واذا تقرر هذا في حدالبداء والنسخ، صح فرقان ما بينهما وجهل الجامع.
والدلالة على حسن النسخ كون الشرائع مبنية على المصالح التي تصح أن تختص بزمان دون زمان، وبمثل دون مثل، ومكلف دون مكلف، وبوجه دون وجه، لولا ذلك لم يكن السبت أولى بالامساك من الاحد، ولا فعل الصلاة في وقت وعلى صفة أولى من وقت وصفة اخرى، ولا تحريم الشحم المتميز أولى من المختلط.
واذا كانت الشرائع مقررة على المصالح، جاز أن يكون صلاح المكلف مختصا بفعل العبادة في زمان معين ويكون مفسدة في آخر، ولمكلف صلاح في شيء هو مفسدة لمن يتجدد بعده، وعلى وجه صلاح وعلى وجه آخر فساد.
واذا صح ذلك وعلمه مكلف المصالح سبحانه وجب في حكمته سبحانه بيان ذلك حسب ماوجب مثله في ابتداء التكليف، وجرى ذلك مجرى لو قرن بيان المدة بالتكليف، فكما قال سبحانه لبعض المكلفين: صلوا كل يوم خمس صلوات وصوموا كل سنة شهر رجب، مدة عشر سنين، لكان ذلك مفيدا للزوم الصلاة والصوم المعينين تلك المدة المذكورة وقبحهما فيما بعدها باتفاق، فكذلك يجب الحكم اذا قال سبحانه: صلوا كل يوم خمس صلوات وصوموا كل سنة شهر رجب، ثم قال سبحانه بعد عشر سنين: لاتصلوا ولا تصوموا ما كنتم أمرتم بمثله، لتماثلهما في بيان المدة وان تقدم أحد البيانين وتأخر الاخر.
والكلام على الفرقة الثانية: أن يقال لهم دلوا على أن موسى (عليه السلام) قال ما ذكرتموه مانعا من النسخ، فانهم لا يجدون إلى اثباته سبيلا، لعدم التواتر به، بل كونه من أخبار الاحاد، لحصول العلم لكل مخالط بفقد من يعرف بنقل الاخبار في شيء من طبقاتهم التى تلينا، وانما يضيفون ذلك إلى اعتقادات متواترة عن السلف، وصحة الاعتقادات فرع لصحة ما تستنده اليه، واذا تعذر اثبات
مخ ۸۲