن أشياء وقعت حين كانا مراهقين، أو حتى أصغر سنا. كان الاسم الذي ينادي به بيير هو «بول البئر»، اسم شهرة من تلك السنوات، وكان يشير إلى الأصدقاء القدامى الآخرين ب «الحوض النتن» أو «الدون» أو «الريشة»، ولا يدعوهم أبدا بأسمائهم الحقيقية التي طالما سمعتها ميريل؛ ستان أو دون أو ريك. كان يستدعي، بتحذلق فج، تفاصيل أحداث لم ترها ميريل على أي درجة من التميز أو الطرافة (كيس مملوء بغائط الكلاب يتم إحراقه على عتبة باب بيت معلم المدرسة؛ مضايقة وفضح العجوز الذي كان يعرض على الصبية خمسة سنتات لإنزال سراويلهم)، وكان ضيقها يتنامى إذا ما تحول الحديث إلى الوقت الحاضر.

حين اضطرت إلى إبلاغ بيير بوفاة جوناس ساورها الأسف والارتعاد. كانت آسفة لأن جوناس لم يرق لها، وارتعدت لأنه كان أول شخص يموت يعرفانه معرفة وثيقة، وفي نفس محيط سنهما. غير أن بيير لم يبد عليه الاندهاش أو أنه تلقى صدمة على نحو خاص.

قال: «انتحار؟»

فقالت كلا، بل حادثة. كان يقود دراجة نارية، بعد حلول الظلام، على طريق مفروش بالحجارة، فانحرف خارج الطريق. عثر عليه أحدهم، أو ربما كان معه، أتت النجدة على الفور، ولكنه توفي في غضون ساعة. كانت إصاباته قاتلة.

ذلك ما قالته أمه، على الهاتف، كانت إصاباته قاتلة. بدا من صوتها وكأنها قد تمالكت نفسها بسرعة للغاية، وأبعد ما تكون عن الاندهاش. تماما كما كان بيير حين قال: «انتحار؟»

بعد ذلك لم يكد يتحدث بيير وميريل عن الوفاة ذاتها، فقط عن الجنازة، عن غرفة الفندق، عن الحاجة لجليسة أطفال لليلة كاملة. كان ينبغي تنظيف بدلته، وتحضير قميص أبيض. كانت ميريل هي من قامت بالترتيبات، وظل بيير يتفقد ما تفعله بطريقة زوجية معتادة. فهمت أنه تمنى منها أن تتمالك نفسها وتتحلى بطابع عملي واقعي، كما كان هو، وألا تدعي إحساسها بأي أسف هو متأكد من أنها لا تشعر به حقا. سألته لماذا قال «انتحار»؟ وأجابها: «ذلك ما خطر على بالي.» شعرت بأن مراوغته لها كانت نوعا من الإنذار، بل التوبيخ، كما لو كان يستريب في أنها تستمد من هذا الموت - أو من قربهما من هذا الموت - شعورا مشينا وأنانيا؛ تحمسا مهندما، ومرضيا.

ناپیژندل شوی مخ