کراهت او دوستي، یرغل او مینه، او واده
كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج
ژانرونه
أما من حيث مشاعري نحو مايك، فكانت فقط الروح الشريرة القابعة بداخلي تتحول إلى إثارة منبسطة وحنان يسري في كل موضع تحت الجلد، لذة للبصر والسمع، وشبع له وخز خفيف، في حضور الطرف الآخر. كنت أصحو كل صباح وبي نهم لرؤيته، بي عطش لسماع صوت شاحنة نقاب الآبار وهي آتية ترتج وتصر على طول الزقاق. ومن دون أن أبدي أي أمارة تشي بما بي، كنت أوشك أن أعبد شكل مؤخرة عنقه، ورأسه، وعبوس حاجبيه، وأصابع قدميه الطويلة المكشوفة ومرفقيه القذرين، وصوته المرتفع الواثق النبرة، ورائحته. تقبلت عن طيب خاطر، بل عن ولاء ورع، توزيع الأدوار ما بيننا الذي لم نضطر لتفسيره أو إعداده مسبقا، ووفقا لهذا كنت أنا أساعده وأعجب به، وكان هو يوجهني ويقف متأهبا لحمايتي. •••
ذات صباح لم تأت الشاحنة. ذات صباح، بالطبع، كان العمل كله قد تم. غطي البئر، وأعيد تركيب الطلمبة، وتدفق منها الماء العذب كالأعجوبة. قل عدد مقاعد مائدة وجبة الظهيرة إلى مقعدين، فقد كان كل من مايك الكبير والصغير يتناولان معنا تلك الوجبة دائما. لم نتحادث أنا ومايك الصغير على المائدة أو نتبادل النظر إلا بالكاد. كان يحب أن يضع صلصلة الكاتشب على خبزه، وكان أبوه يتحدث إلى أبي، ويدور أغلب حديثهما حول الآبار، والحوادث، ومجاري المياه. كان والدي يقول: رجل جاد، ذهنه كله في شغله. ومع ذلك فقد كان - والد مايك - ينهي كل جملة له تقريبا بضحكة؛ ضحكة لها دوي الوحدة، كما لو كان ما زال هناك، في قاع البئر.
لم يأتيا. انتهى العمل، ولم يكن هناك ما يدعوهما للمجيء ثانية بعد ذلك أبدا. واتضح أن هذه كانت المهمة الأخيرة التي يجب على نقاب الآبار القيام بها في الجزء الذي نقيم فيه من البلدة. كانت لديه مهام عمل أخرى تنتظره في مكان آخر، وأراد أن يصل إلى هناك بأسرع ما يمكنه، ما دام الطقس لا يزال طيبا. وبطريقة العيش التي يتبعها؛ الإقامة في فندق، كان كل ما عليه عمله هو حزم الأمتعة والرحيل. وهذا ما فعله.
لماذا لم أفهم ما كان يجري؟ لم تكن هناك تحية وداع، لا وعي بأنه حين يصعد مايك إلى الشاحنة في ذلك الأصيل الأخير، فقد كان يمضي إلى الأبد؟ لا تلويح باليد، لا رأس تستدير نحوي - أو لا تستدير نحوي - عندما تبدأ الشاحنة، المثقلة الآن بكل المعدات عليها، تترنح متمايلة على طول زقاقنا للمرة الأخيرة؟ عندما انبثق الماء دفاقا - أتذكر حين انبثق للخارج، واجتمع الكل لشرب الماء - لماذا لم أفهم كل ما كان قد انتهى، بالنسبة إلي؟ أتساءل الآن إن كانت هناك خطة مقصودة لعدم الاحتفال المبالغ فيه بالمناسبة، من أجل استبعاد تحيات الوداع، بحيث لا ينتابني - أو ينتابنا - ما يفوق الاحتمال من حزن أو مشقة.
لا يبدو الأمر في الأغلب أنهم كانوا يحسبون كل هذا الحساب لمشاعر الصغار في تلك الأيام. كانوا يتركون لمشاعرهم، لمعاناتها أو كبتها.
لم أعان مشقة؛ فبعد الصدمة الأولى لم أدع أي شخص يلحظ علي شيئا. العامل الأجير كان يغيظني كلما لمحني (يقول: «هل هجرك حبيبك ورحل؟») لكنني لم أنظر نحوه قط.
لا بد أنني كنت أعلم أن مايك سوف يرحل، تماما كما كنت أعلم أن رنجر كلب عجوز وأنه سرعان ما سيموت. توقعت الغياب المستقبلي، كل ما هنالك أنني لم أملك أدنى فكرة، حتى اختفاء مايك، عما عساه أن يكون ذلك الغياب، وكيف ستتبدل الأرض التي أقف عليها تماما، كما لو أن انهيارا باطنيا قد سرى بداخلها وامتص منها كل معنى عدا فقدان مايك. لم أستطع بعد ذلك قط أن أتطلع إلى الحجر الأبيض في الممر دون أن أفكر فيه، وهكذا كان ينتابني شعور بالكراهية نحو ذلك الحجر. الشعور نفسه انتابني كذلك نحو جذع شجرة القيقب، وحين قطعها أبي لاقترابها الشديد من البيت ظل يساورني الشعور نفسه نحو ما تبقى منها كالندبة في الأرض.
بعد ذلك ببضعة أسابيع، كنت أرتدي كامل ثيابي ومعطفي، وأقف بالقرب من باب متجر أحذية بينما تجرب أمي قياس زوج أحذية، حين سمعت امرأة تنادي: «مايك!» مرت راكضة أمام المتجر، وهي تصيح: «مايك!» وفجأة استحوذ علي اقتناع بأن هذه المرأة التي لا أعرفها لا بد أن تكون والدة مايك، وأنهم قد رجعوا إلى البلدة لسبب أو لآخر، فقد كنت أعلم من قبل ذلك - وإن لم يكن من خلاله مباشرة - أنها كانت منفصلة عن أبيه، وليست متوفاة. لم أفكر فيما إن كانت عودتهم تلك مؤقتة أم دائمة، كل ما فكرت فيه - بينما كنت أركض خارجة من المتجر - أنني بعد دقيقة واحدة سوف أرى مايك.
كانت المرأة تمسك بولد في سن الخامسة تقريبا، كان قد شرع يأكل تفاحة تناولها من صندوق تفاح كان موضوعا على الرصيف أمام محل البقالة المجاور.
توقفت وحدقت في هذا الطفل غير مصدقة، كما لو كان قد وقع أمام عيني أمر خارق للمألوف، تبديل ظالم بفعل سحر.
ناپیژندل شوی مخ