واما من عادة البابية من اهل هذا العصر فبمنزلة القوم الذين لا يطلقون البتة ان يسمى الالتهاب باليونانية فلغمونى ويريدون ان يكون هذا الاسم لا ينصرف على شىء اصلا خلا الورم الحار.
واما شرح الاسماء من غير استناد الى شىء البتة فهو فيما احسب من الامور التى لا يصدق بها ولا يقبل ان يكون انسان بلغ به الصمم والخبال ان يقنع بان معانى الاسماء والالقاب لا تستخرج من دلالة الالفاظ ولا من عادة القدماء ولا من عادة اهل هذا الدهر ولا من وجه آخر اصلا. ثم اذا هو سئل عن اسم من الاسماء الى ماذا ينصرف حكم فى ذلك بحكم واخبر بالمعنى الذى عليه يدل ذلك الاسم. ولقد كنت اتمنى ان اقدر على مثال او مثالين اتمثل بهما فى مثل هذا الجنون، واما الآن فليس يمكن ان تحصى مثالات ذلك كثيرة. وذلك ان كثيرا من الاطباء لا يرضون ان يقولوا ان الناس يعرفون ما عليه يدل قول القائل دم ولا ما يدل عليه قول الناس قرحة او قولهم حمى او غير ذلك من الاشياء التى لا نهاية لعددها وان احبوا قلت من الاشياء كلها.
واذا ما قالوا انه ليس يمكن احدا من عوام الناس ان يعلم ما هو الدم فالامر فيهم بين انهم يقولون ايضا ان العوام لا يعلمون ما معنى ان يحم الانسان او يرمد او ان يشتكى منه موضع من بدنه او ان يجد مغصا، وذلك انه ان كان كل من لا يعرف جوهر كل واحد من الاشياء فهو لا يعرف ايضا ما الذى يدل عليه كل واحد من الاسماء فالامر فيه معلوم انه ليس هو جاهلا بهذه فقط بل هو مع ذلك جاهل بجميع الاشياء. وهؤلاء قوم اذا قالوا هذا القول لم يفهموا معرفة طبيعة الدم وجوهره او جوهر الورم الحار المسمى باليونانية فلغمونى او جوهر الرمد فقط بل قد يفوتهم ايضا معرفة جوهر الحنطة وجوهر الشعير وجوهر الحمص وجوهر الباقلاء وجوهر الزيت وجوهر الشراب وانهم مع هذا ايضا ليس يعرفون جوهر شىء من النبات ولا جوهر شىء من الحيوان على الحقيقة كما لا يعرفون جوهر انفسهم. فعلى هذا القياس ليس ينبغى لهولاء القوم ان يكلفوا الناس تسمية انفسهم بأسماء يعرفون بها ما داموا لا معرفة لهم بجوهر الانسان.
مخ ۱۴