وليلة من ليالى الدهر كالحة ونكبة باشرت من هولها مرأى ومصطرعا لو رمى الرامى بها حجرا أصم، من جندل الصوان- لانصدعا مرت على، فلم أطرح لها سلبى ولا اشتكيت لها وهنا ولا جزعا لا يملأ الأمر صدرى قبل موقعه ولا يضيق به صدرى إذا وقعا كلا لبست فلا النعماء تبطرنى ولا تخشعت من لأوائها جزعا وقال ابن الرومى: ولا تحسبن الشر يبقى فإنه شهاب حريق واقد ثم خامد ستألف فقدان الذى قد فقدته كإلفك وجدان الذى أنت واجد ومن لم يزل يرعى الشدائد فكره على مهل، هانت عليه الشدائد وللشر إقلاع، وللهم فرجة وللخير، بعد المؤيسات، عوايد وكم أعقبت بعد البلايا مواهب وكم أعقبت بعد الرزايا فوائد وكم سىء يوما سيقفوه صالح وكم شاءمت يوما سيقفوه حاسد والصبر الذى دعا إليه هؤلاء الشعراء، رياضة نفسية يعرفها ألو النهى من كل جنس وملة، وهى رياضة تحمد لطبيعتها ونتائجها، فإن العزم أشرف من الوهن والأمل أجدى من اليأس. وهؤلاء أبانوا عما فى الصبر من محاسن ضبط النفس وطيب العقبى. ونحن نزكى هذه الوجهة إلا أننا نتحدث عن صبر المؤمنين ابتغاء وجه الله. وهو مسلك يجعل الصبر مشوبا بالذكر، ويجعل المؤمن بصيرا بأن القدر الأعلى من وراء الأحداث التى تنوبه، ومن ثم فهو فى شدته يظل قوى الصلة بربه، يدعوه ويرجوه، ويستسلم له ويعتمد عليه، ويتحمل ما يتحمل لأن الله شاء، ومشيئته موضع التسليم والإعزاز... والكلمة التى تثلج فؤاده "إنا لله وإنا إليه راجعون " يستشعر معناها فيما يعرض له من بأساء وضراء، فيربو يقينه، ويكون أهلا لرحمات الله بعد ما استبان موقفه من بلائه. والمرء فى هذه الحياة يختلف عليه العسر واليسر، والصحة والسقم، ومطلوب منه فى الأحوال التى يكرهها ألا تهتز علاقته بربه وألا يضعف أمله فى فرجه. إنه فى اليسر يطمئن إلى ما فى يده من مال فلا يبالى بالوساوس، بل قد تبتعد عنه ابتعادا تاما! أليس ماله فى يده؟ 1 ص ص
مخ ۱۶۵