وأما مَنْ مَنَّ الله عليه بالمعرفة، فليحمد الله تعالى. وإن أشكل عليه شيء، فليسأل أهل العلم عما قال الله ورسوله ولا يبادر بالإنكار؛ لأنه إن رَدَّ: رَدَّ على الله. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ ١.
الباطل لا يصير حقا بعظمة قائله وجلالته
اعلم -رحمك الله- أن أشياء من أنواع الشرك الأكبر وقع فيها بعض المصنفين -على جهالة- لم يُفْطَن لها؛ من ذلك قوله في البردة:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
وفي الهمزية من جنس هذا وغيره أشياء كثيرة، وهذا من الدعاء الذي هو العبادة التي لا تصلح إلا لله وحده، وإن جادلك بعض المشركين بجلالة هذا القائل وعلمه وصلاحه، وقال بجهله: كيف هذا؟ فقل له: أعلم منه وأجل أصحاب موسى الذين اختارهم الله وفضلهم على العالمين، وقد قالوا: ﴿يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ ٢؛ فإذا خفي هذا على بني إسرائيل مع جلالتهم وفضلهم، فما ظنك بغيرهم ٣. وقل لهذا الجاهل:
_________
١ سورة السجدة آية: ٢٢.
٢ سورة الأعراف آية: ١٣٨.
٣ فيه أن بني إسرائيل الذين قالوا هذا القول: لم يكونوا أصحاب جلالة وفضل ولا علم بالدين، ولا كانت التوراة نزلت عليهم، وإنما كانوا مشركين أنقذهم موسى ﵇ من ظلم فرعون وقومه؛ ليتخذ منهم شعبا يعبد الله وحده ويقيم دينه، وقد أجابهم موسى ﵇ بقوله: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، وقد اتخذوا العجل بعد ذلك وعبدوه. وفي القرآن، وكذا في التوراة من ذم قوم موسى وتمردهم وعنتهم وإيذائهم له في عهد التشريع العجب العجاب، وأما تفضيل بني إسرائيل على العالمين في زمانهم، فالمراد به جملتهم بما كان فيهم من الأنبياء والصالحين من قبل موسى إلى عهد عيسى ﵈ (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) .
1 / 22