132

کراهت او دوستي، یرغل او مینه، او واده

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

ژانرونه

ثم تذكر ليونيل حين اصطحبته أمه إلى المتحف وأثار مرأى المومياوات الذعر في نفسه، وأنها قد قالت له إنهم ليسوا بموتى حقا، ولكنهم لا يستطيعون الخروج من تلك الصناديق إلا حين ينصرف الجميع إلى بيوتهم. قال «أليس من الممكن أن يكون مومياء؟» حسبت أمه أنه قال «أم» وليس «مومياء». وفيما بعد رددت هذه القصة باعتبارها مزحة، وكان هو محبطا للغاية، في حقيقة الأمر، إلى درجة تمنعه من تصحيح خطئها، محبطا للغاية، في سنه المبكرة، حيال مشكلة التواصل الهائلة تلك.

كانت هذه من بين الذكريات القليلة التي بقيت معه.

ضحك بريندان على هذه القصة أكثر مما فعل كل من لورنا وليونيل. كان بريندان يجلس إليهما لبرهة، ويقول: «فيم تثرثران أنتما الاثنان؟» وبعد ذلك ينهض، بشيء من الارتياح كأنما قد أدى ما عليه في الوقت الراهن، قائلا إن لديه عملا ليقوم به، ويذهب إلى داخل المنزل، كما لو كان سعيدا بالصداقة التي نشأت بينهما، الصداقة التي تنبأ بها بطريقة ما وساهم في تحقيقها، غير أن حديثهما كان يثير ضجره.

كان قد قال للورنا: «من المفيد له أن يأتي إلى هنا ويصير إنسانا طبيعيا لفترة بدلا من أن يحبس نفسه في غرفته، وهو يشتهيك بكل تأكيد. المراهق المسكين!»

كان يروق له أن يقول إن الرجال تشتهي لورنا. وعلى الخصوص عند حضورهما حفلة من حفلات القسم الذي يدرس فيه، فتكون هي صغرى الزوجات هناك. كان يحرجها أن يسمعه أي شخص وهو يقول ذلك؛ خشية أن يظنوا في ذلك تزيدا أحمق أو أمنية مستترة. ولكن في بعض الأحيان، وخصوصا حين تكون ثملة قليلا، كان يثيرها ذلك جنسيا تماما كما يثير بريندان ؛ أن تكون موضع إعجاب ورغبة عامة هكذا. ومع ذلك، ففي حالة ليونيل كانت على يقين أن ذلك ليس صحيحا، وتمنت بشدة ألا يلمح بريندان بشيء من هذا في حضوره. تذكرت النظرة التي رنا بها إليها من وراء رأس أمه. كان ثمة تنصل ونفي، تحذير لطيف.

لم تطلع بريندان على مسألة القصائد. مرة كل أسبوع أو نحو ذلك كانت تصل إليها قصيدة محكمة الإغلاق في مظروفها، عن طريق البريد. لم تكن تلك القصائد بيد مجهول، بل موقعة باسم ليونيل. كان توقيعه مجرد خربشة غامضة، من الصعب حقا تبينه، ولكن هكذا أيضا كانت كل كلمة في كل قصيدة منها. لحسن الحظ، لم يكن هناك الكثير للغاية من الكلمات - أحيانا دستة أو دستتان إجمالا - تمتد على طول الصفحة، شاقة طريقا غريبا بلا انتظام، وكأنها مسارات طائر كثير التردد والحيرة. بنظرة أولى عجلى لم يكن بوسع لورنا أن تفهم أي شيء على الإطلاق؛ وجدت أن أفضل حل هو ألا تحاول بشدة أكثر من اللازم، وأن تمسك فقط بالورقة أمامها وتنعم النظر إليها مطولا وفي ثبات كما لو كانت قد سبحت في غشية. بعد ذلك غالبا ما كانت تتضح الكلمات وتظهر. ليس كلها - كانت هناك كلمتان أو ثلاث في كل قصيدة لا تستطيع أبدا فك شفرتها - ولكن ذلك لم يكن مهما للغاية. لم تكن هناك علامات ترقيم، وإنما شرطات صغيرة أفقية. كانت أغلب المفردات أسماء. لم يكن الشعر شيئا غريبا على لورنا، كما أنها لم تكن من النوع الذي يستسلم بسهولة أمام أي شيء لا تفهمه سريعا، ولكنها شعرت إزاء قصائد ليونيل تلك بما كانت تشعر به تقريبا إزاء الديانة البوذية مثلا؛ بأنها كانت منهلا مهما قد تصير قادرة على فهمه، والتزود منه، مستقبلا، ولكن لا يمكنها فعل ذلك في الوقت الراهن.

بعد أولى القصائد عذبها السؤال حول ما ينبغي عليها أن تقوله. شيء يدل على التقدير، ولكن ليس غبيا. كل ما تدبرته كان: «شكرا على القصيدة.» عندما كان بريندان أبعد من أن يسمعها. منعت نفسها من أن تقول: «استمتعت بها.» أومأ ليونيل برأسه إيماءة عصبية سخيفة، وأصدر همهمة تغلق باب الحديث تماما. تواتر وصول القصائد إليها، ولم يعودا إلى ذكرها مجددا. بدأت تفكر في أنها تستطيع اعتبارها قرابين، وليست رسائل، ولكنها ليست قرابين حب، كما قد يفترض بريندان مثلا. لم يكن فيها شيء يخص مشاعر ليونيل نحوها، لا وجود لشيء شخصي بالمرة. ذكرتها بتلك الانطباعات الخافتة التي يمكن أن تساور المرء أحيانا على الأرصفة في الربيع؛ ظلال ترمي بها أوراق الشجر المبتلة، والملتصقة بمواضعها منذ العام السابق.

كان هناك شيء آخر، أكثر إلحاحا، لم تتحدث حوله إلى بريندان، أو إلى ليونيل. لم تقل إن بولي ستأتي لزيارتها؛ فقد كانت بولي، ابنة عمتها، آتية من البيت الذي نشأتا فيه.

كانت بولي تكبر لورنا سنا بخمسة أعوام، وقد عملت منذ تخرجها من المدرسة الثانوية في البنك المحلي. سبق أن ادخرت ذات مرة المبلغ الذي يكفي تقريبا للقيام بهذه الرحلة، ولكنها قررت بدلا من ذلك أن تنفقه على مضخة لتصريف المياه المتجمعة تحت المنزل. لكنها الآن تسافر عبر البلد بالحافلة. بالنسبة إليها بدا ذلك بشكل أكبر أمرا طبيعيا ولائقا؛ أن تزور ابنة خالها وزوج ابنة خالها وعائلة ابنة خالها، أما بالنسبة إلى بريندان فيبدو العمل نفسه تطفلا واقتحاما، أو يكاد يكون هكذا يقينا، شيئا ليس من حق أي شخص القيام به إلا إذا تمت دعوته. لم يكن يبغض استقبال الزوار - فها هو ليونيل - ولكنه أراد أن ينتقيهم بنفسه. وكل يوم كانت لورنا تفكر كيف ستخبره، وكل يوم كانت تؤجل الأمر.

كما أن هذا الخبر لم يكن بالشيء الذي يمكنها أن تحدث ليونيل بشأنه؛ لا يمكنك التحدث معه حول أي شيء قد يعتبر بجدية مشكلة ما؛ فالتحدث عن المشكلات لا يعني إلا البحث عن حلول، أو التطلع في أمل إلى إيجاد الحلول. وهذا ليس مثار اهتمام، فهو لا يشير إلى موقف مشوق من الحياة، بل يوحي بالامتلاء بالرجاء، على نحو سطحي ومضجر. الهموم العادية، والعواطف البسيطة، لم تكن من الأمور التي يحب أن يعيرها آذانا مصغية. كان يفضل أن تكون الأمور محيرة تماما، تفوق الاحتمال، وفي الوقت نفسه - من قبيل المفارقة، بل الطرافة أيضا - كان يفضل لو أن من الممكن تحملها.

ناپیژندل شوی مخ