واذا كان الامر فى معنى الحمى على ما وصفت فقد ينبغى للطبيب ان يجعل هذا مبدأ كلامه فيها، واذا هو اخذ هذا المبدأ ثم فصله وميزة ان احتاج منه الى تفصيل وتمييز يصلح له قضبة على استقصاء نظره بعد ذلك فى السبب الذى من قبله يعرض ان يشتعل فى البدن مثل هذه الحرارة ولا يلجأ فى البحث عن ذلك الى استشهاد طبيب ولا غيره من عوام الناس. الا ان السوفسطائيين يفعلون اليوم خلاف هذا كله فيعتمدون فى اقامة البرهان على الشهادات كما يفعل عوام الناس فى مجالس الحكم ممن يثبت حقا بشهادة الشهود، واما المعانى التى تدل عليها الاسماء فان السوفسطائيين لا يتناولونها باقامة البرهان ولا بشهادة الشهود. والسبب فى ذلك فيما احسب انهم لا يحبون هذه ولا يقدرون على تلك. على انهم لو شاءوا لكان الامر فى ذلك سهلا عليهم جدا بان ينظروا: فما كان من الاسماء مشهورا يعرفه جميع الناس تعرفوه من الناس وتعلموه منهم وما كان منها لا يعرفه الناس فى هذا الوقت وكان قد جرى فى كلام قوم من القدماء تعرفوه من المواضع التى استعمله القدماء فيها. ولكنهم قوم لا يحبون هذين الوجهين وليس لهم وجه ثالث سواهما يصلون به الى استخراج معانى الاسماء. وقد يمكن من اراد الراحة من هؤلاء بسرعة ان يتلقاهم بان يقول: اما انا فانى اعنى بقولى حمى الحرارة الخارجة عن الطبيعة اذا افرطت فى القلب، واما انت ايها السوفسطائى فان احببت ان تسمى هذه الحرارة باسم غير هذا فمطلق لك.
مخ ۹