سألت نفسى: هل يستغنى الأحياء عن الصبر؟ إنه لازم لكيانهم المعنوى لزوم الماء، أو الهواء لكيانهم المادى. نعم، قد تستغنى الدواب، أليفة كانت أو متوحشة عن هذا الخلق، لأنها تحيا وفق هواها، وتسيرها طباعها وحدها. أما الإنسان فهو كائن تتبعه التكاليف مذ يعقل، تأمره بفعل ما قد يكره وترك ما قد يحب. بل هو بعد سنوات قلة من ميلاده يقاد إلى المدرسة برغمه، ويبدأ المربون يخرجونه من نطاق اللهو واللعب إلى استيعاب مبادئ القراءة والحساب وحفظ أشتات من النصوص والأناشيد. فقبل أن يجئ مرحلة البلوغ، وتناط بعنقه التكاليف الجادة تمهد نفسه لحياة يهجر فيها رغباته، ويحترم فيها واجباته. ولا أدرى إذا كان هناك فريق من البشر يستغنون عن هذا الخلق لظروف معينة تحيط بحياتهم، وتوفر لهم من المتاع والراحة ما يغنيهم عن مشقات الكفاح الأدبى والمادى!. إننى أشك فى أن الدنيا تضم بين طياتها هذا النوع من الناس. ذلك أن البشر الذين يقتربون من الأنعام فى سيرتهم تفرض عليهم الأقدار آلاما من طراز سافل، لا يرون محيصا من احتمالها وهم كارهون. على أننا نوقن بأن طريق الإيمان، ومنهج الشرف والبطولة، لابد فيه من صبر طويل طويل. وإن الرجل كل الرجل هو الذى يستسهل المتاعب بإلفها، والذى يعلم أنه ما تردد فى صدره نفس يجب أن يلقى الدنيا والناس بحزم وتحفظ، وبصيرة وتصون. وأن الصبر عتاده فى هذا كله، فلن يزحزح عن النار ويدخل الجنة إلا بهذه اليقظة وهذا الدأب. 1 ص 4
مخ ۱۶۱