وفي جامع الترمذي بعبارة مستعذبة المعاني وإشارة مستغربة المباني من حديث أنس- ﵁ قال: قال رسول الله- ﷺ: (مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله).
ورواه أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي- في مسند الشهاب- من حديث ابن عمر.
ورواه الإمام أحمد من حديث عمار بن ياسر مرفوعًا بتقديم (أوله) على (آخره) قال ذلك- ﷺ مبهمًا بقوله: (لا يدري). ثم صرح بذكر الأول والآخر، ولم يذكر الوسط.
قال بعض العلماء: فإن قيل: فما وجه كون الحديث مشعرًا بمشابهة آخر الأمة أولها في الخير، مع ما ثبت في الأحاديث المشهورة في تفضيل صدر هذه الأمة على من بعدهم كقوله: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم) وقوله: (فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه).
ثم ما صرح به القرآن من تفضيلهم في غير ما آية كقوله تعالى: ﴿والسابقون الأولون .....﴾ الآية. وقوله: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ......﴾ الآية. إلى غير ذلك فالجواب أن الأحاديث كلها صحيحة مقبولة لا تناقض فيها، إذ كل منها ورد على حال خاصة ووصف خاص، وجملتها تدل على فضيلة هذه الأمة، وشرفها عند الله- ﷾.
أما قوله: (لا يدري آخره خير أم أوله) أبهم القول فيه، لعلمه بما يكون من الأخيار والسادات من الأبرار، في آخر الزمان من أمته، وأنه يكون فيهم من يلحق بأولها في فضله وفضيلته، من جهة من جهات أعماله ومجاهداته، وثوابه و(إن) لم يدرك ما فاته من فضيلة تقدمهم إياه، وسبقهم بصحبة المصطفى- ﷺ فقال: (لا يدري) أي بالرأي والاستنباط بل بما أخبر به من الغيب، ليشمر المشمرون في كل زمن إلى الجد، وطلب سنن من تقدم. والمعنى الآخر وهو أن لا ييأس أحد من توفيق الله وفضله، الذي لا يقف على زمن بعينه أن يوصل من شاء من متأخري هذه الأمة في آخر أمرها فضل من تقدمها.
وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة، لما بعثه خالد بن الوليد بشيرًا إلى رسول الله- ﷺ يوم مؤتة في آخره (فبكى) أصحاب رسول الله- ﷺ وهم حوله. فقال
1 / 21