[chapter 1] كتاب جالينوس فى تدبير الأمراض الحادة على رأى بقراط
مخ ۷۶
١ قال إنه لو لم يكن أحد تقدمنى إلى معرفة الحق من أمر تدبير بقراط للأمراض الحادة لقد كنت سارعت إلى ما أمرتنى به من الكتاب أيها الشجاع بقطرينس لكن لما كان كثير ممن تقدمنى قد فسر الكتاب الذى وصف فيه بقراط أمر ذلك التدبير تفسيرا صالحا رأيت أن الأجود أن أصف لك بلسانى فى وقت ما سألتنى من ذلك مذهب بقراط فى تدبير أصحاب الأمراض الحادة وذلك أنى رأيت أن الكلام من الحى أبلغ لك فى إفهامك ما قصدت إليه من الكلام الذى تقرأه بدءا فى كتاب فإن بدا لك أن تسأل منه عن شىء قد غمض عليك أو قد ظننت أنه لم يجر القول فيه على الصواب لم تجد فيه جوابا لما قد تسأل عنه فلما رأيتك قد ألححت على بالتقدم إلى بأن يكون ما أصفه لك من أمر ذلك التدبير فى كتاب دون المخاطبة رأيت أن أول ما ينبغى لك أن تعلمه وينبغى لى أن أعلمك إياه أنك إن كنت إنما تقصد إلى أن تعلم مذهب بقراط كله فى ذلك التدبير على الاستقصاء فالرأى لك أن تقرأ فى الكتب التى وضعها كثير من الأطباء ممن تقدم ففسر فيها طريق بقراط فى تدبير الأمراض الحادة وإن كنت إنما تقصد إلى أن تعرف جمل ذلك فقط فإنى مجيبك إلى ما سألت لكنه قد ينبغى لك أن تعلم أن بيان المعنى فى ذلك ينقص بحسب نقصان الكلام الذى يعبر به عنه عن المقدار المعتدل وأن الأمرين جميعا كانا يستجريان منى عن غير إرادة ان أنا أجبتك إلى ما سألت أعنى كتابى فى معنى ليس عندى فيه زيادة على ما تقدم فوصف فيه وأكثر من ذلك أيضا التماسى أن أعبر عن معنى لا يكاد الكلام الواسع يأتى على شرحه وإيضاحه إلا بكد بإيجاز واختصار لم أزل فى كل مرة كنت تقتضينى ما سألت أدافعك وأماطلك به فإذ قد وقعت مدة فيما كنت أدافع به لا بإرادتى لكن مكرها فإنى جاعل افتتاح كلامى قولا قاله بقراط وهو أنه قال أنه متى بلغ المرض منتهاه فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذى هو فى الغاية من اللطافة ومن الأمراض ما يبلغ منتهاه فى اليوم الثانى ومنها فى اليوم الثالث ومنها فى اليوم الرابع ومنها بالجملة فى أحد الأيام التى بعد هذه فما كان من الأمراض لا يأتى عليه بعد مبتدأه مدة طويلة حتى يبلغ منتهاه فليس يغذو فيه المريض بتة حتى ينضج المرض إلا أن يعرض عارض من الأعراض التى تهد القوة فتضطر إلى أن يغذو المريض فأما الأمراض التى لا تبلغ منتهاها إلا بعد مدة طويلة فإن بقراط يرى أنه إن لم يغذ المريض بتة فيها قبل وقت منتهى مرضه سقطت قوته وينبغى فى هذه الأمراض أن يتفكر الطبيب منذ أول المرض وينظر هل يكتفى المريض بأن يقتصر به على السكنجبين أو ماء العسل فيسقى من أحدهما شيئا فى كل يوم إلى وقت منتهى المرض أم هل يحتاج أن يسقى مع ذلك ماء كشك الشعير أم ليس يكتفى بذلك أيضا دون أن يكون مع ماء كشك الشعير شىء من ثفله فأى هذه الأشياء رآه أجود استعمله منذ أول المرض إلا أن يكون المريض قريب العهد بالأكل فجوفه ملآن من الطعام أو هو محتاج إلى فصد أو إلى إسهال أو إلى علاج بحقنة أو بشيافة فإنه يأمر إذا كانت تلك حال المريض أن يستعمل أولا كل واحد من هذه الأشياء التى ذكرت ثم يغذو المريض ويأمر أيضا أن يمسك عن الغذاء فى أوقات نوائب الحمى
[chapter 2]
مخ ۷۸
٢ فهذه هى جملة قوله وأصوله الأول وأما ما بعد ذلك مما يتلو ما ذكرنا فهو ما أصف أنزل أن حال المريض فى مرضه حال يأتيه معها البحران إما فى اليوم الرابع وإما فى اليوم الخامس وافهم عنى فى كلامى هذا من قولى بحران كل ميل ذى قدر يكون إلى الحال التى هى أجود والبحث عن هذا الميل هل يكون فى وقت منتهى المرض فقط أو قد يكون كثيرا من قبل منتهاه بقليل يحتاج فيه إلى كلام كثير لا يتصل بغرضنا فى كتابنا هذا فأنا تارك البحث عن ذلك وننزل أن المريض الذى حاله الحال التى يأتيه البحران معها فى الرابع أو فى الخامس فى المثل معه من القوة ما يحتمل أن يبقى من غير أن يغتذى بتة إلى أن يأتيه البحران فأقول أن المريض الذى هذه حاله ليس يسقيه بقراط لا ماء الشعير ولا ماء العسل ولا اسكنجبين لكنه يتركه خاويا خاليا إلى أن يجوز منتهى مرضه فإن كانت قوة المريض محتاجة إلى بعض الرفد فهو يرى أن ذلك المريض يكتفى بماء العسل وكذلك أيضا متى كان المريض يتوقع له البحران فى السابع وقوته قوية فإنه يرى أنه يكتفى بماء العسل فأما السكنجبين فقد يسقيه بعض المرضى على طريق الدواء لا طريق الغذاء وكذلك قد يسقى كثيرا من المرضى ماء العسل وماء الشعير أيضا على هذا الطريق إلا أنك ليس تحب أن تعلم متى يحتاج إلى هذه الأشياء على طريق الدواء لكن قصدك فى مسئلتك إنما كان كما قد علمت لأن تعلم هل كان بقراط يغذو أصحاب الأمراض الحادة فى كل يوم وقلت ان بعض الأطباء ذكر لك ذلك واعلم وليعلم المتطبب الذى ذكر لك ما ذكر أن بقراط كثيرا ما يمنع المريض من ماء الشعير ومن كل طعام غيره ويقتصر به على ماء العسل فقط وكثيرا ما يمنع أيضا من ماء العسل ويقتصر بالمريض على إسقائه الماء فقط فإذا علم أن البحران يتأخر إلى اليوم التاسع أو الحادى عشر أو الرابع عشر وأن قوة المريض لا تحتمل أن تبقى من غير غذاء غذا المريض منذ أول مرضه بكشك الشعير فقط من غير أن ينيله معه غذاء غيره بتة ولا يزيده على أن يحسيه من كشك الشعير شيئا فى كل يوم خلا الأيام التى يكون فيها للحمى نوبة قوية أو الأيام التى يكون الجوف فيها ممتلئا طعاما أو ثفل طعام فإنه فى تلك الأيام أيضا لا يغذو كما قلت قبيل وذلك أنه متى كان فى الجوف ثفل من طعام فينبغى أن يستفرغ أولا وإذا كان فى المعدة طعام فينبغى أن يترك حتى ينحدر وكذلك أيضا متى كان المريض يحتاج إلى أن يفصد أو يسهل فليس يغذوه حتى يستعمل ما يحتاج إلى استعماله من ذلك فأنزل أن المريض الذى يتوقع له البحران فى اليوم التاسع أو الحادى عشر أو الرابع عشر ليس يحتاج إلى شىء من هذه الأشياء التى وصفت أقول أنا نغذو المريض الذى هذه حاله منذ أول المرض بكشك الشعير بعد أن نحذر ونعلم بالحدود التى علمناها بقراط هل يحتاج ذلك المريض إلى أن يكون مع ماء كشك الشعير ثفله أو يكفيه الماء فقط فإن بقراط يذم فى هذا الباب قوما من الأطباء كانوا يجففون أولا أبدان المرضى فى الأيام الأول من المرض كما قد يفعل ذلك كثيرا أهل دهرنا من الأطباء ثم يغذونهم بغذاء ذى قدر بالقرب من وقت المنتهى ولا فرق فى هذا الكلام بين قولى منتهى وبين قولى بحران فإن بقراط قد بين أن الذى ينبغى أن يفعل ضد ما كان يفعل أولائك أعنى أن ينقص من الغذاء إذا قرب وقت المنتهى حتى أنا كثيرا ما لا نغذو المريض بتة فى يوم بحران فقد قال بقراط فى هذا الباب قولا أنا واصفه بلفظه وهو هذا إن من أعظم جميع ما أفيدكه عندى نفعا أنه لا ينبغى أن تمنع المريض فى الأيام الأول من مرضه ثم من بعد الأحساء على أنها تختلف وأنت مزمع بعد قليل أن تغذوه ببعض تلك الأحساء ولم يطلق القول فيقول انه لا ينبغى أن يمنع المريض فى أول مرضه من الأحساء لكن استثنى فقال وأنت مزمع بعد قليل أن تغذوه بالأحساء يعنى بذلك المريض الذى تضطر إلى أن تغذوه من قبل وقت منتهى مرضه فإن المريض الذى يحتمل أن يبقى من غير أن تغذوه ليس ينبغى أن تقتصر على أن تمنعه من الحسو فى الأيام الثلاثة من مرضه دون أن تمنعه منه فى اليوم الرابع أيضا إذا كنت تتوقع له البحران فى اليوم الخامس وعلى هذا المثال قد يمنع المريض من الحسو فى اليوم الخامس أيضا وفى اليوم السادس وفى اليوم السابع كثيرا إذا كان قويا وكان يتوقع له البحران فى تلك الأيام ويصرح بالذم واللوم لمن يبتدئ بتغذية المريض فى أحد هذه الأيام بكشك الشعير بعد أن قد سبق فجفف بدنه بالمنع من الغذاء واستعماله لهذا اللفظ أعنى قوله سبق فجفف بدنه جار على حقيقة ما يدل عليه هذا اللفظ وذلك أنهم إذا كانوا يضطرون إلى أن يغذوا المريض فى الوقت الذى كان ينبغى أن يمنعوه فيه من الغذاء لقرب وقت منتهى مرضه فبين أنهم قد كانوا سبقوا فجففوا بدنه وذلك أنه إن كان يحتمل أن يبقى من غير غذاء فليس يحتاج إلى التغذية وإن كان يحتاج وبالواجب يغذونه فبين أنهم قد جففوا بدنه فى الأيام الأول من مرضه وذلك أنهم لا يقدرون أن يقولوا ان القياس يدل على أنه ينبغى أن يغذو نحو وقت منتهى المرض من يحتمل أن يبقى إلى أن يأتيه البحران من غير غذاء فالذى يغذو المريض إذا على أنه لا يحتمل أن يبقى مخطئ فى قتله إياه بالجوع فى أول مرضه والذى يغذوه بقراط إذا منذ أول مرضه إنما هو من لا يطمع أن يبقى له قوته إلى أن يأتيه البحران من غير أن يرزأ من الغذاء شيئا البتة وهذا هو المعنى الذى يشير إليه بقراط بقوله خلاء العروق فى ذلك الكتاب كله أعنى كتابه فى الأمراض الحادة
[chapter 3]
مخ ۸۴
٣ فقد تبين إذا أن الرجل الذى ظن بابقراط أنه كان يغذو المريض فى كل يوم قد بلغ من جهله أنه لا يعرف معانى الألفاظ وينبغى لك أن تعلمه أن ما يعنى بقراط فى قوله يسبق فيستعمل خلاء العروق إنما هو أن يسبق فيستعمل ترك الغذاء فإنك إن علمت ذلك فهمت قول بقراط وهو هذا فإنى أقول ان ابتداء بتناول المريض للحسو منذ أول الأمر أجود من أن يسبق فيستعمل خلاء العروق ثم يبتدئ بتناول الحسو فى اليوم الثالث من مرضه أو فى الرابع أو فى الخامس أو فى السادس أو فى السابع إلا أن يتقدم بحران المرض فيكون فى هذه المدة فإنه إن تقدم كون البحران فبين أن ابتداء بتناول الحسو فى أحد هذه الأيام صواب أما أنا فأرى وبالله أقسم أن بقراط قد استعمل فى هذا الكلام من الإيضاح والبيان ما لا يخفى معه على صبى فضلا عمن سواه أنه يدل أن تغير التدبير إنما يضر بمن امتنع من الغذاء فى الأيام الأول من مرضه إن لم يتقدم فيأتيه البحران قبل أن يغير تدبيره أعنى لم ينحط مرضه وينتقص بوجه من الوجوه وذلك أن المرض إن كان قد انحط ونقص فاستعمال كشك الشعير صواب وإن كان المريض قد منع من الغذاء سبعة أيام فضلا عن أن يكون إنما منع ثلاثة أيام أو أربعة فقد تبين أن بقراط قد يمنع كثيرا من المرضى من الغذاء بتة لا فى الأيام الثلاثة الأول من مرضهم فقط لكن إلى اليوم السابع إذا كان يتوقع مجىء البحران قبل سقوط القوة وهذا هو الباب الذى يذم فيه أرسسطراطس دكسفس وافلونس تلميذى بقراط وأشياعهما ويذم أيضا معهم قوما آخرين من الأطباء أعنى أنهم يقتلون المريض بالجوع إلا أن ترى أن منع المريض من الغذاء سبعة أيام منذ أول مرضه تجويع يسير أما أنا فأرى أن تجويع المريض خمسة أيام كبير إلا أنا قد نجد بقراط لا يذم من يبتدئ بتغذية المريض فى اليوم السابع بعد أن يكون البحران قد تقدم فكان وأما هذا الطبيب العجيب الذى يرى فى نفسه أنه أعلم بطريق تدبير بقراط للأمراض الحادة من أرسسطراطس ومن تلامذة بقراط يرى أن بقراط يغذو جميع المرضى فى كل يوم وبقراط يصيح أن يخطئ من يبتدئ بتغذية المريض بالحسو فى اليوم السابع إذا كان قد تقدم فكان البحران وأنا واضع شيئا من كلامه فى ذلك فأثبت فى ذهنك وتدبره قال بقراط ثم من بعد إن كان يجد المريض وجعا أو ظهر فيه شىء من الأعراض المخوفة فينبغى أن يعطى الحسو وهو ليس بالغليظ ولا بالكثير من بعد اليوم السابع إن كان قويا وهذا الكلام يوجد فى النسخ مختلفا لأنه يوجد فى بعضها فيه زيادة حرف زائد فيما بين قوله ولا بالكثير وبين قوله من بعد اليوم السابع وذلك حتى يكون نسق الكلام على هذا المثال وذلك من بعد اليوم السابع إن كان قويا ويوجد فى بعض النسخ وليس معه ذلك الحرف على المثال الأول الذى وضعناه عليه والمعنى المفهوم من هاتين النسختين جميعا معنى واحد وهو أن بقراط أمر أن يكون إعطاؤنا ماء كشك الشعير لمن كان مرضه ذا خطر أو كان يجد وجعا من بعد اليوم السابع لا قبله إذا كانت قوته قوية تحتمل الإمساك عن الغذاء هذه المدة فقد تبين فى هذا الموضع أيضا أن بقراط قد جعل ابتداء تغذيته لبعض المرضى بماء كشك الشعير من بعد اليوم السابع ويقتصر به قبل ذلك إما على ماء العسل وإما على سكنجبين وإما على الماء القراح على نحو ما يرى الحاجة تدعو إلى كل واحد من هذه الأشربة فقد يصف بقراط من بعد هذا الكلام الأغراض التى ينبغى أن نقصد إليها فى استعمال هذه الأشربة
[chapter 4]
مخ ۸۸
٤ فالأجود إذا كان أن تسألنى ما بال بقراط يستعمل فى أصحاب الأمراض الحادة هذا التدبير اللطيف كله لا كما سألتنى ما بال بقراط يغذو أصحاب الأمراض الحادة فى كل يوم إذ كان لا يغذو صاحب المرض الحاد فى كل يوم إلا فى الندرة وإذا غذاه أيضا فى كل يوم كان تدبيره له أيضا تدبيرا لطيفا وتقدر أن تعرف حقيقة ذلك إذا أنت تدبرت كلاما قاله أنا واضعه لك بلفظه قال بقراط يكتفى أن يعطى المريض فى أول مرضه مقدارا ليس بالكثير ولا بالغليظ لكن كيما يكون قد ورد البدن شىء بسبب العادة ولا يفرط فيه خلاء العروق فهذا الكلام منه يدل على أنه إذا أعطى صاحب المرض الحاد من ماء كشك الشعير شيئا ليس بالكثير ولا بالغليظ فإنما يفعل ذلك كيما لا يفرط عليه خلاء العروق يعنى الحمية والإمساك عن الطعام فالأمر عنده أن المريض إذا تدبر بهذا التدبير أيضا فهو على سبيل من الحمية والإقلال من الطعم والتدبير اللطيف إلا أن ذلك ليس بالكثير المفرط كما لو لم ينل من ماء كشك الشعير ولا هذا المقدار اليسير فأخطر ببالك مريضا من المرضى الذين حالهم فى مرضهم الحال التى يأتى معها البحران فى اليوم الرابع عشر وأن ذلك المريض إنما يعطى سكرجة صغيرة فى اليوم من ماء كشك الشعير على طريق الشراب لا على طريق الطعام وذلك أيضا ليس فى كل يوم وذلك أنه لا يسقى فى اليوم الأول من مرضه شيئا منه دون أن ينحدر الطعام الأول إن كان فى معدته طعام أو يفصد إن كان محتاجا إلى الفصد أو يسكن وجع إن كان به ولا يسقاه أيضا فى الأيام التى يمنع فيها من إسقائه إياه عظم نوبة الحمى على أنه لو كان يسقى فى كل يوم من تلك الأربعة عشر يوما تلك السكرجة الصغيرة من ماء كشك الشعير لقد كان ذلك المقدار على الحال الذى يسقاه فى تلك الأيام كلها أقل من مقدار هذا الغذاء الذى يغذو به أكثر أهل زماننا هذا من الأطباء كثيرا من أصحاب الأمراض الحادة فى يوم واحد وذلك أنا نجدهم كثيرا يحسون المريض أولا قدحا مملوءا من الحنطة التى يقال لها خندروس وقد هرست وطبخت وطيبت بماء العسل ثم يحسونه من بعد ذلك من تلك الحنطة حسوا آخر يسمونه الطحين ثم يطعمونه خصى الديوك وأجنحتها وفراخ الحمام والشفانين وأترك أن أذكر الآن ما يطعمونه فى خلال هذا من بصلتين أو ثلاث من البصل الذى يقال له بصل الزيز ومن السمك الذى يطعمونه كثيرا من أجناس السمك الذى يقال له الرعاد ولسان الثور والابرسيون وسائر أنواع السمك فأكله واحدة من هذه الأكلات التى يطعمونها المرضى أصحاب هذا التدبير أكثر وأقوى من ماء كشك الشعير الذى يسقاه المريض فى مدة مرضه كلها الذى قد تقدم بقراط فيه أن يكون يسيرا رقيقا لا غليظا كثيرا ويتقدم أيضا مع ذلك أن لا يسقى المريض ذلك فى جميع الأيام كما قد بينا
[chapter 5]
مخ ۹۲
٥ وإذا كان بقراط قد يبلغ من تلطيفه للغذاء منذ أول المرض هذا المبلغ كله حتى يكون ما ينيله المريض إنما هو بقدر ما يكون قد ورد البدن شىء بسبب العادة ولا يفرط الخوى عليه فكم بالحرى يكون تلطيفه لتدبيره إذا مرت الأيام فقد قال بقراط ان من كان منتهى مرضه يأتى بدءا فينبغى أن يدبر بالتدبير اللطيف بدءا ومن كان منتهى مرضه يتأخر فينبغى أن يمنع من الغذاء فى وقت المنتهى وقبله بقليل ويدبر قبل ذلك تدبيرا أغلظ كيما يبقى فإذا كان فى الوقت الذى يحتاج فيه إلى التدبير الذى هو أغلظ إنما يسقى من ماء كشك الشعير مقدارا يسيرا جدا حتى يكون التدبير قريبا من تدبير من يمنع الغذاء بتة ثم كان ينقص من هذا المقدار أيضا دائما إلى أن يبلغ إلى وقت المنتهى ثم يأمر بالامتناع فى وقت المنتهى من الغذاء فقد تبين لك أن مبلغ تدبيره فى اللطافة مبلغ عظيم جدا فقول ارسسطراطس على هذا القياس أشبه بالحق وهو ما قاله من أن آل بقراط يتوقون كل غذاء لأنهم كانوا يرون أن الغذاء إنما هو بمنزلة الوقيد للحم ولذلك لم يكونوا يكادون يغذون أصحاب الأمراض الحادة إلى أن يجوز اليوم السابع فإن خافوا على قوته أن تخور اقتصروا به على ماء العسل ولم يكونوا يغذون المريض الذى تكون مدة مرضه إلى السابع كما قلت بماء كشك الشعير إلا فى الندرة وأما الأمراض التى يكون انقضاؤها فى أربعة عشر يوما فليس يمكن أن يقتصر بالمريض فيها على التغذية بماء العسل لكنهم كانوا يقتصرون بالمريض الذى هذه حاله على كشك الشعير فيغذونه به من أول مرضه ولا يقربونه شيئا غيره من الأغذية بتة وليس البحث عن هذا التدبير هل بقراط فيه مصيب أو مخطئ من كلامى هذا فى شىء فأما الأمر الذى قصدت له فقد وضح وتبين وهو أن بقراط أشد استعمالا من جميع من عز قبله من الأطباء للتدبير اللطيف وأن أرسسطراطس لم يكذب عليه وعلى آله
[chapter 6]
مخ ۹۴
٦ وتقدر أن تعلم أيضا أنه كان يغذو بعض المرضى بماء كشك الشعير ومعه ثفله ويغذو بعضهم بمائه فقط ويحمى بعضهم من ماء الشعير أيضا من كلام ذكره فى كتابه فى تدبير الأمراض الحادة فإنه قال أولا هذا القول وطريق الرفد فى أكثر الأمر طريق واحد لمن يستعمل ماء الشعير ومعه ثفله ولمن يستعمل ماءه فقط ولمن لا يستعمل واحدا منهما بتة لكن يقتصر على ما يشرب وربما كان طريق الرفد مختلفا ثم قال بعد فى صفته ماء العسل هذا القول وإن تجنبت الاحساء واقتصرت على ماء العسل فى هذه الأمراض كان صوابك كثيرا وخطاؤك قليلا غير كثير ثم قال بعد هذا القول فى صفته للسكنجبين فأما من يقتصر على التدبير بما يشرب فقط من غير أن يرزأ شيئا من الأحساء فلهذا السبب لا يوافقه أن يقتصر على ذلك دائما ثم قال بعد هذا فى صفته للحمام هذا القول ان استعمال الاستحمام فى الحمام لمن يستعمل ماء الشعير مع ثفله أمكن منه لمن يقتصر على مائه وقد يقدر من يقتصر على ماء الشعير كثيرا على استعمال الحمام فأما من يقتصر على ما يشرب فقط فلا يكاد يقدر على استعمال الحمام فنراك تحتاج مع هذا الكلام إلى أن أجيبك بكلام غيره من ذلك الكتاب أعنى كتاب تدبير الأمراض الحادة أو من غيره من كتبه يتقدم بقراط أن يقتصر بكثير من المرضى فى مدة مرضهم كلها على ما يشرب فقط من غير أن يرزؤوا شيئا من الطعام بتة أما أنا فيمكننى أن أجمع من كلامه فى ذلك ما يجىء منه كتاب تام لكنى أعلم أنى إن فعلت ذلك أبرمتك فأنا راجع إلى ما كنت قصدت إليه فأجتهد فيما قصدت له فأجتهد أن أختصر منه تدبير بقراط للأمراض الحادة كله فى جمل مقتصدة قليل عددها فأقول إن بقراط يرى أن من أعظم الناس خطاء من حمل المريض فى أول مرضه على أن يمتنع من الغذاء ثلاثة أيام أو أربعة ثم يغذوه من بعد ذلك وقد قرب وقت منتهى مرضه وذلك أنه إنما ينبغى إما أن لا يمنع المريض من الغذاء إن كانت قوته لا تفى بمقاومة المرض أو إن كانت تفى بذلك فأن يمنع من الغذاء على ما دبر فيه منذ أول المرض إلى أن ينضج مرضه إن كان ذلك يكون فى اليوم الخامس أو فى السادس أو فى السابع فهذا هو رأى بقراط وأما رأى غيره من الأطباء فتعرفه مما وصفه بقراط وذلك أنه قال فى كتابه فى تدبير الأمراض الحادة هذا القول وقد أعرف كثيرا من الأطباء يفعل ضد ما ينبغى أن يفعل وذلك أنهم كلهم يجففون أبدان المرضى منذ أول المرض يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك ثم ينيلونهم الأحساء والأشربة وليس يريد بقراط بهذا القول أنه ينبغى أن يغذى جميع المرضى منذ أول يوم من المرض لكنه إنما يريد أنه لا ينبغى أن يغير تدبير المريض من المنع من الغذاء إلى التغذى قبل وقت منتهى المرض لكن ينبغى أن يحذر فى جميع الأوقات كل غذاء خلا كشك الشعير كما قال أولا ويحذر أيضا كشك الشعير فى وقت منتهى المرض ومما يدلك على ذلك أنه بعد هذا الكلام الذى تقدم ذكره ذكر أشياء كثيرة من أمر كل تغير يكون بغتة فى التدبير ثم أتبع ذلك بأن قال هذا القول ففى جميع هذه الأشياء التى وصفت أعظم الدلائل على أن تدبير هؤلاء الأطباء للمرضى ليس بصواب لكنهم يستعملون خلاء العروق فى أمراض لا ينبغى استعماله فيها وهم سيغذون أصحابها بعد بالأحساء ويغيرون التدبير فينقلونه من خلاء العروق إلى استعمال الأحساء فى أمراض لا ينبغى أن يغير فيها فدل دلالة بينة فى هذا القول أنه قد يكون من الأمراض ما لا ينبغى أن ينقل تدبير أصحابها من خلاء العروق يعنى من الحمية والمنع من الغذاء إلى استعمال الأحساء وينبغى أن ننظر ما معنى قوله أن لا ينقل من المنع من الغذاء أما أنا فأرى أن ذلك ليس هو شىء غير أن يمنع المريض من الغذاء فى مدة مرضه كلها وذلك أنه إن كان يذم الأطباء وينسبهم إلى تعدى الصواب فى نقلهم تدبير المريض من المنع من الغذاء إلى التغذية فى بعض الأمراض فهو لا محالة يحمد من يمنع أصحاب تلك الأمراض من الغذاء إلى أن يأتى البحران وقد صرح بقراط بذلك فيما بعد فى هذا القول ثم من بعد فلا ينبغى أن تستعمل الأحساء دون أن ينضج المرض ما أعجب الرجل الذى هذى فألقى إليك ما ألقى من غير أن يكون عنده منه علم من الخفة وضعف الرأى فإنه لو كان معه شىء من الحزم لقد كان لو لم يقف على شىء مما قرأه فى ذلك الكتاب أعنى كتاب تدبير الأمراض الحادة فلا أقل من أن كان يقف منه على هذا القول أنه لا ينبغى أن تستعمل الأحساء دون أن ينضج المرض يعنى أنك إذا قدرت فى المريض منذ أول مرضه أن تمنعه من الغذاء ثلاثة أيام متوالية أو أربعة فلا ينبغى لك أن تنيله شيئا من الأحساد دون أن ينضج مرضه إلا أن يعرض عارض يضطرك إلى أن تفعل ذلك فقد أتبع بقراط هذا القول بأن قال أو تظهر علامة أخرى فى الأمعاء تدل على خلاء العروق أو على شىء مهيج وقد دل بقراط على رأيه فى تدبير الأمراض الحادة لا مرة ولا مرتين لكن مرارا كثيرة فى هذا الكتاب الواحد الذى قد يجعل بعضهم رسمه على غير الصواب فى المناقضة لآراء أهل قنيدس وبعضهم يجعل رسمه فى كشك الشعير وذلك أنه يأمر إما بأن لا يغذى المريض بتة إلى أن ينضج مرضه وإما بأن يغذى منذ أول مرضه
[chapter 7]
مخ ۱۰۰
٧ وقد قال بقراط فى هذا الكتاب قولا آخر لا أحسب الرجل الذى يكذب عندك بما يكذب وهذى فهمه عن آخره وهو هذا القول وقد ينبغى فى مواضع كثيرة أن يدفع الغذاء بتة وذلك متى كان المريض يحتمل أن يبقى إلى أن يبلغ مرضه منتهاه وينضج وليس ينبغى أن يتلقى قول بقراط بمثل فهم ذلك الرجل لكنه إنما ينبغى أن يتلقى بفهم من قد تعود أن يفهم المعانى على حقائقها وقد وصف بقراط هذا المعنى بلفظ آخر فقال انه ينبغى أن يتجنب الغذاء كله إلى أن يأتى منتهى المرض وينضج ووصف هذا المعنى بعينه فى الكلام الذى ذكرته قبيل فقال ثم من بعد فلا ينبغى أن تستعمل الأحساء دون أن ينضج المرض وجملة قول بقراط فى ذلك أنه متى كانت حال المريض فى مرضه الحال التى يأتيه معها البحران نحو اليوم الخامس ثم امتنع من الغذاء فى الأيام الثلاثة الأول من مرضه واغتذى فى اليوم الرابع ناله من ذلك ضرر عظيم جدا والذى يراه بقراط ضد هذا أعنى أنه إن كان المريض قويا فلا ينبغى أن يغذى بتة قبل اليوم الخامس وإن كان ضعيفا فينبغى أن يغذى فى الأول إلى الرابع بماء الشعير ثم يكون ما يغتذى به منه فى اليوم الرابع أقل مما كان يغتذى به منه فى الأيام التى قبله ثم يمسك عن الغذاء فى اليوم الخامس وذلك أيضا يضح لك ويتبين إن أنت قرأت الكلام الذى وضعت منه قبيل حرفا عن آخره وهو هذا ففى جميع هذه الأشياء التى وصفت أعظم الدلائل على أن تدبير هؤلاء الأطباء للمرضى ليس بصواب لكنهم يستعملون خلاء العروق فى أمراض لا ينبغى استعماله فيها وهم سيغذون أصحابها بعد بالأحساء ويغيرون التدبير وينقلونه من خلاء العروق إلى استعمال الأحساء فى أمراض لا ينبغى أن يغير فيها وهم فى أكثر الأمر من ذلك على خطاء وذلك أنهم كانوا كثيرا ما ينقلون المريض من خلاء العروق إلى استعمال الأحساء فى الأوقات التى ينتفع فيها كثيرا بالنقلة من الأحساء إلى المشارفة لخلاء العروق إن اتفق أن يكون استصعاب المرض فى ذلك الوقت أفلا ترى أن بقراط يأمر أن يستعمل فى منتهى المرض خلاء العروق ويعنى به الامتناع من الغذاء فالرجل إذا الذى ظن بابقراط أنه يأمر بأن يغذى المريض فى كل يوم مستحق للذم وذلك أنه معما أخطأ فيه من جميع ما ادعاه على بقراط قد أخظأ أيضا فى هذا المعنى الذى وصفته الآن وذلك أن بقراط وإن غذا المريض فى سائر الأيام المتقدمة بالحذر منه أن تسقط قوته فإنه عند منتهى مرضه يمنعه من الغذاء فيجب من هذا ألا يوجد مرض من الأمراض يغذو فيه بقراط صاحبه فى جميع الأيام إلا أن يكون صاحب المرض فى غاية الضعف وإذا كان ذلك كذلك فليس يمكن أن يحتمل المرض الحاد أصلا
[chapter 8]
مخ ۱۰۲
٨ وهذه الشهادة كلها إنما أتيتك بها من كتاب بقراط فى تدبير الأمراض الحادة وليس من كل ذلك الكتاب لكن من النصف منه لأن النصف الآخر الباقى قد يقال إنه ليس هو لابقراط فإن نظرت فيما ذكره فى كتاب الفصول فى هذا الباب وجدت معناه فيه ومعناه فى كتاب تدبير الأمراض الحادة معنى واحدا وبعض قوله فى هذا الباب فى كتاب الفصول هو هذا وإذا كان المرض حادا جدا فإن الأوجاع التى فى الغاية القصوى تأتى فيه بدءا ويجب ضرورة أن تستعمل فيه ألطف التدبير الذى هو فى الغاية القصوى من اللطافة فأى التدبير عندك هو ألطف التدبير الذى هو فى الغاية القصوى التدبير الذى يغذى فيه المريض فى كل يوم أو التدبير الذى هو على ضد ذلك أعنى الذى لا يغذى فيه المريض بتة فإن هذه اللفظة أعنى قوله ألطف التدبير هى من الألفاظ التى يسميها أصحاب النحو من اليونانيين ألفاظ الإغراق وهى أن تضع الشىء فى غاية ما يمكن أن يبلغه حتى لا يوجد فى جنسه شىء يفوقه فإن أنت وضعت أن مريضا مرض سبعة أيام وكان فى كل يوم من تلك الأيام يغتذى بغذاء لم يجز لأحد أن يقول فيه أنه مدبر بألطف التدبير لأن الذى ترك الغذاء يوما واحدا من تلك الأيام السبعة ألطف تدبيرا منه والذى امتنع من الغذاء أيضا يومين ألطف تدبيرا من تدبير الثانى والذى ترك الغذاء ثلاثة أيام ألطف تدبيرا من الثالث والذى تركه أربعة أيام ألطف تدبيرا من الرابع والذى تركه خمسة أيام ألطف تدبيرا من الخامس والذى تركه ستة أيام ألطف تدبيرا من السادس والذى امتنع من الغذاء سبعة أيام فهو ألطف تدبيرا من السابع وليس يمكن أن يكون أحد ألطف تدبيرا من هذا فالذى مدبر إذا بألطف التدبير إنما هو هذا الذى امتنع من الغذاء أيام مرضه كلها إلى أن جاز منتهى المرض ويدلك على أن هذا المعنى هو معنى بقراط الزيادة التى زادها فقال الذى فى الغاية القصوى من اللطافة وذلك أنه لم يكتف بأن يقول انه يجب أن يستعمل ألطف التدبير فى صاجب المرض الذى فى غاية الحدة على أنه ليس بعد ألطف التدبير غاية أخرى من اللطافة لكنه زاد فى قوله الذى فى الغاية القصوى من اللطافة واحتمل أن يكون معنى واحد مرتين كيما يبين معناه ويشرحه فإن البلوغ إلى الغاية قد يدل عليه قوله ألطف التدبير ويدل عليه أيضا قوله الذى فى الغاية القصوى من اللطافة وعلى هذا القياس فقد كان يكتفى بإحدى اللفظتين لكنه إنما استعملهما جميعا وهو يريد أن يدل أنه ليس من ماء الشعير فقط يمنع من كان مرضه بتلك الحال لكن قد يمنعه أيضا من ماء العسل فإن الاقتصار بالمريض على ماء العسل من ألطف التدبير إلا أنه وإن كان كذلك فليس هو من ألطف التدبير الذى فى الغاية القصوى فلما زاد فى قوله الذى فى الغاية القصوى كان المعنى الذى يشير إليه فيه هو المعنى الذى يثلب به ارسسطراطس دكسبس وابلونيس تلميذى بقراط أنهما لم يكونا يقتصران على أن يمنعا المرضى من جميع الأشياء حتى كانا يمنعان مع ذلك من الماء والأجود فيما أحسب أن أضع كلام ارسسطراطس فى ذلك بلفظه وهو هذا فقد يذكرون أن ابلونيس ودكسبس تلميذا بقراط اللذان أخذا عنه كانا يهيئان مكاييل من شمع يكون اثنا عشر منها سدس رطل ويكيلون للمريض بتلك المكاييل من الماء فى اليوم ثلاثة وكانا فى سائر تدبيرهم للمرضى يحصرانهم الحصر الشديد ويضيقان عليهم ولا يدعانهم يرزؤون شيئا بتة لأنهما كانا يريان أن كل رطوبة ينالها المريض إنما تصير مادة لحماه بمنزلة الوقود لها فهذا قول ارسسطراطس فى أن تلميذى بقراط كانا يدبران المرضى بغاية التدبير اللطيف حتى أنهما لم يكونا ينيلانهم من الماء مقدار الكفاية فضلا عن كل شىء وصاحبك هذا يتضمن من الخبر برأى بقراط ما يفوق فيه ارسسطراطس وتلميذى بقراط ثم عمد إلى كلام من كلام بقراط أخرجه لك يستشهد به على صحة ما ذكر فقطع بعضه عن كلام يتصل به فيه تمام معناه وأسقط من بعضه ما لا يتم المعنى إلا به وغير بعضه وقطع أوائل بعضه ثم ذم أهل هذا الدهر من الأطباء ونسبهم إلى أنهم يقتلون الناس من الجوع وحمد بقراط على أنه كان يشبع المريض كل يوم بزعمه وبقراط يبلغ من تدقيقه لتدبير المرضى أن لم يعط أحدا منهم الحسو المتخذ من الحنطة التى يقال لها خندروس فضلا عن سائر الأطعمة التى يعطيها جميع المرضى † إلا الخطاء † فى دهرنا هذا PageV01P10 6
[chapter 9]
مخ ۱۰۸
٩ ولكنه يحتج فيقول ان تلك الحنطة لم تكن عرفت بعد فى ذلك الدهر ولو كانت عرفت لقد كان بقراط لا محالة يستعملها ويشبه هؤلاء الأطباء أن يقولوا مثل هذا القول ان القدماء من شعراء اليونانيين لم يذكروا هذه الحنطة ولا ذكرها بقراط فى شىء من المقالات الثلاثة التى له فى التدبير إلا أن صاحبك يقول ان ذلك الكتاب ليس هو لبقراط فإن شئت فاجعل ذلك الكتاب لفيلسطيون وإن شئت فاجعله لارسطن وإن شئت فاجعله لفانطس فما من هؤلاء أحد إلا قديم ولم يكن بحثنا هل ذلك الكتاب لابقراط بالحقيقة أم لا وإنما كان البحث هل كانت تلك الحنطة التى ذكرنا فى ذلك الدهر أم لا وإنما حملت إلينا الآن قريبا من بلاد الهند أو من بلاد الأتراك الذين فى أقصى الشمال فكان ذلك الكتاب لابقراط أو كان لفيليسطيون أو كان لأرسطون أو كان لفانطس فقد بان ووضح ما قصدنا إليه وتبين أيضا من أن القدماء من شعراء اليونانيين يذكرون تلك الحنطة وقد ذكرها أيضا الرجل الذى كتب المقالة الصغرى من المقالتين اللتين فى العلل المنسوبتين إلى ابقراط كان ذلك الرجل فولوبس وهو أشهر تلامذة ابقراط أو كان اعروفن وهو أيضا رجل نبيه كان على عهد ابقراط ولست أضايق فى هذا لكنى أسلم أن ابقراط لم يعرف تلك الحنطة إلا أنى أقول إنه لا بد من أن يكون الخبز قد كان عرف فى ذلك الوقت فما بال ابقراط لا يستعمل الخبز فى الكتاب الذى وصف فيه تدبير أصحاب الأمراض الحادة أما أنا فالجواب عندى فى هذا أسهل وأنتزعه من نص كلام بقراط حين قال إن كشك الشعير عندى بالصواب اختير على سائر الأغذية التى تتخذ من الحبوب فى هذه الأمراض وأحمد من لا يذمه واختاره على غيره وذلك لأن فيه لزوجة معها ملاسة واتصال ولين وزلق ورطوبة معتدلة وتسكين للعطش وسرعة انغسال إن احتيج إلى ذلك أيضا منه وليس فيه قبض ولا تهيج ردىء ولا ينتفخ ويربو فى المعدة لأنه قد انتفخ وربا فى الطبخ غاية ما كان يمكن فيه أن ينتفخ ويربو ففى هذه الوجوه وفى وجوه أخر شبيهة بها يحمد ابقراط فيها كشك الشعير وليس يوجد فى غيره من سائر الأغذية نصف هذه المنافع فضلا عن كلها ولذلك اقتصر ابقراط على كشك الشعير فى تدبير أصحاب الأمراض الحادة
ناپیژندل شوی مخ