ثم يسأل فيقال له: أخبرنا عن إبليس إذا أمر العباد، ووسوس وزين لهم المعاصي، حتى يكونوا لها عاملين، ولعظائمها(1) مرتكبين، على من إثمها؟ فإن قال: على إبليس دونهم. قيل له: فإنا نجد الله قد أخبرنا في كتابه، أنه من أطاع إبليس فإنه من العاصين، المعاقبين على ارتكاب ما يأمره بركوبه، ويزينه ويوسوس له به، فقال سبحانه في ذلك: {فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}[ص: 84 85]، فهل وجب عندك على من أطاع إبليس، وعمل بما أمره به من المعاصي عقوبة النيران؟ فإن قال: لا؛ كفر . وإن قال: نعم؛ ترك قوله، وخرج من حد التقليد، فلا يجد بدا من أن يقول: إن الواجب عليه عند التباس الأقوال، واختلاف الأفنان أن يرجع إلى عقله في ذلك فيتفكر به، ويميز فينظر بعقله ويتخير لنفسه، فيتفرع له من عقله من المعرفة ما يقول على الله به الحق، ويذكره بما يشبهه من الذكر الذي لا يكون إلا له سبحانه. فليعلم أن المعرفة كلها خارجة متفرعة من العقل، وأنه لا تكون معرفة إلا من العقل وبالعقل.
مخ ۷۹۷