٢ فهذه هى جملة قوله وأصوله الأول وأما ما بعد ذلك مما يتلو ما ذكرنا فهو ما أصف أنزل أن حال المريض فى مرضه حال يأتيه معها البحران إما فى اليوم الرابع وإما فى اليوم الخامس وافهم عنى فى كلامى هذا من قولى بحران كل ميل ذى قدر يكون إلى الحال التى هى أجود والبحث عن هذا الميل هل يكون فى وقت منتهى المرض فقط أو قد يكون كثيرا من قبل منتهاه بقليل يحتاج فيه إلى كلام كثير لا يتصل بغرضنا فى كتابنا هذا فأنا تارك البحث عن ذلك وننزل أن المريض الذى حاله الحال التى يأتيه البحران معها فى الرابع أو فى الخامس فى المثل معه من القوة ما يحتمل أن يبقى من غير أن يغتذى بتة إلى أن يأتيه البحران فأقول أن المريض الذى هذه حاله ليس يسقيه بقراط لا ماء الشعير ولا ماء العسل ولا اسكنجبين لكنه يتركه خاويا خاليا إلى أن يجوز منتهى مرضه فإن كانت قوة المريض محتاجة إلى بعض الرفد فهو يرى أن ذلك المريض يكتفى بماء العسل وكذلك أيضا متى كان المريض يتوقع له البحران فى السابع وقوته قوية فإنه يرى أنه يكتفى بماء العسل فأما السكنجبين فقد يسقيه بعض المرضى على طريق الدواء لا طريق الغذاء وكذلك قد يسقى كثيرا من المرضى ماء العسل وماء الشعير أيضا على هذا الطريق إلا أنك ليس تحب أن تعلم متى يحتاج إلى هذه الأشياء على طريق الدواء لكن قصدك فى مسئلتك إنما كان كما قد علمت لأن تعلم هل كان بقراط يغذو أصحاب الأمراض الحادة فى كل يوم وقلت ان بعض الأطباء ذكر لك ذلك واعلم وليعلم المتطبب الذى ذكر لك ما ذكر أن بقراط كثيرا ما يمنع المريض من ماء الشعير ومن كل طعام غيره ويقتصر به على ماء العسل فقط وكثيرا ما يمنع أيضا من ماء العسل ويقتصر بالمريض على إسقائه الماء فقط فإذا علم أن البحران يتأخر إلى اليوم التاسع أو الحادى عشر أو الرابع عشر وأن قوة المريض لا تحتمل أن تبقى من غير غذاء غذا المريض منذ أول مرضه بكشك الشعير فقط من غير أن ينيله معه غذاء غيره بتة ولا يزيده على أن يحسيه من كشك الشعير شيئا فى كل يوم خلا الأيام التى يكون فيها للحمى نوبة قوية أو الأيام التى يكون الجوف فيها ممتلئا طعاما أو ثفل طعام فإنه فى تلك الأيام أيضا لا يغذو كما قلت قبيل وذلك أنه متى كان فى الجوف ثفل من طعام فينبغى أن يستفرغ أولا وإذا كان فى المعدة طعام فينبغى أن يترك حتى ينحدر وكذلك أيضا متى كان المريض يحتاج إلى أن يفصد أو يسهل فليس يغذوه حتى يستعمل ما يحتاج إلى استعماله من ذلك فأنزل أن المريض الذى يتوقع له البحران فى اليوم التاسع أو الحادى عشر أو الرابع عشر ليس يحتاج إلى شىء من هذه الأشياء التى وصفت أقول أنا نغذو المريض الذى هذه حاله منذ أول المرض بكشك الشعير بعد أن نحذر ونعلم بالحدود التى علمناها بقراط هل يحتاج ذلك المريض إلى أن يكون مع ماء كشك الشعير ثفله أو يكفيه الماء فقط فإن بقراط يذم فى هذا الباب قوما من الأطباء كانوا يجففون أولا أبدان المرضى فى الأيام الأول من المرض كما قد يفعل ذلك كثيرا أهل دهرنا من الأطباء ثم يغذونهم بغذاء ذى قدر بالقرب من وقت المنتهى ولا فرق فى هذا الكلام بين قولى منتهى وبين قولى بحران فإن بقراط قد بين أن الذى ينبغى أن يفعل ضد ما كان يفعل أولائك أعنى أن ينقص من الغذاء إذا قرب وقت المنتهى حتى أنا كثيرا ما لا نغذو المريض بتة فى يوم بحران فقد قال بقراط فى هذا الباب قولا أنا واصفه بلفظه وهو هذا إن من أعظم جميع ما أفيدكه عندى نفعا أنه لا ينبغى أن تمنع المريض فى الأيام الأول من مرضه ثم من بعد الأحساء على أنها تختلف وأنت مزمع بعد قليل أن تغذوه ببعض تلك الأحساء ولم يطلق القول فيقول انه لا ينبغى أن يمنع المريض فى أول مرضه من الأحساء لكن استثنى فقال وأنت مزمع بعد قليل أن تغذوه بالأحساء يعنى بذلك المريض الذى تضطر إلى أن تغذوه من قبل وقت منتهى مرضه فإن المريض الذى يحتمل أن يبقى من غير أن تغذوه ليس ينبغى أن تقتصر على أن تمنعه من الحسو فى الأيام الثلاثة من مرضه دون أن تمنعه منه فى اليوم الرابع أيضا إذا كنت تتوقع له البحران فى اليوم الخامس وعلى هذا المثال قد يمنع المريض من الحسو فى اليوم الخامس أيضا وفى اليوم السادس وفى اليوم السابع كثيرا إذا كان قويا وكان يتوقع له البحران فى تلك الأيام ويصرح بالذم واللوم لمن يبتدئ بتغذية المريض فى أحد هذه الأيام بكشك الشعير بعد أن قد سبق فجفف بدنه بالمنع من الغذاء واستعماله لهذا اللفظ أعنى قوله سبق فجفف بدنه جار على حقيقة ما يدل عليه هذا اللفظ وذلك أنهم إذا كانوا يضطرون إلى أن يغذوا المريض فى الوقت الذى كان ينبغى أن يمنعوه فيه من الغذاء لقرب وقت منتهى مرضه فبين أنهم قد كانوا سبقوا فجففوا بدنه وذلك أنه إن كان يحتمل أن يبقى من غير غذاء فليس يحتاج إلى التغذية وإن كان يحتاج وبالواجب يغذونه فبين أنهم قد جففوا بدنه فى الأيام الأول من مرضه وذلك أنهم لا يقدرون أن يقولوا ان القياس يدل على أنه ينبغى أن يغذو نحو وقت منتهى المرض من يحتمل أن يبقى إلى أن يأتيه البحران من غير غذاء فالذى يغذو المريض إذا على أنه لا يحتمل أن يبقى مخطئ فى قتله إياه بالجوع فى أول مرضه والذى يغذوه بقراط إذا منذ أول مرضه إنما هو من لا يطمع أن يبقى له قوته إلى أن يأتيه البحران من غير أن يرزأ من الغذاء شيئا البتة وهذا هو المعنى الذى يشير إليه بقراط بقوله خلاء العروق فى ذلك الكتاب كله أعنى كتابه فى الأمراض الحادة
[chapter 3]
مخ ۸۴