زهده [22]وأما زهده فكان معروفا بالزهادة مجبولا عليها بحيث أنه مع سعة سلطانه وعموم صلاته وإحسانه كما يأتي إن شاء الله بعض الإشارة إلى جملها.
كان يلبس قميصا واحدا ضيق الكم وعمامة واحدة حواشيها القطن للجمعة، وقد ربما تخرق فيأمر برقعها. وكذا مأكله ما له قاعدة كما تقدم، وله في هذا ما يطول به الشرح، ولقد كنا نفد عليه من عند مولانا الحسن رحمهما الله تعالى، وكنا نرى ثيابنا دون الأصحاب فإذا رأيناه استحيينا من لباسنا مع لباسه فكأنما على ظهورنا الشوك.
ورعه
وأما ورعه فمما يضرب به المثل وأنه كان تصله النذور الكثيرة فيخرج ثلثها لبيت المال مستمرا وربما أخرج النصف وربما وصرف الباقي في بعض مصارف بيت المال فكان تراه كثيرا يتأمل الحقير من المقبوض أو المعطا، ويراجع نفسه، وربما يظهر بلسانه، وربما يرجع مما هو مباح.
كرم أخلاقه
وأما كرم أخلاقه وسعة صدره وحلمه فإنه يلطف بالغريب واليتيم والأرملة وأهل الحاجات حتى يخلط نفسه بهم كما سيأتي إن شاء الله بعد ذلك، ويخاطب أكثرهم بلغتهم ويعلمهم معالم الدين مستمرا حتى إذا عرف من هو من كبراء الناس جاهل الحكم وجه الخطاب إلى غيره ليسمع ذلك لئلا يأنف من التعليم، وربما أوهم الرجل بالصلاح وأن أهله وخدمه يصلون آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر لرجاء قبول التعليم، وكان يسمع من كثير منهم الأذى والبذا فيصبر عليهم ويرشدهم على قدر ما يحتمله أفهامهم من البيان، إما الأدلة العقلية والسمعية أو العرفية التي يعرفها أولئك وتحتملها طباعهم.
أخبرني القاضي شرف الدين الحسن بن علي الأكوع عافاه الله تعالى أنه سمع الإمام يقول: أنه سمع قوما من أهل شهارة في أيام الحوزة في خلافة أبيه -صلوات الله عليه- يقولون لبعضهم بعضا سيروا بنا إلى هذا الكذا [9/أ] بما لا يجوز تصديره ابن الكذا(1) حسبهم الله وقاتلهم أن يعطينا كذا وإلا(2) كان كذا.
مخ ۲۰