د فلسفیانو ریښې لپاره بنائیت
الجذور الفلسفية للبنائية
ژانرونه
1
ففي كلتا الحالتين يتم تبادل «رسالة» معينة، وتوصيلها من طرف إلى الآخر؛ إما النساء اللائي يتبادلن بين العشائر أو الأسر، وإما الألفاظ التي تتداول بين الأفراد، ومن هنا كان من الممكن بحث الحالتين على أنهما تعبيران عن ظاهرة واحدة، لها نفس الهيكل أو البناء الأساسي.
وهكذا كان للبحوث اللغوية دور عظيم الأهمية في تحديد الاتجاه الذي سارت فيه بنائية ليفي ستروس، وفي صبغ أبحاثه الأنثروبولوجية بطابعها المميز. ولكن هل يعني هذا أن العوامل الفلسفية لم يكن لها تأثير في تفكيره؟ الواقع أن هذه العوامل كانت بالغة الأهمية في حالة ستروس على وجه التحديد، وهي التي تميزه عن سائر الأنثروبولوجيين. وكل ما في الأمر أن الاهتداء إليها يحتاج إلى جهد خاص، سنحاول القيام به، تاركين جانبا تأثير العامل اللغوي، على أهميته، لأنه خارج عن النطاق الأساسي لهذا البحث.
ولنبدأ بأن نلاحظ أن تكوين ليفي ستروس وتعليمه كان فلسفيا وقانونيا، وأنه لم يتجه إلى البحث الأنثروبولوجي إلا في مرحلة متأخرة نسبيا، ومن هنا كان من الطبيعي أن ينعكس هذا التكوين الفلسفي على منهجه في البحث الأنثروبولوجي، حتى إن أحد الباحثين قال عنه إنه «كان يتصرف دائما كما لو كان داعية يدافع عن قضية، لا عالما يبحث عن الحقيقة الفعلية.»
2
على أن اهتمام ستروس المتأخر بالبحث الأنثروبولوجي لا ينبغي أن يعد تحولا عن الأصل الفلسفي الذي بدأ منه؛ ذلك لأن هذا الميدان بالذات يمكن أن يقدم مادة خصبة للتفكير الفلسفي، إذا كان الباحث قد تدرب على هذا التفكير بما فيه الكفاية. فمن الممكن أن نقول، من وجهة نظر معينة، إن دراسة الثقافات القديمة لها أهمية فلسفية كبرى؛ إذ تخرجنا من الحيز الضيق للثقافة التي نعيش فيها، وتقدم إلينا أنماطا فكرية مغايرة لتلك التي اعتدناها. وصحيح أن هذه الأنماط البدائية - في رأي ستروس - لا تختلف «في جوهرها» عن تلك التي نستخدمها اليوم، ولكن المهم أنها تدرس هنا في إطار مغاير لذلك الذي ألفناه في حضارتنا الحديثة. وهكذا يجد الأنثروبولوجي مجالا خصبا لتطبيق واختبار فكرة النسبية التي طالما سعى الفلاسفة إلى فهمها، ويتيح له ميدان دراسته فرصة عظيمة لإلقاء نظرة «موضوعية» على الفكر الإنساني الذي نسينا أصوله وعجزنا عن اختبار جذوره العميقة المتأصلة فينا دون وعي منا. وعلى حين أن الفيلسوف يعجز، في الأحوال العادية، عن الخروج عن الإطار الفكري لحضارته؛ لأن هذا الإطار الفكري هو الذي يتكلم فيه، ومن خلاله؛ فإن الدراسة الأنثروبولوجية تتيح له مجالا فريدا لتأمل مبادئه الفكرية «من الخارج»، في بساطتها ونقائها الأول .
وفضلا عن ذلك، فإن ستروس لم يكن من أولئك الأنثروبولوجيين الذين يتوقف اهتمامهم عند حدود ثقافة بدائية معينة، يعايشها بعمق، ويحلل ما لاحظه عنها في مؤلفات تفصيلية فيها كثير من الوصف وبعض التفسير، كما هي الحال عند مالينوفسكي
Malinowski
مثلا، فقد كانت دراسة الثقافات القديمة عنده وسيلة لغاية أوسع، هي الوصول إلى المبادئ الأساسية ل «الذهن البشري»، ولم تكن التفاصيل الأنثروبولوجية في نظره سوى أداة تساعده على الوصول إلى حقائق تصدق على هذا الذهن في عمومه، لا في شكل خاص من أشكاله؛ ولذلك لم يحاول ستروس أن يعايش ثقافة بعينها، ويقضي بين أهلها سنوات طويلة، ويندمج في حياتها اليومية فترة طويلة، كما فعل غيره من الأنثروبولوجيين المحترفين، بل إنه كان يقوم بدراسات ميدانية سريعة إلى حد ما، إذا قيست بما قام به غيره. ولم يكن يستقر في مكان واحد طويلا، وإنما كان يدرس ثقافة هذا المكان بالقدر الذي يساعده على تحقيق هدفه الأصلي، الذي هو في صميمه هدف فلسفي. وهكذا يمكن القول، من وجهة نظر معينة، إن بحثه في الأنثروبولوجيا لم يكن غاية في ذاته، بل كان وسيلة لغاية معينة هي في صميمها غاية فلسفية. وبقدر ما كان هذا الأسلوب في البحث مميزا له عن غيره من علماء الأنثروبولوجيا، ومن ثم سببا من أسباب شهرته بينهم، فقد كان في الوقت ذاته هو المحور الذي دارت حوله الانتقادات التي وجهت إليه، سواء من جانب علماء الأنثروبولوجيا ومن جانب الفلاسفة. وتلك، على أية حال، مسألة سنعرض لها فيما بعد بالتفصيل.
لقد كانت الفلسفة، منذ بداية عهدها، ترفض المظهر الخارجي للعالم، وحين انبثق منها العلم الطبيعي أخذ بدوره يبحث عن حقيقة لا تقدمها إلينا المظاهر المباشرة، وأخذ بالتدريج يكون لنفسه عالما خاصا به، مؤلفا من كيانات عقلية ورياضية، لا نستطيع أن نجد لها وجودا في عالم المظاهر، وإن كانت مع ذلك قادرة على أن تجعل هذا العالم مفهوما ومعقولا. وكانت مهمة ليفي ستروس هي أن يطبق هذا الشرط الذي أتاح للعلم الطبيعي إحراز أكبر قدر من التقدم على العلوم الإنسانية؛ لكي يجعلها بدورها علوما تتجاوز نطاق المظهر الخارجي للأشياء، ولا تندمج في ظواهر العالم أو في الظواهر الإنسانية، وإنما تبحث عن حقيقة عميقة وراء مظاهرها البادية.
ناپیژندل شوی مخ